الحمد لله الذي رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وبعد.
يتضمن هذا المقال عرضا لاهم الحقائق الرقمية للاصابة بوباء فايروس كورونا المستجد، ثم قراءة منطقية في واقع الارقام والبحث عن دلالاتها والواقع الفعلي لها، ويخلص الى مجموعة من التوصيات امام الدول للتعامل مع واقع الجائحة العالمية.
حقائق ارقام الاصابة بوباء فايروس كورونا المستجد (COVID 19) :
1. أن اعداد المصابين بفايروس كورونا المستجد والتي اجتاح معظم دول العالم هي في ازدياد مضطرد، وانها تستمر بالتضاعف خلال ايام معدودة وان أية بقعة على الارض ليست بمعزل عن وصول الوباء اليها عاجلا أم آجلا.
2. ان الارقام المعلنة في مراكز الاحصاء الدولية عن عدد الاصابات شارفت بتاريخ كتابة هذه المقال في الثاني من نيسان 2020 على المليون مصاب، ، وان ما يزيد عن (35) ألف مصاب منهم في وضع حرج، وان اعداد المتعافين منهم زاد عن (200) ألف شخص، وان اعداد الوفيات منهم اقترب من (50) ألف شخص.
3. أن (80%) من المصابين بالفيروس لا يحتاجون الى رعاية طبية وأكثر من ثلث هؤلاء لا يدرك انه اصيب بالفيروس، بينما يحتاج (15%) من المصابين الى رعاية صحية بسيطة الى متوسطة، بينما يحتاج الـ (5%) المتبقين الى رعاية طبية حثيثة والى اجهزة مساعدة على التنفس كون الفيروس يهاجم الجهاز النفسي للانسان وهم العرضة لخطر الوفاة.
4. ان كثير من الدول ذات المساحات الصغيرة والكثافة السكانية المرتفعة وصلت نسبة الاصابة فيها الى اكثر من ستة بالالف وهي في تزايد مستمر.
5. يتوقع الخبراء ان يصيب الوباء (40 ـ 70 %) من سكان العالم في حال عدم اتخاذ تدابير لمكافحته والحد من انتشاره، وستستمر عمليات انتشار الوباء على شكل موجات في الاشهر والسنوات القادمة حتى بعد اكتشاف علاج للمرض وبعد تطوير لقاح له بسبب التطور الجيني للفيروس وربما تكون اشكاله الجديدة اضعف او أقوى.
6. ان اجراءات دول العالم الحالية هدفها الاساسي السيطرة على سرعة الانتشار الهائلة للوباء ـ وليس القضاء عليه ـ حتى تتمكن انظمة الرعاية الصحية في الدول من استيعاب اعداد المصابين ضمن طاقتها الاستيعابية ما استطاعت الى ذلك سبيلا، وهي تنتهج فس سبيل تحقسق ذلك الهدف استراتيجية عزل المصابين ونظرية التباعد الاجتماعي لتقليل سرعة ازدياد اعداد المصابين، وعلى الرغم من جميع الجهود المبذولة فان اعداد المصابين تتزايد بمقادير هائلة ولا بوادر في السيطرة على سرعة الانتشار في معظم الدول.
7. الفئات الاكثر تاثرا باعراض المرض وتزداد فيهما نسبة الوفيات هم المسنين (الذين تتجاوز اعمارهم 65 عاما) ، والذين يعانون من مشاكل صحية في الجهاز التنفسي ومرضى السرطان وذوي الامراض المزمنة كالقلب والسكري والضغط.
8. نسب الوفيات الى عدد الاصابات كانت في بدايات انتشار الوباء في الصين (2ـ3%) وهي في تزايد مستمر وقد تجاوزت عالميا حسب اخر الاحصاءات (5%) .
