من أهم أنظمة السلامة في السيارة نظام الفرامل أو الكوابح أو (البريك)، ولولاها لتعرضت حياة مستخدميها الطريق لأخطار متلاحقة.
إن ركبت مع صديق تستطيع أن تعرف مدى مهارته في السياقة وذلك من نسبة استخدامه للكوابح وآلية ذلك على الأقل.
فإن كان ممسكاً بالمقود بقوة ومنحنٍ عليه، وقد دفع كرسيَّه للأمام كثيراً، ويُكثر استخدام (البريك) بحيث تتوقف السيارة كلياً وبشكل مفاجئ ومتكرر، فيوقظك إن غفوت، ويهز جسدك هزاً عنيفاً، يجبرك على التوبة المستمرة يصادم رأسك الزجاج إلا قليلاً وتحمد الله على السلامة مائة مرة أو تزيد.
ثم يكررها أخرى وثالثة وخامسة ينطلق بسرعة ثم يتوقف بسرعة، وستكون نتيجة إحداها عما قريب أن يصطدم بمن هو أمامه، أو يصدمه من هو خلفه لسوء استخدامه (البريك).
صحيح أن الكوابح نظام للأمان لكن كثرة استخدامها ربما توفر لصاحبها السلامة حيناً، ولكنها قد ترديه وتدميه وتؤذي غيره وتؤخره عن الوصول للهدف المقصود، وأفضل وسيلة لسلامة الحافلة أن تبقى متوقفة لأنها لن تصطدم بأحد.
نعم لو تَمَسْمَرَت قدمك على دواسة الفرامل لبقيت في أمان لأن السيارة متوقفة، لكنه قد يأتيك من يصدمك حتى لو كنت متوقفاً تماماً، ولكن السيارة عندها ستصبح كوخاً صغيراً أو صومعةً فقط، والأولى أن تغادرها وتركب حماراً أو تترك قيادتها لغيرك.
كما أن الدوس على المكابح بشكل دائم يفقدها فعاليتها (تبلّط) بعد حين، وستخذلك ولن تستجيب لك، وربما تنفلت الحافلة ولا تستقر إلاّ في الواد السحيق حطاماً أو كومة من حديد مختلط باللحم والدم والوقود.
بعض (الخيَّالة) يُكدّش الفرس الأصيل (السبوق) في مضمار السباق، ويحرمها من جائزة السبق في المضمار؛ من شدة خوفه واستخدامه للّجام الذي يدميها ويمنعها من الركض طلباً لسلامته هو!!
وبعض الأرامل يصنَعن من أطفالهن خِرافاً خوفاً عليهم من (الواوي والقطة)، ومن الخروج للشارع طلباً للسَلامة؛ فيعيشون هيَّابين جبناء، مما أغضب الشاعر العربي حتى قال:
لولا المشقةُ ساد الناسُ كُلهم الجود يفقر والإقدام قتَّال
وبعد:-
عندما تكون إدارة الدولة، وإدارة العمل الوطني الشعبي والحزبي والنقابي، وإدارة الفرد لنفسه كالقيادة بالكوابح، فعلينا استدعاء الدفاع المدني فوراً وانتظار الواقعة لا قدّر الله.
إنك تلحظ هذا تماماً في الإدارات الرسمية والشعبية إلا من رحم ربك والقليل النادر.
تتميز القيادة الرسمية الحكومية بالممنوع.. ممنوع.. ممنوع.... وهو ما يقابل الدوس المتكرر على الفرامل أو شَدّ (الأعنّة).
واما القيادة الشعبية والحزبية والنقابية بالكوابح تعني التوقف تماماً عن السير في العمل الذي من شأنه أن يغير الحال.
تتزايد الشكوى من الحيادية والوقوف على يمين الطريق انتظاراً لمرور الجميع، حتى إذا تأكد من سلامة المارين ربما فكر باللحاق بهم، بعد أن كان يسخر من بساطتهم وجهلهم وتسرعهم، بينما كان هو يحافظ على الوقوف والحذر، والقاء خطب الواقعية، ويحسّن التوقف التام لتقليل الخسائر أو انتظار المعجزات التي لن تقع، فلا يكاد يرفع رجله عن الفرامل إلا قليلاً.
ترى أين العقلاء ليعيدوا قراءة المشهد، وإعادة تقييم الموقف واستمرار الوقوف العبثي.
إنَّ اعتماد بديل واحد في العمل السياسي خطيئة لا خطأ فقط، فالقاعد الذي يطيل القعود لا يختلف كثيراً عن المُنَبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
وبصراحة إنّ إغلاق الأبواب من مجالس النقابات على النقابيين، ومن قيادات الأحزاب على الحزبيين وحرمان الوطن من طاقتهم، لا يقل ضرراً عن إغلاق الحكومات والدولة العميقة آذانها عن سماع أصوات الأردنيين والأردنيات الغيورين على وطنهم، واستمرارها بسياسة الممنوع والتوقيف الاحتياطي، وسياسة (ها ها لم أسمع!!).
سالم الفلاحات
8/9/2019م
.