زاد الاردن الاخباري -
لارا احمد - تتسارع الأحداث في الجزائر بعد شهرٍ من اندلاع شرارة انتفاضةٍ شعبيةٍ عارمة، ضد ترشّح الرئيس الجزائري «عبدالعزيز بوتفليقة» لولايةِ حكمٍ خامسة، والذي يعيش في عزلةٍ شعبيةٍ غير مسبوقةٍ منذ تولّيه مقاليد الرئاسة عام 1999، يفصله من نهاية ولايته الرابعة قانونيّاً، 37 يوماً في 28 أبريل/ نيسان القادم، وتقديمه وعوداً بإقامة إصلاحاتٍ سياسيّةٍ وتعديلاتٍ دستوريّةٍ عميقةٍ فيما لو تسلّم ولاية خامسة، إلا أن هذا العرض قوبل بالرفض من الشارع المشتعل بالغضب الشعبي، والذي اعتبر هذه الوعود التفافاً على مطالبه بالتغيير الجذري، أبرزها رحيل النظام الحالي.
ورغم تراجع بوتفليقة عن خوض السباق الرئاسي، إلا أن المحتجين رفضوا تصديق هذه الخطوة، وسط هواجس شعبية ولدى المعارضة، من هيمنة نظامه على زمام الأمور في البلاد في المرحلة المقبلة. لكن الموازين سرعان ما انقلبت بشكلٍ دراميتيكي بمفاجآتٍ لم تكن في الحسبان، بل إن بعضها شكّل صدمة لدى المتابعين للأوضاع في الجزائر منذ 22 فبراير/ شباط الماضي.
أبرز هذه التطورات انحسار تحذير المؤسسة العسكرية من انحراف مسار الإحتجاجات، وبروز إشادةٍ بسلميتها وحضاريتها، وإبداء الاستعداد للوقوف إلى جانب المطالب الشعبيّة، وقد بدا ذلك واضحاً في خطاب قائد أركان الجيش الفريق «قايد صالح»، بعد إلغاءه عبارة «فخامة الرئيس» من مفرداته.
هذا التحوّل المفاجئ في المؤسسة العسكرية ألقى بظلاله على الأحزاب والمنظمات الموالية للرئيس بوتفليقة وبشكلٍ علني، حيث أطلق الناطق باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي «شهاب صدّيق»، تصريحاتٍ إعلامية اعتبرت ترشح بو تفليقة خطأ وانعدام بصيرة، رغم أن حزبه تابع لرئيس الوزراء المستقيل «أحمد أويحيى»، والذي دعا في وقتٍ سابقٍ للاستجابة للمطالب الشعبيّة في أقرب وقت. أعقب هذ المشهد تصريح إعلامي للمنسق العام للحزب الحاكم معاذ بوشارب، بإعلانه مساندة حزبه للحراك الشعبي. نقطة تحوّلٍ هي الأخرى شكّلت ضغوطاً داخليّة أفرزت انشقاقاً بين كوادر وقيادات حزب التجمع الوطني والحزب الحاكم، مع بروز استقالاتٍ وعرائض تطالب بتغيير القيادات في الحزبين.
لم تتوقف الإنشقاقات عند هذا الحد، بل طالت الإتحاد العام للعمال الجزائريين، والذي يعدُّ أكبر نقابة في البلاد تدعم حكم بوتفليقة، لكن بيانات الإنشقاق من فروعه المحليّة حسمت الموقف بالإصطفاف مع الحراك الشعبيّ، ولحق بالاتحاد في موقفه منتدى رؤساء المؤسسات، وهو أكبر تنظيم لرجال الأعمال، بقيادة «علي حدّاد المقرب من بوتفليقة»، الذي اضطر لإعلان تقديم استقالته نهاية الشهر الجاري، بعد استقالاتٍ متتاليةٍ في صفوف المنتدى.
واعتبر المراقبون أن هذه المواقف تمثل انقلاباً كبيراً على بوتفليقة، وضعته رهن أكبر عزلةٍ عرفها رئيسٌ جزائري بعد تخلّي هذا الكم من الحلفاء، إلى أن جاءت الضربة القاضية حسب وصفهم ممن مثلّوا أهم غطاءٍ ديني مد ظلاله على «عرش بوتفليقة» منذ تولّيه مقاليد الرئاسة، وهي إعلان عشرات من شيوخ الطريقة الصوفيّة بتأييدهم للحراك والمطالبة بالحلول الدستورية، دون فوضى مع حفظ كرامة رئيس الجمهورية، وكأنهم يبشرّون بنهاية عهده.
ويرى مراقبون أنها قد تكون مؤشرات فعليّة لحسم المعركة لصالح الإرادة الشعبية الجزائرية في محطة ما قبل نهاية «حكم بوتفليقة»، وسط هواجس ومخاوف شعبية من عودته بغلافٍ جديد بخارطة حكمٍ قد ترسم ملامحها الأيدي الفرنسية.