في البداية، وحتى لا يُحسب عليّ ما سأكتبه. أقرر أنني مع المعلم، ومع كل الفقراء والكادحين، والمعذبين في الأرض؛ لنيل حقوقهم. أنا مثلهم لا أجد كفاف يومي، أنا مثلهم ابكي على حالي حين لا أجد بعد خمسة أيام من بداية الشهر ثلاثة دنانير في جيبي، أنا مثلهم عصبي حين يطلب مني إبني شيء ما بسيط، ولا أستطيع إحضاره له.أنا مثلهم ومثل الكثيرين منهم منذ أسبوعين لم أقم بزيارة والدتي في إربد لأنني لا أملك ثمن وقود لسيارتي القديمة، ولا أستطيع أن أقدم لها كيساً من الفاكهة لا يتجاوز ثمنه الخمسة دنانير.
الإخوة المعلمون: لقد تعلمنا على أياديكم المتوضئة بالندى، الكثير من الدروس الأكاديمية، والنظرية التي كانت طريق النور لنا لنهتدي به، ونواصل رحلتنا الشاقة في هذه الحياة، وها أنتم اليوم تعلموننا درساً عملياً، وتطبيقاً حياتياً جديداً، بكيفية إنتزاع الحقوق، ممن يستولون عليها، ويفاوضوننا بها، لقد أخذوا رغيف الخبز من أيدينا، ويتمنون علينا بلقمة منه، ويريدوننا أن نشكرهم، ونقبل أرجلهم عليها، ونسجد في محاريبهم العاجية، ثم نرفع أكف الضراعة والدعاء لهم بأن يبقوا جاثمين على ظهورنا.
الإخوة المعلمون: لقد كان ما قمتم به تحولاً كبيراً وبداية عهد جديد مبشراً بالخير، وبتغيير فكر العبودية، والذل الذي توارثنا، وعشنا به، ونحن لسنا مسؤولين عنه، فهذا ما وجدنا عليه أباءنا وأجدادنا، وهذا الإرث الوحيد منهم الذي لم نستطع التخلص منه إلا من خلالكم، ووقفتكم الجليلة مع الشعب المكافح، فأنتم الأن لا تمثلون أنفسكم بالقدر الذي تنوبون به عن غالبية المسحوقين، والمتعبين بحب هذا الوطن. وهذا الحب للأسف هو من أوصلنا إلى ما وصلنا إليه بعد أن إستخدمته الحكومات المتعاقبة ليكون الورقة الرابحة والأخيرة بإذلالنا.
الإخوة المعلمون: أعتقد أن رسالتكم قد وصلت، وأنكم قد أربكتم أصحاب القرار، وأنه قد آن الأوان لتعودوا إلى مدارسكم ولأبنائكم الطلبة، لتواصلوا رحلة كفاح القلم، والطبشورة، ولا تسمعوا لنداءات المغرضين بمواصلة الإضراب ليبقى التعاطف الشعبي قائماً ودافعا لكم، فأدواتكم ما زالت موجودة وتملكونها، وتستطيعون إستخدامها بأي وقت، ولتتأكدوا أن الدولة تحسب لكم الأن ألف حساب، وما أتوقعه أنها ستكون جادة جداً بتحقيق مطالبكم، حتى لا تتكرر الأزمة مرة أخرى.
الإخوة المعلمون: الكرة الآن في مرماكم، وبإمكانكم تسجبل موقف رائع بالوطنية والإنتماء، وسيسجل لكم، ويضاف في سجل إنجازاتكم إن كسرتم حدة الإضراب، والقبول بما قدمت الحكومة، وإن كان القليل بالنسبة لمعاناتكم وجهدكم المبذول، ويعلم جميعنا ذلك. المفاوض الجيد والذكي هو من يقبل بالمتاح ضمن الإمكانيات، ثم يعود ويواصل كفاحه لنيل حقوقه كاملة وغير منقوصة، وتبقى أداوته الورقة الأخيرة التي يستخدمها عند اللزوم، وعندما تغلق جميع أبواب الحوار.
الإخوة المعلمون: متى تخاف الدولة؟ الدولة تخاف حين تواجه شعباً متسلحاً بالثقافة والوعي، ويحافظ على النظام، ولا يعيش على الحياد وفي البرود، وهنا واجبكم وهنا مسؤوليتكم بإعداد هذا الجيل ليكون كذلك بعد عشرة سنوات، ولتحسب له الحكومات في وقتها ألف حساب، وللأمانة هذا ما ننتظره، ونتوقعه منكم لذلك نطلب منكم أن تعودوا لمدارسكم، وإلى طلابكم.