الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الأمين وبعد.
حالة وجدانية طيبة رافقت المتقاعدين العسكريين الذين توجه الآلاف منهم بدعوة مفتوحة من القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية "الجيش العربي" لهم ولذويهم لزيارة الوحدات العسكرية التي خدموا فيها أو القريبة من مناطق سكناهم في يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى الذي صادف أمس الأربعاء 12 شباط، تبعها بعض الدعوات التأكيدية الخاصة من القيادات والمديريات والوحدات لرفقاء السلاح السابقين، رافق هذه الحالة حنين الى المكان وما يحتويه، وذكريات رفقاء الامس الذين حضروا والذين ما زال منهم في الخدمة، هذه المبادرة تمثل حالة الود والزمالة الصادقة التي يتميز بها منتسبو القوات المسلحة الاردنية منذ تاريخ نشأتها، التي لا تتغير بتغير القيادات والأجيال، وتزداد كلما قست ظروف العيش على العاملين والمتقاعدين، وأدعي ان تلك العلاقات هي الانقى والأميز بين منتسبي جميع المؤسسات الأمنية الاخرى والمؤسسات المدنية، وقد اكتسبت تلك الميزة من تقاسم ايام القسوة والشدة والصبر والخوة الدائمة ليلا ونهارا بين الزملاء، حيث تتطلب الخدمة العسكرية أن يقضي العسكري من الوقت في وحدته وبين زملاءة اكثر بكثير مما يقضيه مع والديه وأهله وأولاده وأقاربه.
هذه المبادرة الطيبة ليست سوى واحدة من العديد من المبادرات الشبيهة التي دأبت القيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية بجميع وحداتها وفروعها على ديمومتها، مثل دعوات الافطار في شهر رمضان، وانتخاب بعض القادة المتقاعدين لرعاية احتفالات تخريج الدورات العسكرية، او المشاركة في ايام الضباط وضباط الصف والندوات العسكرية والثقافية، او التواصل مع المتقاعدين المرضى او كبار السن، او اعلانات النعي بالوفاة، او تكريم المتوفين من العسكريين بمراسم دفن عسكرية تتناسب مع رتبة للمتوفى، وغيرها الكثير مما لا يحضرني ذكرة.
هذه الذكريات الطيبة صادفت العديد من الزملاء المتقاعدين بشعور الوجد والحزن عند البعض منهم الذين ألغت الهيكلة وحداتهم وقياداتهم التي خدموا فيها، وشعروا كل منهم كاليتيم الذي أبت عليه عزته وانفته العسكرية ان يبادر بزيارة وحدة غير تلك التي نام يوما بين بركساتها او عفرت اقدامه ممراتها الترابية، او استنشق يوما دخان آلياتها العسكرية، ويحدوني الامل في المناسبات القادمة ان يتم دعوة هؤلاء من قبل القيادات والمديريات التي ضمت وحداتهم اليها او من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية او تنظيم معرض في نوادي القوات المسلحة الاردنية وفندقها ودعوتهم.
كثيرة هي التطلعات لدى المتقاعدين العسكريين والتي ستكون مطلب العاملين حين تقاعدهم وتتجاوز الحضور الوجداني بالمشاركة الاخيرة، فهم يأملون أن تتحول مؤسسة المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى الى رافعة رئيسية للاقتصاد الوطني يلمس جميع المتقاعدين أثرها في تحسين حياتهم المعيشية، وتستطيع ان تنشئ وتشغل عشرات المصانع ومئات مراكز الخدمة في جميع مناطق المملكة وتركز على مناطق تواجد العسكريين بكثافة، وهم على ثقة بأن هذه المؤسسة قادرة على النجاح في استيراد السلع الاستراتيجية على مستوى الوطن، وعلى ادارة التزويد لكل ما تحتاجه القوات المسلحة الاردنية والاجهزة الامنية، والاشراف على مشاريع النقل الوطنية وتزويدها بما تحتاجه من خبرات من خلال المنتسبين، وان تتولى ادارة كثير من المؤسسات والمصانع التابعة لمركز الملك عبدالله للتصمصم والتطوير KADDB ان اعطيت الفرصة، وان تتولى ادارة شركة توفر الاطعام لمنتسبي القوات المسلحة الاجهزة الامنية، فالمتقاعدين العسكريين قادرون على على ادارة اية مؤسسات عسكرية يتم هيكلتها كالمؤسسة الاستهلاكية العسكرية وشركات مديرية الانتاج العسكري ومدارس الثقافة العسكرية ومديرية الاسكان العسكري ، ولن يتحقق ذلك كما يعتقد الكثيرون منهم الا بهيكلة المؤسسة بحيث تدار من مجلس ادارة يعين بالانتخاب ويعيِّن مجالس تنفيذية لاذرعها الاقتصادية والتجارية والخدمية وشركاتها ومصانعها وادواتها الاستثمارية المختلفة ويخضع لاسس محاسبية شفافة وقوانين الشركات ودائرة مراقبتها.
