لماذا عنون قصي الفضلي قصيدته القصيرة ب"عودة تموز"؟
لماذا ذكر قصي الفضلي عشتار في هذه القصيدة مرتين؟
ولماذا ربط بين عشتار وجذور النخيل؟
أسئلة ثلاث، الإجابة عليها كفيلة بتوضيح القيمة المضافة إلى قصيدته القصيرة.
نجح الشاعر العراقي قصي الفضلي بالمزج بين الشعر والتاريخ ماضٍ وحاضر، وسحب هذه المعاني على بقعة جغرافية محددة لتشتبك هذه المعاني في النتائج والدلالات مع الواقع متكئاًعلى اسطورة عشتار من الماضي السحيق لما لها من رمزية معروفة ليوحي بالتشابه بين المتناقضات في مفردات نصه الذي يعاين فيه واقعاً معاشاً يتسم بنفس الصفات، فالعنوان "عودة تموز"يشير إلى حالة من الجفاف والحرارة التي تولد ردة فعل متأففة تحاول البحث عن ملجأ يمكنها التأقلم معه والإحساس بمتعة المكان التي تبدو مفقودة لأن حرارة المكان الزائدة تبدو طاردة. إن قصة الربط بين تموز والمطر و"عشتار"التي سنتحدث عنها لاحقاً، هي قصة ربط بين المتناقضات فالمطر لا يلتقي وتموز وعشتار ألهة الحب والحرب عند السومريين تحمل تناقضاً واضحاً، فالحب حالة هدوء ورومانسية وتآلف روحي وانسجام وجذب وعناق ومحبة وشوق وليونة ومعاني أخرى عديدة كلها أيجابية يعبر عنها الحب في عشتار ،في حين، إن الحرب تمثل حالة من القسوة والعنف والشدة والبؤس والفُرقة والكره والتنافر وغيرها الكثير من المعاني السلبية.
إن قيمة هذه المعاني تكمن فيما تمثله من تناقض فيما بينها وتشابه استنساخي بينها وين الواقع المعاش.
يقول الشاعر العراقي قصي الفضلي(حينما تأزف
لحظة بكاء عشتار
بجلال اللحظة
يعود تموز من عالمه
برفقة الضُحًى
ﻟﻴﺨضب المطر بتراتيل الأسى ...!
إذن المكان جاف وحار وطارد ومتناقض كما تموز ولا يرطبه إلا ما لا يلتقيه في العادة كالمطر.
وعشتار هي آلهة الحب والحرب والجمال والتضحية وهي إلهة عند السومريون لتكون إجابة السؤال الثاني في فيما تعيشه بلاد ما بين النهرين من تناقضات،وهذه الآلهة تظهر في حالة عري دائم وكأن المكان المذكور بات مكشوفاً للجميع في تناقضاته، والعري بحد ذاته مشكلة إلا لمن بات لا يخشى شيء ولم يعد منضبطاً، تهزه الفوضى من كل جانب، إضافة إلى ما تمثله كإله للحرب وفي ذلك ما يشير إلى الواقع المؤلم الناتج عن هذه الحروب. إلا أن شاعرنا كان ذكياً في اختياره لهذا الرمز فهو يريد أن يتمسك ببارقة الأمل فعشتار كما صورها السومريون أيضاً كنجمة صباحية على ظهر أسد وهو رمز القوة والمنعة، ترسل اشعاعاتها الثمانية لتقول أن الأمل معقود في هذي الديار، وأنها كما صورها السومريون أيضاً كملكة للجنة تحمل رمزية التحول فهذه البقعة وإن بدت سوداء، وبدا بديارها القفر، ستعود يوماً إلى سالف عهدها جنة من جنان الخالق، وهنا مكمن الأمل الذي يخرج كعصارة من عصارات الألم نتيجة الحروب بين حضارات بلاد ما بين النهرين وبهذا يكون الفضلي قد أجاب تساؤلنا الثاني. إن ما يميز النخلة أنها عميقة ومتجذرهزبعمق في تراب الوطن الذي اشتهر بنخيله،وهي شجرة باسقة سامقة ممشوقة القوام،معطاءة.فكأني به يستحضر النخيل ليؤكد على معنى الشموخ الذي يأمل أن يراه في وطنه ليقطف الجميع من ثمرة ويعيشون بأمان،فقد ربط العطاء والجود والأصالة مع الماضي ليقول أن الوطن هكذا وإن بدا عليلاً سيشفى.يقول في فقرته الثانية
"يقترف التوغل عبر عقود الزمن المتموج
ليقارع نَّدَبُ الخريف ،
يتَهَجَّدَ رغم غياب بوابة الفجر
على بندول إيقاعٍ تشظى نشيجه ..؟
لكنه يعود
لـــ " عشتار "
أرض عشقه الممهورة بعهود
جذور النخيل"