ما بين صدور هويتي الشخصية لأول مرة. في الثامنة عشرة، وتجديد جواز سفري لأخر مرة. ثلاثون عاماً. فرق الشعور بينهما كبيرٌ جداً وشاسع.
قبل ثلاثين عاماً. كنت فرحاً بشيء ما خفي. كنت أسير وأفرح بقوة النشيد الوطني لبلدي. لم يكن هناك ما يخيفني، أو يُحبط شعور السعادة بداخلي. كنت مطمئن جداً على مستقبلي وحياتي القادمة. أذكر أنني بحثت عن قميص لي أبيض شفاف إرتديته ، لأضع بجيبه الأيسر القريب من القلب. هُويتي الشخصية لأفتخر بها. هي تحمل رقماً وطنياً، وكان هذا الرقم غاية الكثيرين للحصول عليه، ولو كلفهم عشرات الآلاف من الدنانير. صحيح أن صورتي بها لم تكن جميلة، وباللونيّن الأبيض والأسود، لكنني كنت فرحاً بشيء ما خفي أشعر به.
بعد ثلاثين عاماً أقف بطابور طويل في ذات المكان، الذي حصلت منه على هُويتي الشخصية لأول مرة، لتجديد جواز سفري من أجل الهجرة إلى أي بلد أجد به الأمان ولأطمئن على أبنائي من بعدي، بعد أن سرقه اللصوص، والأوغاد
أنا لست أنا قبل ثلاثين عاماً، والروح ليست هي الروح، ولا الجسد بقي كما هو. أراقب أحد اللصوص، لحظة بلحظة، وهو يقترب مني ليقوم بسرقة رسوم جواز سفري. كم هو مسكين هذا اللص وحظه السيء. هو لا يعلم أنني شديد الحرص على نقودي وأخبئها بجيبي الأمامي، وأضع يدي عليها لأشعر بأي حركة قد يقوم بها. هو لا يعلم كيف حصلت علىها. ولا يعلم كم أرقت من ماء وجهي لأستدينها، ويقرضني إياها جاري، وكم هي المرات التي سأختفي بها من أمامه، وأغير طريقي خوفاً من أن يُذكرني بها.
أكبر عار عليك أيها اللص أن تسرق فقير مِثلك، وأعتقد أن القاضي لن يرحمك حين يقبض عليك الشرطي، وأنت تقوم بسرقتني. سرقة الفقير لفقير مثله، هي من الظروف المشددة كقضايا السرقة التي تتم بالخلع والكسر وبالتهديد تحت السلاح. وسيتم النظر بقضيتك امام محكمة البداية، وربما ستحاكم بالسجن لمدة سنتين.
مساكين هم لصوص الوطن الصغار لا أحد يعبأ بهم، ويُقبض عليهم في البدايات، بينما لصوص الوطن الكبار. جميعنا نقبل أياديهم على سرقتنا، وأكل خبزنا، ونتسابق إليهم، ونستجديهم لإلتقاط الصور التذكارية بمعيتهم.