زاد الاردن الاخباري -
منظمة هيومن رايتس ووتش تذكر الحكومة بالتزاماتها تجاه الاتفاقيات الدولية
حنان الكسواني - كشف هروب 37 عاملة منزل سريلانكية من سفارة بلادهن في عمان، عن خلل في ممارسة وتطبيق نظام استقدام وتشغيل العمالة الوافدة، وضعف في التنسيق بين المؤسسات الرسمية والجهات ذات العلاقة و"تجاهل" للاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان.
ففي وقت طالب فيه وزير العمل سمير مراد بتصريحات صحافية أول من أمس بعودتهن للسفارة لحين دراسة حقوق كل عاملة على حدة، رفضت العاملات العودة الى سفارة بلادهن مؤكدات التمسك بقرارهن الجماعي ألا وهو "العودة إلى بلادهن سريلانكا".
وقالت العاملات الهاربات لـ"الغد" "نحن ضحية مستقدمينا وبعض مكاتب الاستقدام، والسفارة لم تحل مشاكلنا منذ شهور وسنين مضت، ووزارة العمل لم تنفذ وعودها، ومكاتب الاستقدام تستغلنا لحسابها الخاص".
وانتهزت الهاربات، بعد أن فقدن الأمل بسفارتهن من الوصول الى حل جذري مع الجهات ذات العلاقة في الأردن، فتح باب سفارتهن الصباحي ليتدافعن خارجها بحثا عن "شمس الحرية" بحسب قولهن، غير آبهات بالبرد القارس الذي تسلل إلى صدورهن، أو عدم إيجاد مأوى لهن وطعام يسد جوعهن.
فيما تؤكد النقابة العامة لأصحاب مكاتب استقدام واستخدام العاملين بالمنازل على لسان النقيب خالد الحسنات، أن هناك إجراءات روتينية رسمية بطيئة تحد من الإسراع في حل مشاكل العاملات السريلانكيات، لكن اللجنة الرسمية برئاسة وزير العمل مراد وافقت على تسفير 23 عاملة سريلانكية من أصل 80 عاملة تقدمن بشكاوى، داعيا سفارتهن لمراجعة وزارة الداخلية لإجراء عملية التسفير فورا، إذ تم إعفاؤهن من كافة الغرامات المالية المترتبة عليهن.
ويذكر الحسنات في خطوة منه للحفاظ على حقوق الكفلاء، بأن نظام العاملين في المنازل وطهاتها وبستانييها لعام 2009 يحمل العامل ذاته، في حال هروبه من المنزل من دون أن يكون صاحب المنزل متسببا بذلك جميع الالتزامات المالية بموجب عقد العمل الموقع وتكلفة عودته الى بلده.
وما يزال مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان الذي تأسس في العام 2007، يتفاوض مع بعض مستقدميهم وبعض أصحاب المكاتب، لتصويب أوضاع عاملاتهن وترحيلهن إلى بلادهن على نفقتهم الخاصة وتسليم جوازات سفرهن المحتجزة بعد أن يتعهدن بدفع مستحقاتهن المالية، وفق رئيسته ليندا الكلش.
ويسعى المركز الى تأمين مأوى ووجبات غذائية للعاملات، كحل مؤقت، في خطوة جادة للوصول الى حلول جذرية لتنظيم موضوع العمالة في الأردن حتى لا يوصم بـ"الاتجار بالبشر" كما جاء في تقارير عديدة صادرة عن منظمات حقوق الإنسان. ولفتت الكلش أن اتحاد المرأة الأردني تكفل بإعداد وجبات غذائية لمدة شهر للعاملات السريلانكيات من باب المسؤولية الاجتماعية تجاههن، فضلا عن استضافة الكنيسة لهن للمبيت. وتلزم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المبرمة الجهات الرسمية متمثلة بوزارتي العمل والداخلية مسؤولية توفير حلول مستعجلة لعلاج مشاكل العمالة الوافدة الطارئة، حسب ما أكده خبير القانون الدولي وحقوق الإنسان الدكتور محمد موسى.
وحول قضية العاملات السريلانكيات "الهاربات"، أشار الى ضرورة تأمين أماكن آمنه تحميهن من أي عنف قد يمارس ضدهن، فضلا عن تحصيل حقوقهن المالية قبل تسفيرهن بكل السبل الميسرة، داعيا الحكومة للتعامل مع هذه القضايا، بالاستناد الى الاتفاقيات الدولية على أنها "اتجار بالبشر" وليست "مطالبات عمالية وحقوقية".
وهذا ما ارتكز عليه الباحث الأول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة الدولية "هيومن رايتس ووتش كريستوفر ويكلي"، في خطابه الرسمي الموجه الى رئيس الوزراء سمير الرفاعي أمس وحصلت "الغد" على نسخة منه يذكر فيه الحكومة بضرورة "الالتزام بالاتفاقيات الدولية وبالذات البنود المتعلقة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يركز أنه من حق أي شخص أن يغادر أي بلد بحرية، بالإضافة الى العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية حول حق تأمين السكن".