قراءة تحليلية في الارقام والاحصاءات المعلنة:
1. ان اعداد المصابين الحقيقية هم اكثر من المعلن بكثير لثلاثة اسباب:
• ان حوالي (30%) من المصابين لا يشعرون باية اعراض للمرض ولا يتم فحصهم على الاغلب وهم يقومون بنقل العدوى الى غيرهم خلال فترة مقاومة جسمهم للمرض، ولا يمكن الكشف عن هذه الفئة الا من خلال عملية فحص شاملة وهذا يصعب اجراؤه من قبل الدول، ويمكن الاستدلال على هؤلاء من خلال عديد الحالات التي يتم اكتشافها من عمليات الفحص العشوائي او الفحوصات الواسعة التي تجرى ضمن مناطق بؤر الانتشار، او في محيط المخالطين والتي تقوم بها بعض الدول، وبنفس القياس فان اعداد المتعافين من الاصابة هم اكثر من المعلن حيث يضاف لهم اؤلئك المتعافون من الفيروس دون ان يشعروا او تجرى لهم عمليات الكشف اثناء الاصابة .
• أن الدول التي تفشى المرض في بؤر فيها لا تهتم حاليا الا بالحالات التي تراجع مراكز الرعاية الصحية ممن يظهر عليهم الاعراض حسب درجاتها.
• عزوف كثير من الدول من الاعلان عن الارقام الفعلية لاعداد المصابين وتصنيفاتهم لغايات واسباب شتى داخلية وخارجية.
2. تتفاوت نسب الوفيات الى اعداد المصابين بين الدول المختلفة، فنجدها تتجاوز (12%) في ايطاليا (الاعلى على مستوى العالم) وهي لا تتجاوز (1%) في المانيا، وهي في المتوسط العالمي تزيد قليلا عن (5%)، وهي في الدول ذات اعداد الاصابات القليلة (اقل من بضعة آلاف) لا تمثل دلالات احصائية، وعند تحليل الارقام الصادرة عن ايطاليا واسبانيا كمثال نجد ان نسبة الوفيات ـ وليس الاعداد ـ اعلى من الواقع لسببين الاول أن تقدير اعداد المصاين هو اعلى من الرقم المعلن كما بينا في النقطة السابقة ويمكن تجاوز ذلك بتوسيع حالات الفحص، والثاني ان متوسط عمر السكان فيها مرتفع ويتجاوز (45 عاما) والحال مشابه في معظم دول اوروبا، الامر الذي يجعل عدد ونسبة المصابين المعرضين لخطر الوفاة هو الاعلى.
3. نسب الوفاة بين المصابين في معظم دول العالم مرجحة للارتفاع (حتى في الدول التي تتصدر ارقام المصابين) بسبب ان الارقام الحالية تعكس انتشار المرض في بؤر محدودة في تلك الدول (ففي ايطاليا في الشمال ، وفي امريكا في ولاية نيويورك) وهذه البؤر مرشحة للتوسع والانتشار لتغطي معظم ارجاء الدولة واقاليمها بسبب الشكوك حول نجاعة اجراءات العزل المتخذة فيها مقارنة باجراءات الحكومة الصينية، عندها ستتضح القدرات الحقيقية لكفاءة المنظومات الصحية فيها تجاه الوباء وستزداد اعداد الوفيات بشكل فضيع.
4. تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية ان ارقام الوفيات ونسبها هي اكثر من المعلن (والتي تتجاوز حاليا 5%) بسبب العديد من حالات الوفاة خارج مراكز الرعاية الصحية التي لا يتم تسجيلها وهي بذلك لا تحتسب ضمن الاعداد وضمن نسبة للوفيات.
5. الانتشار الجغرافي للمرض يبين ان اكثر الدول تضررها هي الدول الاوروبية وأمريكا، وهذه يجعل مساهمة هذه الدول في جهود المكافحة العالمية ومساعدة الدول الفقيرة والنامية متدنيا او معدوما، بسبب حاجة هذه الدول نفسها الى المساعدة من غيرها وانشغالها باعمال المكافحة الداخلية، الامر الذي سيضعف الجهود الدولية في احتواء المرض في سائر الدول.
6. الدول الافريقية هي حتى الان الاقل تسجيلا لاعداد الاصابات، وهنالك شكوك في صحة الارقام بسبب ضعف نظم الرقابة الصحية فيها وضعف جهود الحكومات في عمليات الكشف، وعلى الرغم من كل ذلك سيبقى افريقيا القارة الاقل تاثرا بسبب المرض بسبب تدنى متوسط عمر السكان فيها، ولان العيش بظروف صحية مهملة يكسب اجسام السكان المزيد من المناعة ولان القارة تتمتع بظروف مناخية هي الاكثر حرارة، وهذه التوقع يجب ان لا يضعف جهود حكومات الدول في المكافحة.
