زاد الاردن الاخباري -
من المقرر ان ينهي رئيس الوزراء المكلف د. معروف البخيت جولة حواراته مع الكتل النيابية والنواب المستقلين مساء اليوم الثلاثاء بعد ان بداها امس بالاجتماع مع اربع كتل نيابية استمرت الى ساعة متاخرة من مساء امس وهي كتل التجمع الديمقراطي, والشعب, والعمل الوطني, وانتهى المطاف بكتلة حزب التيار الوطني.
وتاتي حوارات د. البخيت مع الكتل النيابية في اطار التمهيد لمناقشات الثقة بحكومته التي تبدأ صباح يوم غد الاربعاء, وليس من المرجح ان تنتهي مساء الخميس وفقا لما كانت التوقعات النيابية تؤكد عليه قبلا.
ولم يذهب رئيس الوزراء الى مجلس النواب وتحديدا الى قاعة الصور للالتقاء بالكتل النيابية منفردا فقد رافقه في جولة حواراته امس كل من وزير الاتصال والاعلام الناطق الرسمي طاهر العدوان, ووزير الزراعة سمير الحباشنه, ووزير الداخلية سعد هايل السرور, ووزير الشؤون البرلمانية رياض ابو كركري.
ولم يكن لدى رئيس الوزراء وفريقه الوزاري ما يقوله للكتل النيابية الاربع, فقط كان قبل اقل من 24 ساعة يضع امام النواب بيانه الانتخابي الذي بدا اصلاحيا بامتياز, وهو التقييم الذي لم يختلف عليه اثنان, الا انه بالمقابل دعا النواب للتركيز في بيان حكومته, واصفا برنامجه بالاصلاحي, وانه يطلب الثقة على اساسه.
وسمع د. البخيت ورفاقه الوزراء الاربعة كلاما ونقدا ومطالب, واضطر الرئيس للاجابة على بعض التساؤلات, الا ان كل هذا لم يكن ليطفئ جذوة الخلاف المستعرة على الحكومة, معها وعليها.
ووفقا لتوصيفات نواب شاركوا في حوارت الامس فان الجو كان مشحونا اكثر مما يجب, وان الخلاف على الحكومة - حسب قولهم - ليس خلافا سياسيا بقدر ما هو خلاف شخصي -.
وليس بعيدا عن اجواء حوارات قاعة الصور امس, يقف المزاج النيابي العام ضد الحكومة, وضد منحها الثقة, وصولا الى تنامي المطالبات النيابية الداعية الى اسقاطها برلمانيا, في الوقت الذي يعمل فيه فريق نيابي من المؤكد انه سيلقى دعما كبيرا بمنح الحكومة ثقة متدنية, كنا في العرب اليوم قد اطلقنا عليها امس الاولثقة الحافة, وهذا ما تسعى اليه التكتلات النيابية وحتى النواب المستقلين.
وفي اللقاءات المتعددة التي اجرتها العرب اليوم طيلة الايام القليلة الماضية مع عدد كبير من النواب فان المزاج النيابي يذهب الى تجنب الاستجابة لمطالب نواب يدعون الى اسقاط الحكومة برلمانيا وعدم منحها ثقة المرور, ويدعمون التوجه الاوسع بمنح ثقة متدنية هي ثقة الحافة.
والتوقعات والمعطيات كلها تشير الى ان الحكومة وفي احسن احوالها لن تتجاوز حاجز70 صوتا بينما يؤشر العديد من النواب الى انها ستكون محظوظة جدا اذا حصلت على هذه النتيجة, مضيفين بان التوقعات تذهب الى حدود65 صوتا في احسن الاحوال.
ووفقا لمصادر نيابية عديدة فان الكتل النيابية لا تزال منقسمة على نفسها, ويعمل بعضها منذ امس الاول على محاولة التوافق على موقف يذهب في معظمه الى الدفع باتجاه الحجب وليس المنح او حتى الامتناع.
وقالت مصادر نيابية لـ العرب اليوم ان الحكومة تواجه مأزقا حقيقيا وخطرا لاسباب متعددة, بعضها يحمل دوافع سياسية, الا ان معظمها يتكئ على خلافات شخصية مع البخيت ومع وزراء اخرين, وغضب نيابي عليها, وهو ما دفع رئيس الوزراء - على سبيل المثال - للدفاع عن قراره بالسماح لخالد شاهين المحكوم بالسجن لثلاث سنوات لتلقي العلاج في الولايات المتحدة, قائلا انه تلقى تقارير طبية من ارفع اللجان الطبية تنصح بارساله للعلاج خارج الاردن تخوفا على صحته, وانه حصل على تعهدات من شاهين بالعودة الى سجنه فور تحسن حالته الصحية.
وتلقى وزير الاعلام طاهر العدوان تساؤلات اشبه ما تكون بالاتهامية عن تصريحات ادلى بها في برنامجستون دقيقة على التلفزيون الاردني قبل تشكيل الحكومة شكك فيها بشرعية مجلس النواب وطالب بحله, وهو ما دفع بالعدوان لنفي هذا الاتهام عن نفسه ومؤكدا بان تسجيل الحلقة موجود ولم يقل هذا الكلام الذي نقل عنه للنواب.
مثل هذه الاتهامات الهجومية على البخيت وعلى الوزراء لن تتوقف عند هذه الحدود, ففي لقاء عابر مع احد النواب في ردهات المجلس لم يجد ذلك النائب مبررا لقراره الاستباقي بحجب الثقة عن الحكومة الا قوله ان البخيت اسقطني في انتخابات البرلمان السابقة, وهو مبرر يستدعي التوقف عنده لقراءة المزاج النيابي تجاه الحكومة التي تواجه مأزقا في غاية الصعوبة ربما لم يتكرر منذ سنوات مضت وتحديدا ابان حكومة د. عدنان بدران التي خلفتها لاحقا حكومة البخيت الاولى.
