رانيا النمر - يقف المفكرون والمثقفون والطبقة السياسية حائرين أمام كيف يفكر عقل الدولة الأردنية، وكيف يحدد هذا العقل أولويات الدولة، وكيف ينظر لمستقبل الأردن على كافة الصعد.
لقد استدار هذا العقل تماما ليس فقط لكبار الإقتصاديين والأكاديميين وليس فقط للمطالب الشعبية، انما ايضا قد تاهت بوصلته أمنيا.
تبنى عقل الدولة الأردنية تشريعات جديدة تخص الجرائم الإلكترونية وهذا استحقاق طبيعي ومهم جدا واستجابة للثورة الرابعة التي غيرت مجرى التاريخ وهي ثورة تكنووجيا الأتصالات.
استحدث الجسم التشريعي قوانين وما يتبعها من عقوبات رادعة كإستجابة لحالة الفوضى المجتمعية والسياسية التي سادت الفضاء الألكتروني ولتحدد الخط الفاصل بين حرية التعبير وما هو غير ذلك.
استنفر عقل الدولة الأمني تجاه بعض الحراكيين وبعض الناشطين كونه يهدد النظام ومصالح الدولة العليا.
أما من يعمل سرا وعلانيه ليلا نهارا من الخوارج والتكفيريين ضد النظام اولا وضد المجتمع ثانيا ويهدد أمنه واستقراره فيسرح ويمرح في هذا الفضاء وله كل المساحة على منبر الفيس بوك.
إن إتاحة المجال للتكفيرين الجهاديين في الأردن بتصدر الفضاء الألكتروني على مرأى ومسمع من الأجهزة الأمنية هو خرق واضح لمفهوم مكافحة الأرهاب الذي تتبناه الدولة الأردنية.
ان خطر الأرهاب وجماعاتها المسلحة من داعش واخواتها لا يأتي من الدول المجاورة فقط, والمشهد الدموي العابرللدول هو مجرد نتيجة حتمية لأفكار وأيدولوجيات موجودة ولها حواضن اجتماعية تتسلل وتتغلغل "بإسم الدين" .
يطل علينا الأردني المدعو إ.ق وهو المعتقل السابق من قبل المخابرات الأردنية والمسجون بتهم تتعلق بالتحريض وزعزعة النظام وتهديد الأمن والسلم المجتمعي عبر فيديوهات اسبوعيه تبث افكار تتلخص في إقامة الخلافة الراشدة او الدولة الأسلامية عن طريق اتباع استراتيجية وحيدة للتغيير وهي" الجهاد " عبر اعتماد آليات الأرهاب والقتل بمسوغات فكرية ونظريات وأفكار تبرر قتل واستهداف المدنيين وضرب كافة مكتسبات الدولة ومنشاتها ومسؤوليها باعتبارهم جميعا كفارا وطواغيت.
يستعين هذا التكفيري بآيات مجتزءة من القرآن وخارج سياقها وخارج مضنمونها لينشر أحد النظريات المشهورة لديهم والمحرفة طبعا وهي نظرية "الولاء والبراء" ويستخدمها لغسل عقول افراد المجتمع الأردني ويكفرهم ويحرضهم على أخوانهم وأبناء جلدتهم باعتبارهم كفارا يجب قتلهم.
وفي تحليل مضمون صفحة المدعو إ.ق على الفيس نجد مؤشرات خطيرة يجب الوقوف عندها: إن متابعي هذه الفيديوهات يصل الى ربع مليون شخص، ومتابعي الصفحة والأصدقاء الدائمون حوالي 12 الف شخص و المعلقون حوالي 3 آلاف شخص معظمهم من فئة "بارك الله فيك ياشيخ " نظريا لو افترضنا ما نسبة % 1 على أقل تقدير هم مناصرين ومؤيدين لأفكاره التكفيرية فنحن أمام عدد لا يستهان به من ذئاب منفردة وخلايا نائمة جاهزة لعمليات أرهابية تهز مضاجعنا وتوصلنا لمى لا يحمد عقباه .
تضع هذه الجماعات بصفتها "حراس الشريعة" النظام والشعب في بوتقة واحدة ككفار وطواغيت، لأننا لا نحكم ولا نأتمر بما قال الله وقال الرسول وعليه ينفذ بنا حكم المرتد.
أن التعامل بيد ناعمة مع السلفيين الجهاديين والتساهل في موضوع استقطابهم العوام عبر وسائل التواصل يصبحوا مريدين واتباع، قابلين للتجنيد والانخراط داخل هذه المنظومة وبالتالي القيام بعمليات أرهابية باعتباره "جهادا " للوصول لدولة الخلافة هو خطر قائم وقادم.
ان قراءة ما بين السطور والتمييز بين ما هو دعوي يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة ونشر قيم ومبادئ الأسلام وبين ما هو فعل سياسي بحت هو واجب الأجهزة الأمنية ويقع على عاتق الدولة حماية أمننا واستقرارنا.