زاد الاردن الاخباري -
كان العام 2010 عاصفا بحق سواء في الاكتشافات العلمية التي شهدها أم في اضطراب الطبيعة بظواهرها وبالتدخل البشري في قوانينها.
وبينما احتفى العالم برائد بحوث الإخصاب البريطاني الدكتور روبرت أدواردز بمنحه جائزة نوبل للطب، لأنه "أعاد البسمة للملايين" ممن حرموا من الإنجاب، أثبتت تقنية تحليل الحامض النووي DNA أنها أداة فعالة بيد العلماء في مجال دراسة التاريخ الإنساني وتطور الأجناس عبر العصور، الأمر الذي أكده إعلان نتائج تحليل الخريطة الوراثية (الجينوم) للسلالات القديمة.
وعلى صعيد البيئة، هيمن هاجسا التغير المناخي واندثار الأنواع على نشاطات العام. وبالرغم من المساعي الدولية لضبط حالة التداعي البيئي وانهيار التنوع البيولوجي، فإن المؤتمرات والاجتماعات لم تسفر سوى عن نتائج "متحفظة" كما جرت العادة نظرا لاختلاف المواقف والمصالح ما بين أغنياء وفقراء ومنتجين ومستهلكين.
اعتبر إعلان باحثين عن انتاج خلية أحادية تحمل برمجية وراثية تم تركيبها، كاملة، في المختبر، بمثابة يوم ولادة "الخلية الحية المصنعة من حامض نووي صناعي". جاء ذلك ضمن مشروع علمي تولاه معهد كريغ فنتر في ولاية ميريلاند الأمريكية.
وكان فنتر قد اعلن منذ أكثر من عشر سنوات عن هدف فريقه في انتاج ميكروبات صناعية، وظل يعمل على هذه الفكرة حتى نشرت مجلة "ساينس" تفاصيل نتائج بحثه في مايو/ أيام من العام 2010.
يتلخص العمل العلمي الذي قام به فريق فنتر بحقن مادة وراثية عبارة عن سلسلة قصيرة من الحامض النووي "دي أن أيه" الى داخل ميكروب (خلية مضيفة) فُرِّغ من مادته الوراثية. وبدت الخلية المنتجة مشابهة تماما للخلية الطبيعية وصارت تؤدي نشاطا حيويا بتوجيه من مادة وراثية مصنعة، ونتج عن انشطارها نسخا تتحكم فيها البرمجية المصنعة التي أدخلت للخلية الأم.
ومع هذا الإعلان تجدد الجدل بشأن البحوث العلمية، بين من أعرب عن مخاوف مما وصف بالتدخل في انسيابية الحياة، ومن دعا إلى ضرورة التعمق في البحث العلمي لخدمة الإنسانية.
الهدف الذي أعلن عنه الفريق هو استخدام مثل هذه الخلايا لأغراض العلاج وانتاج الطاقة، فضلا عن المساهمة في امتصاص الغازات المنبعثة والمضرة بالبيئة.
وفي حين شكك منتقدو البحث بإمكانية ذلك، قال مؤيدوه أنه يمكن لهذه التقنية إذا تم تطويرها أن تساعد على معالجة مشاكل محددة مثل انتاج لقاحات الانفلونزا بطريقة فعالة وسريعة لا تسمح بها التقنيات السائدة حاليا.
على عكس ما كان يعتقد، توصلت دراسة علمية الى أن لإنسان نياندرتال القديم صلة وراثية بالسلالة البشرية الحالية. وإنه لم ينقرض من الوجود قبل نحو 25 ألف سنة، دون أن يترك "جزءا منه فينا"، كما يقول العلماء القائمون على تلك الدراسة، بمعنى أن جيناته لا تزال متوارثة.
وحسب نتائج فك شفرة المليارات من قطع حامض "دي أن أيه" المستخلصة من عظام وجدت في كهف في كرواتيا، فإن حوالى 1 الى 4 بالمئة من جينوم الأوروبيين والآسيويين مصدرها ذلك الإنسان القديم، كما يقول العلماء، مما يشير الى حصول تزاوج بين اسلاف الإنسان المعاصر والنياندرتال.
لكن الدراسة التي استغرقت سنوات وأعلن عن نتائجها في مايو/ أيار 2010، لم تنف الأصل الأفريقي للبشر (النظرة السائدة ترى أن ما يعرف بالإنسان العاقل عاش في أفريقيا قبل مئتي ألف سنة، ثم انتشر الى بقاع أخرى من العالم)، بل انها تستخلص ان تزاوجا محدودا حدث بين النياندرتال وأسلاف الجنس الأورو- آسيوي.
