د . عودة أبو درويش - بعد أن صلّت التراويح ، جلست في الحوش ووجّهت وجهها جنوبا الى الكعبة ، ورفعت يديها ثمّ دعت ربّها أن ييسر لها في حياتها الخير ، وأن يغيّر الحال والاحوال ، ثمّ غفت . رات في المنام منادي يناديها أنّ هذه الليلة هي ليلة القدر وأنّ جميع ما تطلبه سيتحقق ، وكلّ ما تتمنّاه سيكون . لكنّها لم تعرف بماذا تبدأ ، وأيّ أمر من الأمور الكثيرة الناقصة في حياتها تطلب أن يكتمل ، وكيف لها أن تطلب شيئا وتنسى أشياء فكلّها مرتبطة ببعضها ، متشابكة حدّ صعوبة الفصل بينها .
ربّما لأن زوجها فقير الحال ستطلب مالا ، مالا كثيرا وكنز عظيما ، يغيّر حال عائلتها ويجعلها تصبح من العائلات الغنيّة . تبدأ بصيانة البيت الذي يكاد يقع على رؤوسهم ، أو حتّى ببناء منزل كبير على الطراز الحديث ، ثمّ يفتتح زوجها دكّانا في السوق الجديد ، يضع فيه بضائع كثيرة ليست موجودة في محلّات البيع الأخرى ، فتزدهر تجارته ويصبح المال لديه كثير . فيأتي لها بخادمة تساعدها في أعمال البيت ، ولكن ، آخ منكم أيّها الرجال ، ربّما يتزوّج عليها ، فالرجال لا يؤتمن لهم . تناست فكرة طلب المال ، فهو سيغيّر حياتها نعم ولكن ربمّا الى الأسوأ .
ستطلب أنّ يوّفق الله أولادها في حياتهم ، وأن يحصلوا على الدرجات العليا والشهادات العلميّة الرفيعة . فيصبحون من الموّظفين الكبار في الدولة ، وربّما وزراء أو أعيان ، فتتغيّر حياتهم ويتزوّجوا فتيات من عليّة القوم . جميلات ونظيفات . ولكن الفتيات المرفّهات لا يفعلن شيئا في دور آبائهنّ ولا يستطعن طهي الطعام أو غسل الملابس ، فتكثر المشاكل بينها وبينهن ، ثمّ لا تجد بدا من أن تبتعد عن أولادها الذين سيذعنون حتما لزوجاتهم وسيتركونها تعيش وحيدة ، ولا يراعوا شيبتها وحاجتها لهم . وربّما يصبح أولادها من الفاسدين بعد أن تغريهم المراكز وربّما لن ينتبهوا للناس البسطاء . عليها اذا أن تصرف النظر عن هذا الطلب .
أفضل شيء أن تطلب الصحّة الدائمة وأن تبقى قويّة ، تخدم أسرتها وتسهر على راحة زوجها وأولادها ، ولا تحتاج الى طبيب أبدا ، فالصحّة هي أساس كلّ شيء . ماذا ينفع المال ان كان المرض يفتك في الجسم ، وما نفع الأولاد ان نفروا هم وزوجاتهم منها اذا أصابها مرض أقعدها عن القيام بواجباتها المنزليّة . لكنّ السنين تمضي وستصبح عجوزا ولا بدّ من أن يزورها مرض ما من أمراض الشيخوخة ، وهذه سنّة الحياة .
فكّرت قليلا . ماذا لو أنّها تمّنت في ليلة القدر أمنية تسعد كلّ الناس . كأن تصبح الدولة الفقيرة التي تعيش فيها من أغنى دول العالم ، وأن يرزق الله أهلها من الثمرات والموارد التي تجعل من هذا البلد غنيّا ، فيعيش الناس جميعهم في رخاء وراحة بال . لكن ، هل سيترك الفاسدين من المسؤولين هذه الخيرات ولا يستحوذوا عليها ، بحجّة أنّهم الأقدر على ادارة موارد الدولة ، فيأخذوا كلّ شيء ولا يتبّقى للناس الّا الفتات وكأنّهم هم من يرزق الناس وليس الله .
أفاقت على صوت زوجها يناديها ، ويسأل عن السحور . تذّكرت وصيّة الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم ، لمن حضرته ليلة القدر ، اللهم انّك عفو تحبّ العفو فاعفوا عنّي ، فلا شيء يعدل عفو الله في الدنيا والآخرة ، وأخذت تردد هذا الدعاء .