ولا تتوقف مسببات المزاج النيابي غير المريح تجاه حكومة البخيت عند هذا الحد, فبين السلطتين التشريعية والتنفيذية الان خيط غليظ من الندم النيابي على منح حكومة سمير الرفاعي السابقة ثقة 111 نائبا, وصل الى درجة يمكن تسميتها ب¯فوبيا الثقة التي لا تزال تفرض نفسها على الاداء البرلماني منذ التصويت على حكومة الرفاعي في كانون الاول من العام الماضي.
ومن الواضح ان حكومة البخيت مضطرة لان تدفع ثمنفوبيا الثقة, ومضطرة أكثر لان تتحمل استحقاقات التوجه النيابي للتكفير عن خطيئة ثقة 111 التي تحولت اشبه ما تكون الى لعنة تطارد النواب, الذين لا يستطيعون صم اذانهم عن مطالبة المحتجين والمتظاهرين سلميا بحل المجلس.
وتدل المعطيات الى ابعد من ذلك قليلا, فالمزاج النيابي ايضا لم يستسغ حتى الان عجلة الاصلاح التي تنادي الحكومة بها, ولعل من اهم ما تم تسجيله في جلسة امس الاول عندما خطا د. البخيت الى منصة الخطابة تحت القبة هو تعليقات النواب التي قالوا فيها ورددها كثيرون منهم يعفى, وهي كلمة يستخدمها النواب عادة لاعفاء الامين العام للمجلس من تلاوة محضر الجلسة السابقة, وتتردد ايضا امام مقرري لجان المجلس الدائمةعندما يعتلون المنصة لتلاوة محضر اجتماع لجانهم لمناقشة قانون ما.
والكلمة تشرح نفسها بنفسها, فالمزاج النيابي لم يكن مستعدا حتى للاستماع الى بيان الثقة, كما انه عبر عن موقف نيابي زاهد حتى بالاستماع الى البيان.
وهذا الزهد ظهر جليا ومبكرا ايضا عندما لم يناقش المجلس كثيرا في مسالة الوقت الذي سيمنح لكل نائب ولكل كتلة للتحدث فيه في جلسات المناقشة, فيما ذهب نائب واحد في جلسة الاستماع الى البيان الوزاري امس الاول الى المناداة بالمباشرة بالمناقشة فورا ودون ابطاء, بينما كانت تتردد مطولا تعليقات نيابية خارج القبة تدعو لعدم مناقشة البيان والتصويت على الثقة فور انتهاء رئيس الوزراء من تلاوة بيانه.
كل تلك الاجواء المشحونة تقود الحكومة بكامل خطابها الاصلاحي السياسي, وبكامل فريقها الوزاري الى دفع ثمن باهظ لمعالجة فوبيا الثقة, اولا, ولمنح النواب فرصة للتكفير عن خطأ ثقة الـ 111 , ولمنح النواب فرصة العودة لاستقطاب ثقة المواطنين التي فقدوها في حادثة التصويت على حكومة الرفاعي.
ويبدو ان الحكومة تعي الارضية التي تقف عليها تماما, ففي لقاء جمع الناطق الرسمي باسم الحكومة مع الزملاء الصحفيين في شرفة الصحفيين اثناء تلاوة البيان الوزاري امس الاول سال العدوان عن توقعاتنا تجاه رقم الثقة التي ستحصل الحكومة عليه, وعندما قلنا له ما بين 65 و 70 ضحك قائلا يبدو انكم متفائلين جدا.
وبحسب مصادر موثوقة فان الحكومة لا تطمح بالحصول على ثقة منافسة للحكومة السابقة, ولا يبدو ان د. البخيت ايضا يرغب بالحصول على ثقة تنافس الثقة التي حصل عليها في حكومته الاولى, وفي احاديث جانبية نقلت عنه قال بوضوح انه سيكتفي بـ 61 صوتا , بمعنى ان الحكومة هي الاخرى تنافس النواب بالحصول على ثقة الحافة.
وايا تكن المفاجات المتوقعة فان الخوف النيابي من ان هذه الحكومة هي التي ستنسب بحل مجلسهم, الى جانب الخلاف الشخصي, والى رغبة النواب بمعالجة فوبيا الثقة بالرفاعي, ولرغبتهم باستعادة ما فقدوه من شعبية في حادثة الثقة السابقة, فان حكومة البخيت ستبقى في جو نيابي غير مريح, وفي جو مشدود للغاية, وسط صيحات برلمانية متعددة تتوافق جميعها على منح الحكومة ثقة من المؤكد انها ستكونثقة على الحافة, بينما سيبقى رهان النواب الداعين الى اسقاطها برلمانيا لحماية مجلس النواب من الحل رهانا ليس في مكانه, ولن يكون مقنعا لاحد.
وستبقى الظاهرة الابرز في المشهد كله, ان احدا من النواب لم يسأل يوم امس وكما جرت العادة سابقا عن البيان الوزاري وماذا قال البخيت فيه.
ولم يسأل احد من النواب الذين التقيت الكثير منهم طيلة يوم امس عن تقييم البيان وما الجديد الذي حمله, بخلاف ما جرت العادة عليه في كل بيان حكومي يتلى تحت القبة, ويخضع لاحقا لتساؤلات النواب وتحليلاتهم.
لقد كانت الكلمة الاكثر حضورا في المشهد كله هي (يعفى...) .
العرب اليوم - وليد حسني ...