المتقاعدون العسكريون يدركون بانهم طاقة بشرية مؤهلة ومدربة لا تستغل بما يلزم لخدمة الوطن، فقد أدى غياب مظلة فاعلة أن يضطر الآلاف منهم للعمل في شركات الامن والحماية وأشباهها بمبالغ لا ترقى لتحسين حياتهم بشكل فعلي، والكثير منهم يتطلع الى تشكيل حزب سياسي مع اقرانهم من المتقاعدين المدنيين يقود الحياة السياسية في الوطن ويسهم في تثبيت اركانه في هذا الجو السياسي الخارجي العاصف بامن الدول، ويشعر معظمهم بتعاظم الاخطار التي تعصف بالوطن، وهم يرغبون بان يُستغل حديثي التقاعد منهم في تدريب مئات الآلاف من شباب الوطن تدريبا عسكريا ليكونوا رديفا للقوات المسلحة الاردنية في حماية الوطن اذا دعوا لذلك، ويمكن للمتقاعدين العسكريين عن طريق المؤسسة ان يشكلوا طاقات تدريبية ضخمة ومتنوعة تنهض بالوطن وتضع أولى خطوات معالجة البطالة بحيث تقوم بتدريب عشرات الآلاف من الشباب سنويا، بحيث تكون الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب احد اذرعها، والمتقاعدين العسكريين يستطيعون من خلال مؤسستهم ان يتولوا تدريس مواد التربية الوطنية والمواطنة وخدمة المجتمع وكثير من المساقات في الجامعات والكليات الجامعية الحكومية والخاصة.
يدرك المتقاعدون العسكريون ان الكثير من الخدمات التي تقدم لهم تحتاج الى تحسين مثل الرعاية الصحية في المستشفيات والمراكز الطبية العسكرية، فمواعيد المعالجة طويلة والاسرَّة تحتاج الى تعزيز، والمدنيين ينافسون العسكريين على الرعاية الصحية (ولديهم الكثير من المستشفيات والمراكز يمكن ان تقدم لهم الخدمة الصحية بخلاف العسكريين والمتقاعدين)، والادوية ليست متوفرة دائما، والحصول على موقف للمركبة في المستشفى يتطلب ليالٍ من دعاء الوالدين، وغيرها من الاشكالات الادارية التي يمكن حلها بقليل من الحصافة، والمتقاعدون يأملون بمظلة مالية مناسبة تسهل لهم تغطية احتياجاتهم النقدية ضمن اسس الشرع القويم، وتجنبهم استغلال البنوك وتبعاتها السلبية، وتعينهم على استحداث مشاريع انتاجية فردية وجماعية لتسهيل سبل العيش الكريم لهم.
المتقاعدون هم الاكثر حرصا على الوطن وعلى قواته المسلحة، وهم يعرفون المواطن التي تحتاج الى تطوير ويمكن ان يشكل فئات عديدة من ذوي الخبرة منهم ممن تولوا مواقع المسؤولية هيئات استشارية مجانية خاصة للوحدات الفنية والتدريبية غير القتالية، وهم يقدمون النصح لاقرانهم العاملين في حال الطلب، وقد تقدم بعضهم فرادى بالتطوع للعمل في القوات المسلحة الاردنية او التطوع بالحضور بشكل دوري لاجتماعات خاصة لتقديم خبراتهم العملية والفنية الي اكتسبوها خلال عملهم في القوات المسلحة الاردنية او بعد انخراطهم في مؤسسات العمل الخاص بعد تقاعدهم .
توصيات متفرقة:
1. تعزيز صور التواصل بين المتقاعدين العسكريين مع الزملاء العاملين والى أماكن عملهم وترتيب التواصل مع المتقاعدين الذين ألغيت أو دمجت وحداتهم وقياداتهم ضمن مراحل الهيكلة المختلفة.