واتفق الدكتور الموسى مع ما جاء في تقارير منظمات حقوق الإنسان الناشطة في الأردن، بتحميل الحكومة ممثلة بوزارة العمل، مسؤولية استمرار الانتهاكات بحق عاملات المنازل وما يتلوها من انتقادات دولية متواصلة، إذ قال الموسى إن "عدم وجود آلية محددة توضح أن العاملة حصلت على كافة حقوقها قبل مغادرتها البلاد، فإن العديد من الكفلاء بناء على ذلك، لا يدفعون أجور العاملات الشهرية ويتمادون في ذلك من دون رقيب". وحتى تفرغ لجنة العاملات في وزارة العمل من شكاوى العاملات وتسلم السفارة السريلانكية أوراق تسفيرهن، يتراكم في قبو السفارة السريلانكية نحو 90 عاملة أخرى غير العاملات الموجودات في المركز، ينتظرن "الإفراج عنهن رغم أنهن توجهن للسفارة برغبتهن بعد هروبهن من مكاتب الاستقدام أو من مستقدميهن". وفق الناشطة في حقوق الإنسان الكلش.
لم تجف دموع العشرينية انوشكا كي جي، كلما تذكرت أن مستقدميها حبسوها في منزلهم بمنطقة مرج الحمام عدة شهور قبل أن يغادروا إلى إحدى الدول الخليجية، فباتت تنتظر بفارغ الصبر أن تلتقط فتات خبز وبعض خضار توفرها لها والدة "ماما" المقيمة في عمان وتعهدت برعايتها لحين عودتهم، بحسب قولها.
وتقول العازبة انوشكا لـ"الغد" أعمل على مدار الساعة لا أنام سوى ساعات قليلة، ورغم ذلك لم ترحمني فكانت تتفنن بأساليب ضربي وعض جسدي. وتحملت لغاية سفرهم حتى هربت للسفارة بمساعدة صديقاتي السريلانكيات القاطنات في المنطقة ذاتها.
ويشترط النظام الأردني ذاته "عدم اصطحاب العامل عند انتقال صاحب المنزل وأسرته الى دولة اخرى للإقامة المؤقتة الا بموافقة العامل وبعد إعلام سفارة دولته اذا كان غير أردني".
مكثت أنوشكا 8 شهور في السفارة لم تجد آذانا صاغية من محامي السفارة لحل مشكلتها هي وزميلاتها الـ37 عاملة، وإذا هربت انوشكا بسبب سوء معاملة مستقدميها، فإن انديني اجندا (46 عاما) أم لثلاثة أولاد توجهت الى مكتب الاستقدام بسبب عدم حصولها على مستحقاتها المالية من وكيلها سكان منطقة طبربور بعمان، مؤكدة "أنهم أحسنوا معاملتها طيلة خدمتها السنتين لكنها ملت الانتظار في سفارتها التي لجأت إليها قبل 18 شهرا ولم تجد أي بارقة أمل بحل مشكلتها بفك حجز جواز سفرها من أيدي مستقدميها". "ننام في غرفة صغيرة في قبو السفارة، أكوام من البشر يلتصق بعضهم ببعض، نلتحف بأغطية بالية وفرشة اسفنجية رفيعة تلامس الأرض، لكن الأكل والتعامل جيدان" بهذه الكلمات البسيطة وصفت العاملة راديكا ذات 29 عاما أوضاعهن المعيشية في سفارتهن مطالبة باسترجاع حقوقهن المالية وجوازات سفرهن ومعاملتهن كبشر جئن للأردن لتحقيق أحلام أسرهن في سريلانكا لشراء منزل أو أرض صغيرة أو توفير علاج جيد لأبنائهن.
وتسترجع راديكا شريط ذكرياتها مع مستقدميها، لتقول "عملت في الأردن قبل 9 سنوات تنقلت خلالها في عدة منازل حتى استقر بي المطاف بالتنسيق مع مكاتب استقدام في منزل مستقدمي الأخير لمدة 5 سنوات في منطقة خلدا".
وتصف راديكا التي تتقن اللغة العربية بطلاقة، تعامل "ماما" بأنه لطيف حتى إنها منحتها حقوقها المالية لمدة سنتين فقط، أما السنوات الثلاث المتبقية فلم تحصل على رواتبها المتراكمة، فضلا عن مصادرة مصوغاتها الذهبية، حسب قولها.
وجاء الفرج للعاملة الخمسينية ماليني التي عملت في منزل مستقدميها في محافظة مادبا قبل 12 عاما حسب قولها ولم تر شمس عمان إلا عندما أبلغت عنها عاملة أخرى استقطبتها العائلة ذاتها لمساعدتها في الأعمال المنزلية بعد أن نال مرض السكري منها قبل سنوات عديدة وتحولت الى إنسانة "عاجزة" عن القيام بواجباتها اتجاه أسرة مكونة من 9 أفراد، تعاني الأربعينية جي كوماري من التهاب حاد في قصباتها الهوائية، تتعالج حاليا لدى أحد الأطباء المتطوعين في إحدى الكنائس بشارع وصفي التل مقرهن الحالي، بحسب قولها لـ"الغد" مضيفة "أنها لجأت الى مركز أمني في عمان الذي بدوره سلمها الى سفارتها التي تأملت من تسفيرها رؤية ولدها الوحيد في سريلانكا".
وتوفي زوج كوماري القادمة من مدينة كوالالمبور أثناء عملها في أول منزل لها بمحافظة الزرقاء قبل أن تتوجه للعمل في منزل آخر بعمان، قائلة "فقدت أسرتي في بلدي وسأفقد حقوقي المالية بكل بساطة من دون أن يرحمني أحد".
الغد