ويقول العلماء في الدراسة التي نشرتها مجلة "ساينس" انهم أجروا مقارنة بين شفرة انسان نياندرتال وشفرة الإنسان المعاصر وتبين أنها أقرب الى الأورو- آسيويين منها الى الأفارقة.
وهذا يختلف عما كان شائعا من أن إنسان نياندرتال يشكل سلالة منفصلة تماما انقرضت دون أن تترك أثرا في الجنس البشري المعاصر الذي حل محل الأنواع القديمة.
فك شفرة "دي أن أيه" للنياندرتال لم تظهر التشابه فقط، بطبيعة الحال، بل اثبتت الاختلاف أيضا، كما يرى العلماء، وخصوصا في ما يتعلق بتلك الصفات المسؤولة عن قدرة الإنسان المعاصر على الديمومة.
وفي الشهر الأخير من السنة، أثبت العلماء، مرة أخرى، أن تقنية تحليل حامض "دي أن أيه" أداة فعالة في استكشاف أعماق الماضي بالنسبة للتطور البيولوجي.
فقد توصلوا عبر فك شفرة الحامض النووي لعظام أصابع كائن بشري عمرها نحو 50 ألف سنة عثر عليها في كهف في سيبيريا. أنها تعود لإنسان لا هو من سلالة الإنسان المعاصر ولا هو من سلالة إنسان نياندرتال، ومع ذلك لها صلة بالسلالة البشرية الحالية.
بل أن العلماء أكدوا أن هناك تشابها بين شفرة هذا الكائن وسكان جزيرة ميلانيزيا في المحيط الهادئ ما يشير إلى حصول تزاوج بين هذه السلالة والسلالة البشرية الحديثة.
وأطلق العلماء على الكائنات البشرية القديمة اسم "دينيسوفانز" نسبة للكهف السيبيري الذي عثروا على العظام فيه.
ويقول الباحثون إن خارطة هذا الكائن البشري الوراثية تؤكد وجود أربع سلالات بشرية عندما بدأت سلالة الإنسان الحديث تنزح من أفريقيا التي كانت تستوطنها إلى بقاع أخرى. والسلالة، موضوع البحث، واحدة منها، لكنها انقرضت أيضا وتركت آثارها الوراثية نتيجة هجرتها وتزاوجها.
كالعادة لا تدخل جوائز نوبل للعلوم في إشكالات السياسة والجدل حولها كما هو الحال بالنسبة لجوائز للسلام والاقتصاد وأحيانا الآداب. فهي تمنح عادة لإنجازات علمية متميزة لعالم أو أكثر من بلد أومجموعة بلدان. ومع ذلك فإن جائزة الطب، لهذا العام، نالها بعض الانتقاد بسبب حساسية العمل العلمي الذي منحت له من وجهات نظر "اخلاقية ودينية".
فقد حصل هذا العام البريطاني الدكتور روبرت أدواردز على جائزة الطب لاشتعاله في مجال الإخصاب خارج الرحم، ما وفر فرصة الإنجاب للملايين ممن حرموا منها لأسباب بيولوجية.
أفنى أدواردز (85 عاما) عمره في البحث والعمل في هذا المجال الذي عرف ب"أطفال الأنابيب" منذ الخمسينات. وأنشأ في مدينة كيمبردج مع زميله الراحل الدكتور باتريك ستبتو أول عيادة في هذا الاختصاص على صعيد العالم.
وبعد تجارب عديدة لم تحقق النتائج المرجوة، أعاد أدواردز وستبتو النظر فيها وعملا على تطويرها، ولدت عام 1978 لويز براون، وهي أول طفلة "انابيب"، وكان ذلك حدثا علميا مدويا.
منحت الجائزة لأدواردز الذي لم يستلمها بنفسه بسبب عمره واعتلال صحته (استلمتها زوجته وهي الأخرى باحثة)، لأنه حسب اللجنة المانحة حقق إنجازا علميا جعل من معالجة العقم الذي يعاني منه نحو 10 بالمئة من الأزواج على النطاق العالمي، أمرا ممكنا. وبفضل هذه التقنية رأى نحو أربعة ملايين طفل الحياة في العالم.
وبقدر ما كان ذلك الحدث إنجازا كبيرا، كانت تحيطه هالة من الجدل والاستغراب، ربما تلاشى الأخير لكن الجدل في جوانبه الدينية و"الأخلاقية" ظل قائما، وهو ما جعل من منح جائزة نوبل لهذا العام، مادة للاعتراض من بعض الجهات والأفراد.
لكن لويز براون وهي،الآن، في الثانية والثلاثين من العمر والتي أصبحت أماً شاركت أسرة الدكتور أدوارز احتفالها بمنحه جائزة نوبل.
