الله سبحانه وتعالى. أرحم من أن يعذبنا عذابان. الأول في الدنيا، والثاني في الأخرة. نحن نعيش جهنم في الأردن، بكل تفاصيلها، ولقد وردنا النار، والآن نحن في الأمتار القليلة. حتى نصل النهاية، والموت هو الراحة لنا.
الموت بالنسبة لنا: هو الجنة بكل ما فيها. من سعادة، وراحة. في الموت لن تفكر في الغد، ولا في لقمة أبنائك، ولا في القرض البنكي، ورسوم المدارس، وقسط السيارة، وإيجار البيت، وجارك القذر، وزوجتك سليطة اللسان، وإبنك العاق.
بعد الموت. لن تفكر، وتجادل، وتختلف مع آخر. على من يتسلم رئاسة الوزراء ولن يعنيك، إن كان صالحاً، أو فاسداً، ولن تضحك أو تحزن على هرطقات الناطق الرسمي بإسم الحكومة، وتلعثمه بالكلمات البسيطة، ولن تتابع مسرحيات أعضاء مجلس النواب، ووعودهم الكاذبة، وزواجهم السري مع أعضاء الحكومة.
بعد الموت لن تكون مجبراً، على رؤية أبناء ..... يعيثون في الأرض فساداً، ويقتلون الشرفاء، وأبنائها الطيبين، ويكافئوا بالمناصب، ويقلدون الأوسمة، والنياشين
بعد الموت. سيزداد طول رجليك عدة سنتميترات، وسيقال عنك الكثير من عبارات المديح والإطراء والثناء، ولم تكن تسمعها في حياتك. ستكون جنازتك إحتفالاً كرنفالياً، وسيغلق المشيعين الطرقات بسياراتهم، وسيلقون بأكواب البلاستيك الفارغة، وأعقاب السجائر في المقبرة، وسيتحدثون بكل شيء إلا أنت. انت لا تهمهم الآن بل الحياة هي ما تهمهم، والكل منشغل باللحظة التي ستاتي بعد دس جيفتك في التراب.
بعد الموت. لن تحفل. بمن سيشيعك، ولن تنشغل بالحصول على ثمن قبرك، وكفنك، وثمن السيارة التي ستحمل جيفتك.من بعدك هم سيتكفلون بكل ذلك.
بعد الموت. لن يشتمك سائق سيارة، ولن يزاحمك، ولن يتجبر بك رجل السلطة، ولن تهان في المؤسسات، والدوائر الحكومية، والمحاكم.
بعد الموت. لن تضطر، لأن تضع ملفك الطبي الأخضر تحت إبطك، وتتوجه مع شروق الشمس إلى المستشفيات، بعد أن تستقل باص للمواصلات، يتجبر بك الكنترول ويتحكم بك ما دمت راكباً به، أو تقوم بتأجير باص أو بكب أب حتى تصل مبكراً إلى المستشفى يقابلك الممرض، والطبيب متجهماً، ويجلدك بنظراته، كمتسول يقف على باب منزله، ثم يمن عليك بعلاج عديم الفائد لا يتجاوز ثمنه ربع دينار.
بعد الموت لن تضطر لواسطة تأخذ حقك، وتيسر معاملتك، لن تكون مجبراً أن تدفع ثمن خبز أبنائك لرشوة، مراسل أو ساعي لإنهاء معاملك.
لا تخافوا الموت. الموت هو الراحة، والجائزة، الممنوحة إلينا بعد هذا المشوار الطويل، من التعب في دنيانا، التي هي عطش بلا إرتواء، وركض خلف السراب، وقلة قيمة، وكرامة.