حزمة من حصاد قلمي ل"مطلق ملحم"تنوع في المواضيع إثراء للحصاد شهادة إبداعية سيكو- أدبية
د. سلطان الخضور
يعتبر الإصدار الجديد للأديب الباحث د. مطلق ملحم الموسوم ب "حزمة من حصاد قلمي" والذي يقع في مئتين وثمان وثمانين صفحة من القطع الكبير, يعتبر نموذجا للتنوع في طرح مجموعة من المواضيع في إصدار واحد, أسهمت في إثراء الكتاب وإعطـائه مجموعة من الألوان الثقافية التي احتوت معظم الأجناس الأدبية, والتي جعلت من الصعب على الباحث أو القارئ تجنيسه, إلا أنها غلب عليها الطابع البحثي, وهي أشبه ما تكون بالأعمال الكاملة عند الشعراء.
ومن جمال القدر أن يصدر الكتاب والناس في أردن الخير على مشارف موسم الحصاد, فقد صدر الكتاب في شهر أيار وبدأ الحصاد في بداية شهر حزيران, وهي مقاربة زمانية جميلة ومفيدة.
قبل الخوض في المواضيع التي تناولها في الكتاب سنعرج قليلاً على العنوان والصورة التي أختارها المؤلف لتطبع على الجهة اليمنى من الغلاف, فقد اختار" حزمة من حصاد قلمي" لتكون عنواناً لكتابه, إلا أن الحصاد شمل الكثير مما زرع, فهو لم يعتمد على محصول واحد وبالتالي كان الحصاد متنوعاً, فالتنوع ساهم في الإثراء من جهتين من جهة الكاتب حيث تنوع الغرس يعطي تنوعا في الثمر, وكأن المؤلف يرسل للمتلقي إشارة مفادها إذا دخلت حقلي ستجد ما لذ وطاب, أما المتلقي فلا يحتاج إلى بذل مزيدا من الجهد لأنه قد يجد ما ضل من إبله في بستان واحد.
وأحسبه قد عنى ما عنون, فكلمة حزمة تحمل معان منها أن ما سيتم عرضه هو جزء من كل, وأن هناك حصاد آخر, غلف بغلاف غير هذا الغلاف, أي أن هناك حزم أخريات أختار منها الكاتب هذه الحزمة, إضافة لما تعنيه كلمة حزمة من تماسك
والتصاق بين أجزائها. أما كلمة حصاد التي وردت في العنوان فهي إشارة تعكس نفسية الكاتب المرتبطة بالأرض, وكأنه فلاح زرع فحصد, ووصل إلى مرحلة الجمع وهي ما تعرف بمرحلة "التغمير" والبيدر وطلب من القارئ أن يستعمل مذراته ويجني الحب, فالحصاد يرتبط بالفلاحة وصبر الفلاح على ما كان قد بذر.
أما صورة السنبلة التي يقبض المؤلف عليها براحتي اليد, فتمثل عمق الرابط ما بين الكاتب وما كتب وحرصه الأكيد عليه, ككنز مستقبلي يمكن الرجوع إليه عند الحاجة, ومن جهة أخرى بالإضافة للارتباط بالأرض, فيمكن لهذه السنبلة أن تعطى معنى له علاقة بالآية القرآنية ( والذين ينفقون أموالهم في سبيل الله, كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) فقد يكون الإنفاق على أي شيء فيه نفع عام للمجتمع, بل الأفضل أن ينفق المرء مما يحب, فإذا كان الإنفاق في سبيل الله, فإن نفعه لا شك سيتضاعف كحبة القمح التي يمكن أن تخرج سبعمئة حبة, وهذه لعمري صورة جميلة لتكاثر الحسنات, فحسب وجهة نظري وفق الكاتب في اختيار العنوان واختيار الصورة, لتوافق كل منهما مع الآخر, وتوافقهما معاً مع ما طرح من مواضيع من حيث العدد ومن حيث التنوع, وهذا وذاك يتسق مع شخصية الكاتب الواثقة.
أما التنوع فيتضح على الغلاف الأيسر من الكتاب "حيث قال الكاتب"... فتلك هي الآراء التي أعربت عنها منذ بدأت الكتابة الصحفية عام 1978...وخاصة ما يتعلق بموضوعات الاقتصاد والتخطيط ... الفن الإسلامي وزخرفة المساجد, التحديات الاقتصادية في تخفيف وطأة الفقر في المملكة الأردنية الهاشمية, والاستراتيجيات التي لها علاقة بالتنمية والإدراك المعرفي في التعلم والتعليم, بالإضافة لما له علاقة بدور الشباب, وذوي الاحتياجات الخاصة, والموروث الشعبي في الأردن والسعودية, ومشروع الأضاحي الخاص بالمملكة العربية السعودية, بالإضافة لمواضيع أخرى لها علاقة بالمصارف الاسلامية من حيث التمويل والاستثمار, والفن التشكيلي, وبعض الأوراق النقاشية والتحليلية, وبعض المقالات.
