يجلس الكثيرون على رصيف المسؤوليات والواجبات الوطنية والدعوية والمجتمعية، يمتعونك ويمتعون بعض المارة بغزارة ثقافتهم الوصفية التي قد تخترق الحواجز المعتادة، ولكنهم يتحدثون لغيرهم ويتألمون لك بحيادية، وكأن الأمر لا يعنيهم فيه إلا التشخيص والوصف وبعض النقد المنضبط ذاتياً برقابة صارمة.
أما هم فبرءاء من المسؤولية انطلاقاً من وهْمٍ لا رصيد له، هو وهْمُ براءة الذمة من القيام بالواجب عملياً.
وَهْمٌ يُقعدهم حتى لو قرأوا في آيات الكتاب، "وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك"، وحتى لو فسروا لك الآيات من أمهات التفاسير بل ربما ألفوا فيها من الكتب ما يفخرون به.
وحتى لو مروا على (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).
أو (أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتيَّن من قبلك).
وحتى لو خطبوا وارغوا وأزبدوا بما نقل عن الصديق أبي بكر رضي الله عنه في الردة أينقص الدين وأنا حي.. والله لأجالدنهم بالسيف لو جرت السباع بأرجل أمهات المؤمنين.
لا يجد أحدهم غضاضة أو حرجاً في أن يقعد مع القاعدين غير أنه مختلف عن القاعدين بما يتوهمه من القول والتحليل والتنظير والنقد و...
يا أيها الأردنيون والأردنيات:
من يصلح الملح إذا الملح فسد؟
من يأخذ على يد منظّري القعود والاستكانة ورواد العبودية والصمت الأخرس.
وأين تذهبون بأحاديث الهادي عليه الصلاة والسلام القائل:
"... ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرّنه على الحق أطراً ولتقصُرنّه على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعنكم كما لعنهم".
وأين تذهبون .. "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُودِع منهم".
غذاً سيطوى الملف وتنتهي ثواني العمر وتقف أيها الواهم بين يدي العادل الذي لا تخفى عليه خافية، الذي استخلفك في الأرض لعمارتها حتى لا تفسد وتغدو بوراً وتكرم إنسانيتك وآدميتك التي تشركك في الهم والمسؤولية.
ترى من أعطاك الإجازة وحق التأويل بالهوى؟
أو تظن أنّ مبالغتك بالصيا أو بالكلام – إن حصل – ينجيك من واجب الساعة ومن حق العامة.
أم أن عمراتك السياحية المكرورة وحتى حجك الممتاز(أو بالواسطة على حساب الغير وقد يكون رشوة)، وكثرة طوافك وقيامك أن فيها الدواء الشافي والطريق الموصل إلى رضوان الله؟
إنّ اللعب بالنرد والاسترزاق بوسائل اللهو والطبل والمزمار قد يكون أقل إثماً من التأَلي على الله، واللعب بدين الله والاسترزاق به.
ماذا كانت أولويات العز بن عبد السلام في الشام ومصر؟ وبم اشتغل صلاح الدين ونور الدين وغيرهم من المصلحين؟.
عندما تكثر الواجبات وتتعدد المهام ويقل العاملون ويقل الصادقون من العاملين، تَستنهضُ الأفكار والمبادئ حملتها، وتستغيث الشعوبُ بروادها وبرجالها وشبابها ونسائها فهي اللحظات الأخْطر والأحوج، فيا سَعْد من أجاب بما تراه العين لا ما تسمعه الأذن فقط، حتى لو اصطحب كل أدوات التجميل الموسيقية بأنواعها.
أيها المتأفف الناقد المتحسر المحوقل المسبح هل أنت معفى من المسؤولية الحقيقية تجاه الشعار الخالد الذي ردده كل نبي ورسول وداع وأثبته الله في كتابه..
"وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت".
إنه الواجب الرباني والمسؤولية الوطنية لا يصح أن تأخذ منه ما يعجبك وتسميه الواجب أو المسؤولية فقط..
فلسنا على مائدة طعام، إنّها الأمانة التي يجب أن تحاط من جميع جوانبها، وإلا فنحن على خطر عظيم.
إنّ ذممنا مَشغولة لدَيْن العباد ودَيْن العباد بالمشاححة، ودَيْن الله بالمسامحة ومن عجز عن سداد الدين، وجب عليه أن يوصي ورثته بسداد الدين حتى وإن استغرق المال كله، إنَّ إسعاد الناس وانصافهم دَيْنٌ في رقاب المكلفين لا يقبل التنازل عنه.. ترى هل استبان الصبح؟
سالم الفلاحات
4/1/2020م