الحمد لله الذي علم بالقلم، والصلاة والسلام على رسول الله الى سائر الامم وبعد.
يتضمن هذا المقال وصفًا عامًا لاهم القضايا الناتجة عن ضعف رقابة التعليم الخاص ومشكلاته التي يعاني منها والتي ستفصل موضوعاتها في مقالات لاحقة، مقتصرين على توصيفًا لاحد هذه المشكلات والتي تتعلق بالمناهج والكتب المدرسية في المداس الخاصة.
ما يقارب 2 مليار دينار اردني هو حجم الاستثمار في المدارس الخاصة التي تجاوز عددها ثلاثة آلاف مدرسة، والتي تشكل ما يزيد عن 40% من عدد المدارس في المملكة، وهذه المدارس حسب نقابة اصحاب المدارس الخاصة مشغولة بنسبة 85% من طاقتها الاستيعابية، ويدرس في هذه المدارس ما يزيد عن نصف مليون طالب يشكلون ما يقارب من 30% من طلبة المملكة، ويقوم على تدريسهم ما يقارب 40 ألف معلم ويشكلون ثلث معلمي المملكة تقريبا. هذه احصاءات تقريبية تبين مدى مساهمة القطاء الخاص في التعليم.
الخصخصة المتدرجة:
ان اعداد الطلبة في القطاع الخاص في زيادة مضطردة في الاعداد، وكنسبة من طلبة المملكة، على الرغم من صحة المعلومات حول هجرة 30 الى 40 ألف طالب من القطاع الخاص الى القطاع الحكومي ، فالارقام غير المعلنة من الوزارة لا تظهر عدد الذين انتقلوا من القطاء الحكومي الى القطاء الخاص ولا تبين تزايد اعداد الملتحقين بالتعليم الخاص في الصف الاولى الاساسي وصفوف ما قبل المدرسة البستان والتمهيدي ومقارنة نصيب المداس الخاصة من هؤلاء الطلبة ونصيب المدارس الحكومية.
ان مجمل الارقام حول الاعداد تبين انه تم التدرج في خصخصة قطاع التعليم حتى وصل اليوم حوالي 30% في حين ان هذه النسبة لم تكن تشكل اكثر من 1% قبل ثلاثة عقود ، والاخطر من ذلك ان الحديث عن الخصخصة مستمر بضغوط الجهات المانحة لان اكثر النفقات في الموازنة العامة تذهب حصتها للدفاع والتعليم والصحة وقطاعين منها على الاقل يسيران باضطراد في سبيل تحقيق ذلك.
هل تضطلع وزارة التربية والتعليم بمسؤولياتها في الاشراف على التعليم الخاص:
هذا الحشد الكثير من الطلبة والمعلمين في التعليم الخاص لم يلق ما يستحقه وما يساوي حجمه في الاعداد والنسب من الاهتمام من قبل وزارة التربية والتعليم المشرف والميسر لعمليات التعليم في المملكة، حيث يسيّر هذا الجيش من الطلبة والمعلمين نظام خاص بالمؤسسات التربوية الخاصة، تشرف على تنفيذه بصورة رئيسة مديرية تربية للتعليم الخاص تلغى حينا وتقر حينا آخر، وفي حال اقرارها تفتقر للكوادر والنظم الادارية والفنية التي تجعلها فاعلة في ادارة شؤون المدارس الخاصة، يقابل ذلك اهتمام ثانوي من وزارة التربية والتعليم بالتعليم الخاص، وتخلف في الاشراف التربوي عليها، وضعف مميت في الضبط والسيطرة عليها، واستحياء في تطبيق التعليمات واستغفال شبه دائم لمتابعة الشكاوى والمخالفات، وغياب تام للاشراف على عمليات التدريب، ورقابة ضعيفة على التقيد بالمناهج والبرامج التعليمية، واهمال في وضع قيود على الرسوم الدراسية، وتاخير غير مبرر في اقرار نظام تصنيف المؤسسات التعليمية الخاصة، وانسحاب في متابعة ما تفرضه المدارس على الطلبة من مبالغ تحت مسميات تربوية مزيفة او تضخيم للخدمات التربوية والترفيهية التي تقدمها وتقديم اسعار خيالية لها حيث تتفنن المدارس الخاصة في استغلال الطلبة وذويهم ماليا، وسنطرح في سلسلة من المقالات اهم مظاهر هذا الاستغلال المالي ونفصل المظاهر السلبية الفنية التربوية مقترحين حلولا لها.
حملة زودتوها:
ان المشاكل المتعددة التي طفت نتيجة متاجرة المدارس الخاصة بالتعليم دون رقابة ووصول التجاوزات في كثير من المداس الى مراحل لا يمكن السكوت عليها، دفع العديد من الناشطين لانشاء حملة عنوانها زودتوها قارب عدد اعضائها حتى الان 15 ألف عضو من اولياء امور الطلبة، ومن المرجح ان يتضاعف هذا العدد مع بدء ظهور نتائج ملموسة للحملة او لا سمح الله انتكاس جهودها وزيادة المخاطر على اولياء الامور نتيجة تعاظم التغول المالي على اولياء الامور.