7. مصر والجزائر هما اكثر الدول العربية من حيث انتشار الوباء ، ولكن الدول التي تشهد نزاعات مسلحة (اليمن وسوريا وليبيا) ستكون الاكثر تاثرا بالوباء ما لم تتخذ اجراءات تخفف من الانتشار.
النتائج:
1. ان اعداد المصابين ومناطق الانتشار على مستوى المناطق في الدول هي اكثر بكثير من المعلن.
2. نسبة الوفيات الفعلية في الدول التي انتشر فيها المرض ببؤر كبيرة قد لا يتجاوز (3%) من عدد المصابين الفعلي.
3. نسب الوفاة المتوقعة بسبب الفيروس في الدول الافريقية ومعظم الدول الاسيوية والدول العربية يرجح ان لا تتجاوز (1%) من المصابين بالفيروس في حال اكتساح الفيروس لتلك الدول بدون القدرة على السيطرة حتى في حال فشل منظوماتها الصحية للتعامل مع الوباء، في حين ان النسبة سترتفع في الدول الاوروبية لتصل الى (3%) في ظروف مماثلة، وهي بين الرقمين لباقي الدول. وهنا يبدو ان الوباء اكثر خطرا على الدول الغنية من الدول الفقيرة (والله اعلم).
التوصيات:
1. الحاجة الى اجراءات دوليية من هيئة الامم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية لتنفيذ ما يلي:
• تنسيق دولي من كافة الدول لاحتواء انتشار الوباء ضمن معايير تضعها منظمة الصحة العالمية، وتوفير المصادر المالية والاطر التنظيمية والادارية لذلك.
• تنفيذ تدابير احتواء المرض في مناطق النزاعات واجراءات لحماية الاشخاص في مراكز الاعتقال والسجون من الوباء ودراسة حملات واسعة لاطلاق سراح المساجين باستثناء شديدو الخطورة على المجتمع.
• قيادة جهود عالمية لتطوير لقاح للفيروس وسلالاته الجديدة التي ستظهر وعليها ان تنسق جهود الدول في اكتشاف عقار (دواء) مناسب على ان يكون انتاجه متاح لجميع الدول بدون عقبات الاستغلال المالي المتمثل في حقوق الملكية الفكرية، على ان تقوم بتمويل ومكافئة القائمين على الابحاث والمطورين للعلاج، وان يتم وضع اعلان عالمي لاجراءات مماثلة في حال الاوبئة التي تجتاح دول العالم منفردة او مجتمعة.
• اعلان أممي ملزم للدول يحارب انتشار الاسلحة البيويوجية ويحرم تجاربها.
2. على دول العالم منفردة ان تبدأ فورا بتنفيذ استراتيجيات سريعة بخصوص تحصين الفئات الاكثر خطرا عند اصابتها المحتملة بالفيروس (كبار السن وذوي الامراض المزمنة) تتضمن انشاء قاعدة بيانات عن الاشخاص واماكن سكناهم ، واليات عزلهم عن الوياء، وتوفير متطبات رفع مناعة اجسامهم من أغذية وأدوية ومكملات غذائية، وحملات توعية صحية خاصة لهذه الفئة، وتسهيل اجراءات الرعاية الصحية الاعتيادية (التطبيب المنزلي) واليات الاخلاء الطبي في حال الاصابة.
3. على دول العالم منفردة ومجتمعة تطوير استراتيجيات حول الموجات اللاحقة لانتشار الفيروس خلال الاشهر والسنوات القادمة.
المقالات التالية في ذات الموضوع (العزل ومناعة القطيع، فرص ايجابية في محيط سلبي مرعب).
حمى الله الاردن وألهم الله المسؤولين الصواب وارشدهم الى خدمة الوطن وابنائه.
يمكن للمهتمين التواصل معي لمزيد من الإيضاخ على الايميل adel69k@yahoo.com
عادل محمد الخشاشنة. خبير في ادارة الموارد البشرية والتخطيط والدراسات وخبير تربوي