كانت جائزة نوبل للفيزياء هذا العام من نصيب عالمين من أصل روسي يعملان في جامعة مانشستر البريطانية، هما أندريه جيم وكونستانتين نوفوزيلوف.
ومنحت الجائزة لهذين العالمين بسبب بحثهما على مادة نادرة الخواص، هي الغرافين وهي عبارة عن مادة شفافة سمكها ذرة كربون واحدة، لكنها في الوقت ذاته متينة وموصلة جيدة للكهرباء، وتؤهلها خواصها الفريدة كي تستخدم لأغراض عملية متعددة.
عزل العالمان رقائق هذه المادة من الغرافيت الذي يستخدم في صناعة أقلام الرصاص. ووجدوا أن الطبقة الواحدة من الغرافيت بسماكة مقدارها 1 مليمتر تتكون من مليون طبقة من مادة الغرافين. تلك الطبقات متراكمة على بعضها، لكنها ضعيفة الالتصاق مما يجعل فصلها سهلا.
ويرى بعض العلماء أن هذه المادة التي توازي قدرتها على التوصيل الكهربائي قدرة النحاس وتفوق قدرتها على التوصيل الحراري قدرة جميع المواد الأخرى، تعد بأن تستخدم في صنع ترانزستورات خارقة السرعة، بل أن بعضهم توقع أن تحل محل السيليكون الذي يستخدم في الترانزستورات الحالية.
وتقول لجنة الجائزة إن من شأن هذا الاكتشاف أن يقود الى تصنيع أجهزة إلكترونية مبتكرة مثل الكومبيوترات السريعة والشاشات الشفافة.
كان العالمان كلاهما يعملان في هولندا التي يحمل جنسيتها البروفيسور جيم (51 عاما) بينما يحمل الدكتور نوفوزيلوف الجنسيتين البريطانية والروسية، ثم انتقلا الى مانشستر حيث نشرا في جامعتها بحثهما المتعلق بالغرافين عام 2004.
أما نوبل الكيمياء فقد منحت لثلاثة علماء هم الأمريكي ريتشارد هيك من جامعة ديلاور الأمريكية واليابانيان إيتشي نيغيشي من جامعة بوردو الأمريكية وأكيرا سوزوكي من جامعة هوكايدو اليابانية، لطريقتهم المبتكرة في تركيب الجزيئات، مما سهل عمل غيرهم من العلماء العاملين في مجالات الأدوية والصناعة الإلكترونية.
من المعلوم ان الكيمياء العضوية تستند على استخدام قابلية ذرات الكربون في بناء هيكل الجزيئات المتفاعلة، وهو الأمر الذي استفاد منه الطب الحديث كما ساهم في انتاج مواد صناعية جديدة.
وفي هذه المجالات يحتاج العلماء الى ربط ذرات الكربون ببعضها، لكن تلك الذرات لا تتفاعل بسهولة بينها، مما حدا بعلماء الكيمياء العمل على جعل ذرات الكربون أكثر قدرة على التفاعل لتسهيل ارتباطها. وصار بذلك ممكنا تصنيع جزيئات بسيطة، لكن إذا تعدى الأمر ذلك الى جزيئات أكثر تعقيدا ينتج التفاعل مواد جانبية أخرى غير مرغوب بها.
والإنجاز الذي حققة العلماء الفائزون بجائزة نوبل تمثل في تمكنهم من حل هذه المعضلة بربط ذرات الكربون عبر ذرة من عنصر البلاديوم. وصار ممكنا بفضل ما توصلوا إليه تصنيع مواد يمكن استخدامها في علاجات لأمراض مستعصية كالسرطان.
وفي إنجاز علمي آخر، احتفت المنظمة الأوروبية للبحوث النووية ومعها الأوساط العلمية في نجاح تجربة "مصادم الهدرون"، في محاكاة الانفجار العظيم خلال التجربة التي أجريت تحت الأرض على الحدود الفرنسية السويسرية.
وانتجت التجربة حرارة تفوق حرارة مركز الشمس بمقدار مليون مرة عن طريق مصادمة الأيونات، في محاولة لخلق ظرف مشابه للحظات التي سبقت نشأة الكون نتيجة ما يعرف ب "الانفجار العظيم"، حسب العلماء الأوربيين.
وفي تطور لاحق، تمكن علماء المنظمة الأوروبية للبحوث النووية من تجميع "ذرات مضادة للمادة" والاحتفاظ بها لزمن قصير جدا "جزء من الثانية"، لكنه اعتبر كافيا لدراستها بغرض تعميق فهم نشأة الكون.
وكانت تلك الذرات المضادة للهيدروجين قد انتجت في السابق من دون التمكن من الاحتفاظ بها زمنيا، لأنها كانت تتعرض للتدمير في لحظتها.