المناهج والكتب المدرسية:
الاصل المستند الى الحق الدستوري في مجانية التعليم الاساسي، ان تقدم وزارة التربية والتعليم خدمة التعليم المجانية لجميع الطلبة الاردنيين في المملكة، وحيث ان غالبية الطلبة في المداس الخاصة هم من الاردنيين، فلماذا لا تقدم وزارة التربية والتعليم الكتب المدرسية المعتمدة من الوزارة لهؤلاء الطلبة بالمجان؟ ان قيام اولياء امور الطلبة بالحاق ابنائهم الطلبة بالمدارس الحكومية لا يعفي الوزارة من مسؤولياتها تجاه الكتب وتوفيرها للطلبة الاردنيين على الارض الاردنية مهما كانت نوعية مدارسهم، وتعتبر حجة واهية من يدعي بان هذه الفئة من المجتمع (التي تشكل الثلث) ارتضت المدارس الخاصة بديلا عن المداس الحكومية فعليها ان تتحم كامل الكلف لان الحق لالدستوري لا يسقط ويمكن تجزئته، ودليل ذلك ان الوزارة تضع التعليمات للمدارس الخاصة وتلزمها بمناهجها واختباراتها الوطنية والدولية وتعليمات الانضباط وغيرها، واشير هنا الى ان الوزارة توفي الكتب للمرحلة الاساسية لمديرية التربية والتعليم والثقافة العسكرية بالمجان وهي تتبع سلطة أخرى (وزارة الدفاع).
ان دور الوزارة لا يقف عند هذا الحد بل يغيب عن رقابة المدارس الخاصة التي تتاجر في الكتب المدرسية المعتمدة من الوزارة وتضع نسب ارباح عالية على هذه الكتب، وتوقفت الوزارة للعام الحالي عن بيع الكتب للراغبين من طلبة المدارس الخاصة من مدارسها ومراكزها وجعلت العلاقة لشراء الكتب بين ولي الامر والمدرسة الخاصة، الامر الذي اغلق الطريق على العديد من اولياء امور الطلبة من الحصول على الكتب بسعر معقول.
لا يتوقف الحال عند الكتب المعتمدة من الوزارة انما يتعداه الى الكتب الاضافية التي تدرس في المدارس الخاصة، حيث تباع باثمان باهضة وفاحشة في كثير من الاحيان حيث يتجاوز سعرها في بعض المداس عن 300 دينار للطالب الواحد، وهذه صورة بشعة من صور الاتجار حيث تتواطئ كثير من دور النشر والتوزيع بعدم بيع الكتب كمجموعة كاملة للطالب او متفرقة (كتاب واحد او اكثر) خاصة في بداية العام الدراسي، وكثير منها لا يفصح عن سعر البيع للكتاب او المجموعة، الامر الذي يزيد من استغلال ولي الامر.
تشمل مسؤولية وزارة التربية والتعليم ممثلة بمجلس التربية والتعليم باقرار اي كتاب مدرسي ضمن المناهج التي تعتمدها الوزارة او الكتب الاضافية التي تدرس في المدارس الخاصة واعتماده من قبل المجلس بعد تفحصه من قبل الفنيين وبيان تناسب محتواه مع قيم المجتمع وتطابقة مع الاهداف العامة والخاصة لمرحلة التعليم وتوافقه مع الاطار العام للمناهج ، ويغيب دور الوزارة في تتبع الاصدارات اللاحقة لهذه الكتب ومدى مطابقتها للمعايير السابقة، وملحقاتها من اقراص الكترونية وغيرها، الامر الذي يسبب فوضى في متابعة المناهج وارهاق المجلس باقرارها (اتحدث عن تجربة خاصة لي في لجنة الانسانيات التابعة لمجلس التربية والتعليم حيث اجيزت العديد من الكتب دون ان تاخذ حقها الكافي من التدقيق) كما ان هذه الكتب لا تخضع ملحقاتها الالكترونية للتدقيق ولا تخضع طبعاتها اللاحقة، وقد ظهر في وسائل الاعلام في سنوات سابقة العديد من الحالات التي تبين تجاوزات بعض المدارس في الكتب وما تحتوية من معلومات تخالف قيمنا وثوابتنا الوطنية.
ان غياب دور لوزارة التربية والتعليم او اي جهة حكومية اخرى او حتى جمعية حماية المستهله في تحديد سقوق سعرية للكتب الاضافية التي تدرس في المدارس الخاصة يضع المواطن عرضة للاستغلال المالي والتربح، الامر الذي حدا بكثير من دور النشر او وسطاء البيع بتقديم سلاسل من كتب متنوعة خاصة كتب اللغة الانجليزية وتقديمها لمجلس التربية لاعتمادها ثم تسويقها للمدارس الخاصة، كل ذلك نتج عنه مخاطر متعددة تتمثل بارتفاع الاسعار الجنوني لهذه الكتب (كتابين للغة الانجليزية يفوق سعرهما جميع كتب الوزارة لجميع المواد)،.
