ليس المهم أن تموت، وللأمانة التفكير في الموت لا يأخذ من تفكيري الكثير. فالموت هو الحقيقة الثابتة، والوحيدة في حياة أي كائن حي، والروح وديعة من الله سبحانه وتعالى يهبها لنا، وله الحق وحده فقط بإستردادها في أي وقت، ولم يعطي الحق لغيره في ذلك. من هنا جاءت فداحة جريمة القتل، وأيضاً الإنتحار.
إذا نحن جميعاً سنموت، ونحن ضيوف على هذه الدنيا سواءً طالت مدة مكوثنا بها، أو قصرت، وما على الضيوف إلا الرحيل. الضيف الجميل هو في العادة خفيف الظل، ولا يتدخل بما لا يعنيه ولا يسأل المضيف، ويجلس في المكان الذي يريد له صاحب البيت، فلا يمل منه ولا يستعجله الرحيل، وكلما أراد المغادرة يستبقيه، ولو بالحيلة، وقصدت هنا الضيف هو كل إنسان منا، والمضيف هو الناس الأخرون.
مشكلة المعظم منا يفكرون، ويخططون لكيفية العيش في هذه الدنيا، وكأن حياتهم بها أبدية، وكأنهم مخلدون بها. لكن المشكلة الأهم أنهم للأن لم يفكروا بالتخطيط لموتهم، ولم يناقشوه مع أنفسهم، وما هي السيرة الحسنة التي ستخلدهم وتعيش لسنوات بعد موتهم، ويدعوا لهم الناس بالرحمة والمغفرة. نحن جميعاً سنذهب إلى الله ونقف أمامه، ولكن الذكي وصاحب العقل هو من يذهب إلى الله في حياته.
في درس الموت يجب أن نتعلم منه. فهو تطبيق واقعي، ولا يمكن لأحد من فلسفته ، ووضع النظريات الجاهزة والمعلبة لتكون طريق سير للأخرين يمشون عليه وينالون الدرجات بحب الناس في حياته، أبو بعد موته. إنما هو درس ذاتي تتعلمه، وبما تملكه وإن كان قليلاً.
موت دكتور إربد رضوان السعد، وهذا الحزن العام عليه في كل محافظات المملكة وتناوله على أنه النموذج الأرقى للنفس الإنسانية، وليس للأطباء فقط، فكانت جنازته إحتفالاً كرنفالياً أغلقت به الطرقات ومداخل المدن وشيعه الكثيرون من الفقراء والمحبين له وربما غالبيتهم لا يعرفه شخصياً ولم يلتقوا به، وأنا واحداً منهم، فماذا يعني ذلك ، وماهي الصفة التي كان يملكها؟
مثله بالطبع به الكثير من الصفات الراقية، والإنسانية، ولكن بنظري الصفة الأبرز والتي طغت على باقي صفاته الجميلة كانت (الرحمة) هذا الشعور الجميل الذي نفتقر إليه الأن. وخاصة الكثيرين من الأطباء بعد أن أصبح شغلهم الوحيد هو المادة والثراء السريع، حتى أصبح الإنسان، وما يعانيه من أمراض سلعة لهم ، ولا يهمهم الجانب الإنساني في مهنتهم.
الله سبحانه وتعالى يكره تصحر القلوب، وعدم الشعور مع الأخرين، وبكره النفس المادية التي هي من صفات الإنسان الترابية، وفي العادة ما يعطينا النماذج من خلال أشخاص مثلنا، ولا يختلفون عنا، وخير مثال لنا هو النموذج الأرقى والاجمل والأنقى الدكتور رضوان السعد رحمه الله. فهل يعتبر الكثيرين من حادثة موته، وإجماع الناس عليه، وخاصة الأطباء الآن؟ أرجو ذلك.