بعض الملاحظات التي استخدمها الكاتب والتي تشير إلى أسماء أشخاص كما ورد في أسفل صفحة" سبع وخمسين وأربع وتسعين وما قدمه من
" توضيح لبعض المفاهيم كالشرح الموجود على صفحة ستين لمفهوم ال "مالتيميديا" والظاهراتية الموجودة على صفحة رقم سبع وتسعين بالإضافة لمصادر الصور التي أثرى بها الكاتب الكتاب, وذكرت في الصفحة والتنويه لها بشيء من التفصيل, إضافة إلى ذكر المراجع أينما اقتضت الحاجة, كل ذلك أعطى قيمة مضافة للكتاب, ما جعله واضحا يتسم بالموضوعية والدقة والأمانة العلمية التي تقتضي التنويه عند النقل.
لقد اعتمد الكاتب الشمولية في الطرح والبعد عن الاقتضاب, رغبة في جعل الموضوع جلياً واضحاً أمام القارئ, وكأنه يعطي إجابات مسبقة لأسئلة مفترضة في محاولة لإشباع حاجة القارئ, ونأخذ مثالاً على ذلك موضوع زواج ذوي الإعاقات, فبعد تقديم الموضوع وهو إشكالية الدراسة قام بالعنونة الفرعية مثل " الآراء والتشريعات والإرادة تحقق المستحيل, وعوائق زواج المعاق, ومشكلة زواج ذوي الإعاقة, وحق المعاق كفله الدين والشرائع, والقوانين والتشريعات الدولية, وكيف يمكن أن نتعامل مع أزواج المعاقين عقلياً, وتأثير حرمان المعاق من الزواج, ودور المجتمعات مع ذوي الاحتياجات الخاصة, وآراء ذوي الاختصاص بذوي الحاجات الخاصة, ونظرة المجتمع تغيرت للأفضل." هذه العناوين الفرعية هي قيمة مضافة تشد القارئ وتجعله يسبح به في نهر دافق من التفاصيل التي قد يحتاج إليها أو يتساءل عنها.
أما من حيث التبويب فقد أسكن المؤلف كل مجموعة لها نفس الخصائص والأهداف ببيت واحد وتحت سقف واحد يضيق ويتسع حسب الحاجة, أطلق عليه فصلاً, فقد أحتوى الفصل الأول على سبع من الاوراق النقاشية, وجاءت ثلاثة من الأوراق النقاشية والتحليلية في الفصل الثاني وحمل الفصل الثالث سبعاً من المقالات, في حين أفرد الفصل الرابع للتنمية والاقتصاد, والفصل الخامس خصص لأربع من العادات والتقاليد السعودية, والفصل السادس والأخير تضمن ثمان من القراءات لكتب بحثية. هذا التقسيم يسهل على القارئ مهمة البحث, ويقدم له الماء بكأس شفاف يشف عما في داخله دون جهد من المتلقي.
لقد قدم الكاتب في هذا الكتاب مجموعة من الدراسات وأوراق العمل والمقالات التي تلامس الحاجة ومتطلبات المرحلة كالدراسة الخاصة باستراتيجيات تطوير تكنولوجيا المعلومات, وكذلك ما له علاقة بالمشاكل
الاجتماعية كالدراسة التي تناول فيها زواج ذوي الاحتياجات الخاصة بالإضافة لمعاينته الخاصة بمشكلة الفقر, ومنها ما يتناول الواقع المعاش كالأوراق الخاصة بالتسويق الالكتروني وما يتعلق بالبنوك الاسلامية, إضافة إلى بعض الأوراق التي تهتم بالجانب الثقافي كالأوراق النقدية. ومما زاد الكتاب إثراءً ما ورد من توصيات واقتراحات لحلول في نهاية بعض الدراسات التي رأى الكاتب ضرورة وجودها.
ما يميز هذا الكتاب أن المواضيع التي تناولها ليست من باب الترف الأدبي, بل هي على تماس مباشر مع متطلبات الحياة للمواطن الاردني والعربي حيث يجد فيها إجابات على كثير من الأسئلة.
ندعوا الله أن نكون قد وفقنا في توصيل رسالتنا في هذه الدراسة الابداعية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.