ويعتبر هذا النجاح إنجازا كبيرا في الطريق الإجابة على السؤال عن أحدى النقاط الغامضة في علم الفيزياء وهو: لماذا تهيمن المادة، وليس مضاد المادة على تركيب الكون؟ في حين لا تميز قوانين الفيزياء بين الاثنين، كما أن كميات متساوية من المادة ومضادها أنتجت لدى ولادة الكون، كما يقول العلماء.
لم يحرز مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي في مدينة كانكون المكسيكية، كمثيلاته من المؤتمرات، نتائج كبيرة رغم أنه اعتبر خطوة مهمة في إعادة محادثات المناخ الدولية إلى مسارها، ما يعزز الأمل في التوصل الى اتفاقية ملزمة بشأن انبعاث الغازات الضارة.
وأكد الاتفاق الذي أسفرت عنه محادثات كانكون في ديسمبر/ كانون الأول على النقاط التي تضمنها وثيقة 2009 التي وقعت في مؤتمر كوبنهان، الذي أخفق في التوصل الى اتفاق ملزم يحل محل معاهدة كيوتو.
ومن أهم النقاط التي اتفق عليها في المكسيك انشاء "صندوق أخضر" بمبلغ 100 مليار دولار سنويا لدعم الدول الفقيرة بحلول عام 2020، وإيجاد وسائل من شأنها مساعدة تلك الدول على التأقلم مع انعكاسات التغير المناخي، ووضع آلية جديدة لإبطاء اندثار الغابات وتشجيع التحول إلى استخدام التكنولوجيا ذات الكربون الواطئ.
وبرغم ما سجل في كانكون باعتباره تقدما إيجابيا، لا يزال هناك قلق في الأوساط العلمية من وجود ثغرات تحول دون تحديد النسبة المطلوبة من تقليص الانبعاث الغازي، لحماية سكان الأرض من تأثيرات الاحتباس الحراري.
وهناك خشية ايضا من أن التعهدات الحالية لوقف غازات الدفيئة غير كافية للحد من ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، وهو المستوى الذي اتفق عليه في المؤتمر، حسب لجنة التغير المناخي التابعة للأمم المتحدة.
ويؤكد العلماء ونشطاء البيئة على ضرورة التوصل لاتفاق ملزم للدول الصناعية الكبرى بالحد من انبعاث الغازات ومساهمة الدول النامية في ذلك، من أجل وقف التدهور البيئي المتمثل بالظواهر المدمرة كالفيضانات والجفاف والانزلاقات الأرضية وذوبان الجليد القطبي وارتفاع مستوى المحيطات.
وفي المرحلة الحالية على الأقل، لابد من تنفيذ التعهدات التي تتضمنها الاتفاقات الدولية، خصوصا اتفاق كانكون الأخير، ووضع أنظمة مراقبة تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، كما يرى هؤلاء.
في الوقت نفسه يعترف الجميع بأن الأختفاء السريع للأنواع الحية حقيقة صاعقة، ما يستلزم إجراءات سريعة لوقف اندثار الحيوانات والنباتات وبيئاتها الطبيعية.
ولهذا الغرض انعقد في مدينة ناغويا اليابانية مؤتمر التنوع الحيوي في أكتوبر/ تشرين الأول. وتم الاتفاق فيه على خطة أمدها عشر سنوات للحد من تداعي البيئات الطبيعية والأحياء التي تعيش فيها. لكن العلماء يعتبرون هذه الخطة "ليست طموحة".
ولا بد من الإشارة إلى أن اختفاء الأنواع وبيئاتها الطبيعية يحرم كوكب الأرض من موارد اقتصادية لا تعوض، والأهم من ذلك ينهي دورها في توفير ضرورات الحياة كالماء والأوكسجين والمساهمة في تحسين المناخ.
في هذه الأثناء، حذر تقرير أعلن في مؤتمر التنوع الحيوي من أن 20 بالمئة من النباتات واللبائن معرضة للانقراض.
ويأمل واضعو التقرير في أن يكون هذا التحذير كافيا لإن يأخذ المجتمع الدولي التهديد الذي تتعرض له الطبيعة مأخذ الجد.
وفي هذا الإطار اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نهاية العام، قرارا بإنشاء لجنة حكومية خاصة بالقضايا العلمية والسياسية المتعلقة بالتنوع الحيوي، على غرار لجنة التغير المناخي.
والهدف من اللجنة تنسيق العمل على النطاق العالمي في مواجهة اندثار الأحياء والغابات وانحسار المياة العذبة والشعب المرجانية وجميع النظم البيئية الضرورية للحياة على الأرض، كما تقول المنظمة الدولية.
مصطفى كاظم
بي بي سي - لندن