3. معالجة الاحوال المعيشية للمتقاعدين العسكريين بتعديل رواتب المتقاعدين لضمان حياة كريمة لهم ولاسرهم شاملة رفع رواتب القدامي منهم لتساوي الحديثين كل ضمن رتبته وسنوات خدمته ولكافة الرتب، وربط رواتب جميع المتقاعدين العسكريين والمدنيين ومتقاعدي الضمان بالتضخم، ودعم صناديق الاسكان العسكرية لتسريع أدوار المستحقين عن طريق الدعم المالي من الموازنة العامة وتقديم قطع اراضي من مشاريع مؤسسة موارد بلا مقابل لتلك الصناديق ومثلها في المحافظات من اراضي الدولة وزيادة مبالغ القروض مقابل زيادة الاقتطاعات الشهرية من المشتركين، ومعالجة التشوه في تقدير قيم العقارات للمستفيدين من الاسكان خاصة في ضاحية الكرامة/الزرقاء.
4. معالجة جذرية لمؤسسة المتقاعدين العسكريين بحيث تحول الى مؤسسة ريادية اقتصادية على المستوى الوطني تضطلع بالاعمال التجارية كاستيراد وتوزيع السلع التموينية الرئيسية، وانشاء شركات نقل بمختلف فئات وسائط النقل العامة وسيارات التاكسي، وادارة الشركات والمؤسسات المحولة نتيجة هيكلة الاجهزة الامنية واعطاء الاولوية للمتقاعدين لتشغيلها، واستحداث شركة امن وحماية خاصة تتبع المؤسسة لتوظف المتقاعدين العسكريين، وفتح سبل التعاون الاكاديمي مع الجامعات والكليات لتدريس مساقات التربية الوطنية والمواطنة وخدمة المجتمع وغيرها.
6. تاسيس هيئة حكومية للتعليم والتدريب تستعين بالمتقاعدين العسكريين والمدنيين من جميع الاختصاصات بهدف تدريب العاطلين عن العمل والشباب وتاهيلهم لسوق العمل والاحلال بدل العمالة الوافدة.
7. تشجيع تشكيل حزب سياسي يضم المتقاعدين العسكريين والمدنيين.
8. توسيع مظلة صندوق الائتمان العسكري ليشمل المتقاعدين العسكريين، مع اعطاء الاولوية للعاملين.
9. تحسين خدمات الرعاية الصحية في المستشفيات والمراكز الطبية العسكرية، واقتصار المعالجة فيها للعسكريين والمتقاعدين وذويهم (باستثناء المعالجات الطبية النوعية التي لا تتوفر في غير المستشفيات الطبية العسكرية).
10. معالجة ازدحام الآليات في المستشفيات العسكرية وعدم توفر مواقف للمركبات بتوفير كراجات خاصة لاصطفاف مركبات مرتبات تلك المستشفيات خارج حرم المستشفيات وتوفير وسائط نقل لهم في فترات شفتات الدوام، وتوفير وسائط نقل للمراجعين على مدار الساعة للطرق الرئيسية التي تصل الى تلك المستشفيات.
المتقاعدون العسكريون طاقة بشرية متجددة فان هرم منها جيل او رحل الى الحياة الاخرى، انضم لهم جيل آخر ينبض بالحياة ويتمتع بالنضج والخبرة، وهم يدركون ان التطلعات والتوصيات الواردة في هذا المقال تعني بشكل جزئي القيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية، وتشمل ايضا الحكومة والسلطة التشريعية، وهي تدرك بان الطموح قد يبدوا كبيرا لكنه يصغر بهمة الغيورين على مصلحة الوطن وتقدمه.
وفي كلماتنا الاخيرة نشكر رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي الذي وضع عمل بتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على هذه اللفتة الطيبة، ونشكر جميع القادة العسكريين على حفاوة الترحاب وحرارة اللقاء مع زملائهم الذين سبقوهم الى التقاعد، وأخص بالذكر عطوفة مدير التربية والتعليم والثقافة العسكرية الذي استضاف مجموعة من متقاعدي المديرية وقد كنت احدهم، سائلين المولى ان دوام الامن لوطننا والمنعة والقوة لجيشنا والتوفيق لجنودنا بكل رتبهم.
حمى الله الاردن وألهم الله المسؤولين الصواب وارشدهم الى خدمة الوطن وابنائه.
العميد المتقاعد عادل محمد الخشاشنة. خبير تربوي وخبير في ادارة الموارد البشرية والتخطيط.