هنالك حاجة ملحة لتقييم شامل للكتب الاضافية في المدارس الخاصة حسب الواقع الحالي، حاجة تربوية (لقياس مدى التوافق مع التطور الراهن في المعرفة ومستجدات التطوير على المناهج)، واعتماد سلسلتين او ثلاثة من كل مادة فقط من اجل تسهيل السيطرة على هذه المناهج واصداراتها المتتالية، بالاضافة الى حاجة مالية للمستفيدين لاقرار سعر مناسب لكل كتاب، الامر الذي يضع حدا للارتفاع الجنوني الذي وصلت اليه اثمان الكتب بسبب استيرادها من الخارج ونتيجة متاجرة المدارس الخاصة ودور النشر بها وتحقيقهم لارباح باهضه غير مبررة.
انتقلت مسؤولية اعداد الكتب المدرسية من وزارة التربية والتعليم الى المركز الوطني للمناهج تنفيذا لتوصيات مؤتمر التطوير التربوي 2015 والتي اقرت بعد اتهامات متعددة للوزارة بالتلاعب بالمناهج والخضوع لاملاءات خارجية للتخفيف من أيات القران في المناهج والسير باتجاه التطبيع وغيرها، وقد آلت للمركز مسؤولية اعتماد المناهج والكتب المدرسية والكتب الاضافية، وبقيت مسؤولية الوزارة في اعتماد ذلك من خلال مجلس التربية وطباعة الكتب الاساسية لطلبة المملكة للمدارس الحكومية والخاصة، وقد انتقل الكثير من كوادر التاليف من الوزارة الى المركز، والمدقق للمسؤوليات النهائية يرى ان الوزارة ما زالت تتحمل العبء الاكبر في موضوع المناهج الامر الذي يتطلب الغاء المركز الوطني للمناهج واعادة كامل المسؤوليات اليها، خاصة بعد الاخطاء الموضوعية والشكلية في كتب العلوم والرياضيات للصفين الاول والثالث الاساسي التي ظهرت كاولى ثمار المركز(تحتاج الى مقال مفصل) ، بعد ان بدأ بتدريسهما في بداية العام الدراسي الحالي، ونعتقد بان اشكالات هذه المناهج ستطفو على السطح مع عودة الطلبة الى مدارسهم وانتظامهم بالتدريس بعد اضراب المعلمين.
التوصيات:
1. توفير كتب المناهج الخاصة بوزارة التربية والتعليم بالمجان لجميع المطلبة الاردنيين في المدارس الخاصة لمرحلة التعليم الاساسي كحق دستوري.
2. الزام المدارس الخاصة بتوفير كتب المناهج الخاصة بوزارة التربية والتعليم للمرحلة الثانوية بنفس اسعارها للمدارس الحكومية والتي ترد في النشرة السنوية التي تصدرها الوزارة.
3. تضمن المدارس الخاصة كلف نقل الكتب المدرسية من مستودعات الوزارة ضمن رسومها الدراسية التي تفرض على الطلبة، ولا يفرد لها بند خاص.
4. ان تقوم الوزارة بالغاء اعتماد جميع الكتب الاضافية (غير الحكومية) والتي تدرس في المداس الخاصة اعتبارا من العام الدراسي القادم.
5. ان تباشر الوزارة في حصر جميع الكتب التي تدرس حاليا في المداس الخاصة، وتقوم باعتماد سلسلتين او ثلاثة من كتب اللغة الانجليزية ومثلها لباقي المواد (حاسوب، Math، Scince) من تلك التي تراعي تعليمات المناهج، على ان تراعي في الاختيار مدى انتشار هذه السلاسل في المدارس واوزان الكتب واسعارها، وتباشر الوزارة في التنسيق مع الناشرين للحصول على حقوق الطباعة في الاردن مقابل مردود مالي يدفع لها ويحصل من الاثمان التي تباع بها الكتب بعد طباعتها في الوزارة او دور النشر المحلية التي تتعاقد معها الوزارة وحسب احتياجات المدارس.
6. الغاء المركز الوطني للمناهج، واعادة مسؤولية المناهج لوزارة التربية والتعليم واعادة الكوادر اليها، ورفد مديرية المناهج بالكوادر التي تحتاجها لتطوير آليات عملها.
المقالات التالية ستتناول الرسوم، المتابعة الفنية والاشرافية، نظام تصنيف المدارس الخاصة، وغيرها، ليكون شعارنا مزيدا من الرقابة على المدارس الخاصة وكثيرا من الاصلاح للتعليم الحكومي.
حمى الله الاردن وألهم الله المسؤولين الصواب وارشدهم الى خدمة الوطن وابنائه.
عادل محمد الخشاشنة. خبير تربوي وخبير في ادارة الموارد البشرية والتخطيط.