كريستينا المومني.. مضى يومان دون أن أغمض عيني، أتمسك بذات اللحظة التي نامت عمان فيها، مخافة أن لا يكون كل ذلك كابوسا، فلا ينتهي باستيقاظي، ثم تقدمت نحو صفارة الإنذار لأستبصر الحقيقة، فدوتها أمام قلقي وحزني ورغبتي حتى انتهى الصوت بتنهيدة، ثم داهمني كل الهدوء الذي رافقني في رحم أمي، الهدوء الخام قبل أن يضربني الطبيب فأبكي لتزغرد جدتي تماما كهدوئها بعد معرفتها أن المولود أنثى، وكم مريح لأنثى -تشعر بالخوف والقلق وسط كل تلك السكينة والهدوء- وجود قوة تطمئن كل خلايا القلق فيها.
كان مهيباً، عندما طل بــ ” فوتيكه الأخضر” زائراً بوجهي: “مين إنتي، تصريحك؟”، لا أعلم ما هي رتبته العسكرية ولم يكن يعنيني في تلك اللحظة سوى حضوره الذي استفز جنود مشاعري، و فرض علي احترامه، وحظر الخوف عني فقلتها له بإرادتي حباً: تفضل.. “سيدي”، وبعد تدقيقه الأوراق تمنى لنا وللوطن السلامة، و مهيباً أيضاً أن نستكن في أحضان أحدهم إلا أنهم -جنود مشاعري وضباط إيقاعه- كانوا حاضرين جداً لدرجة شعرت أنني أحتضن ذاتي فلا خوف علي بعد الآن ولا حزن.
باعدت بيني وبينه بضعة ” ياردات” فقط مكنتني من النظر جيداً في عينيه، فوجدت أنه يقرأ على الهواء فاتحة الحياة، لنتنفس في شوارع الوطن وأزقته شهيقاً زفيرا ونصراً عزيزا، ويضبط الأرض بإيقاع خطوته… إنها السادسة حظراً بتوقيت عمان، الساعة التي يسكنها عمر بأكمله، ونؤمر بها الالتزام بالمنزل وأمورا أخرى، فحاضر سيدي نقولها لأولي الأمر منا بلغة العسكر والمنطق كي لا تخبز أمهاتنا الألم في تنور الندم، حاضر سيدي.. نقولها لأولي الأمر منا كي يطرّز أطفالنا وجه العيد فوق سماء الوطن، فلك أن تتخيل يا رعاك الله، كم هو مؤلم أن نمتلك عقولاً عظيمة، ولا نملك أقداماً تدل عليها.