د.عايد سليمان المشاقبة - تثير الدعوة التي تقدمت بها تسعة دول أعضاء في مجلس الأمن (بلجيكا وجمهورية الدومينيكان وفيتنام وألمانيا إندونيسيا والنيجر وسانت فينسنت والغرينادين وتونس وإستونيا.) لعقد اجتماع لمجلس الامن الدولي وبمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لبحث تطورات الأوضاع على خلفية استمرار انتشار وباء فيروس كورونا في العالم التساؤل عن الدور الذي يمكن لمجلس الامن الدولي كأحد أجهزة الامم المتحدة القيام به في هذا النطاق؟ وهل تدخل مسألة مواجهة هذا الوباء ضمن صلاحياته؟.
بداية وقبل الاجابة على التساؤليين اعلاه ،فانه بالعودة الى صلاحيات ومهام مجلس الامن الدولي نجد مايلي:
اولا: ان الوظيفة الأساس له هي حفظ السلم والأمن الدوليين، وهي الوظيفة الأهم بالنسبة لأجهزة منظمة الأمم المتحدة الأخرى، اذ نص ميثاق هيئة الامم المتحدة في الفقرة الأولى من المادة (24) منه، على إنه"رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به "الأمم المتحدة" سريعا وفعالا، يعهد أعضاء تلك المنظمة، إلى مجلس الأمن بالمسؤولية الرئيسية، في أمر حفظ السلم والأمن الدولي، ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائبا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه المسؤولية "، ويتمتع المجلس في هذا المجال بسلطات تقديرية واسعة، إذ له وفقا لنص المادة (39) من الميثاق، أن يقرر ما إذا كان الفعل الذي وقع من قبل دولة ما يشكل عدواناً أو تهديداً للسلم أو إخلالاً بهما ليتخذ بالتالي القرارات والتدابير التي يراها ملائمة لمعالجة الوضع وفق ما منح له الميثاق من سلطات، وهي تتنوع لتشمل:
أ- سلطات المجلس في حل المنازعات الدوليّة بشكل سلمي وفقا لأحكام الفصل السادس من الميثاق.
ب-سلطات المجلس في إتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة حالات تهديد السلم والأمن الدوليين والإخلال بهما أو حالة وقوع العدوان، طبقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق، وله في كلتا الحالتين الإستعانة بالتنظيمات الإقليمية طبقا للفصل الثامن من الميثاق.
ثانيا:كما ان للمجلس وبموجب المادة (29) من ميثاق الأمم المتحدة،( ان ينشئ من الفروع الثانوية ما يرى له ضرورة لاداء وظائفه) واستناذا لهذا النص انشأ المجلس العديد من اللجان منها بصفة دائمة مثل لجنة أركان الحرب والتي تختص بتقديم المشورة والمعونة لمجلس الأمن في المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والأمن الدوليين، ولجنة نزع السلاح والتي تقوم بدراسة الإقتراحات المتعلقة بتنظيم التسليح وتخفيضه ووسائل الرقابة على الأسلحة الذرية ..الخ من اللجان الدائمة) وأخرى لجان تنشئ بصفة مؤقتة لغرض معين تنتهي بإتمامه ،نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر اللجنة المنشأة بموجب قرار المجلس رقم 1373(2001) فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، واللجنة المنشأة بموجب قرار المجلس رقم 661(1990) بخصوص الوضع بين العراق والكويت، وبموجب قراره رقم 1343(2001) بخصوص الوضع في ليبيريا، وبموجب قراره رقم 1644(2006) فيما يتعلق بالوضع في لبنان...الخ من لجان ذات طبيعة مؤقتة.
ويلاحظ على نصوص ميثاق الأمم المتحدة التي حددت صلاحيات مجلس الامن انها لم تحدد مفهوم دقيق لمصطلحات الأمن والسلم الدوليين والعدوان، متضمنة عبارات غامضة وفضفاضة تحتمل أكثر من دلالة، وتخضع لتأويلات متباينة،وهو ما مكن مجلس الامن الدولي وبالتحديد منذ مطلع التسعينات من ان يوسع من الحالات التي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، فلم تعد القوة المسلّحة أو النزاعات الدوليّة فقط هي المصدر الوحيد لتهديد السلم والأمن الدوليين بل ظهرت مصادر جديدة غير عسكرية أصبحت جزءا لا يتجزأ من الجهود الذي يبذلها مجلس الأمن لصون السلم والأمن الدوليين منها عدم الإستقرار في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية والبيئية في أي منطقة في العالم ، والتحقق من إحترام حقوق الإنسان وإعادة اللاجئين إلى وطنهم.
-يتضح من التبيان اعلاه انه وان كان يستحيل قانونا وواقعا الحديث عن دور ما يمكن ان يقوم فيه مجلس الامن لمواجهة وباء فيروس كورونا بالمفهوم الذي تدخل فيه المجلس لمواجهة حالات تهديد السلم والأمن الدوليين والإخلال بهما منذ نشأته ولغاية تاريخه،اذ ان العالم في ظل وباء فيروس كورونا ليس امام امر يشكل تهديدا للسلم والامن الدوليين سواء بمفهومه التقليدي او المتطور، الا انه لا يعدم أي مجلس الامن الدولي اللجوء الى وسائل اخرى لمواجهة هذا الوباء كأن:
أ- يقوم بتشكيل لجنة مؤقتة على غرار اللجان التي شكلها استنادا لصلاحياته في المادة(29) اعلاه تسمى "لجنة مكافحة وباء فيروس كورونا COVID-19" تضم في عضويتها كافة أعضاء المجلس بالاصافة الى منظمة الصحة العالمية والوكالات والمنظمات الدولية والاقليمية يعهد إليها بمهمة دعم الجهود المبذولة من قبل منظمة الصحة الدولية والمنظمات ذات العلاقة في مساعدة الدول الاكثر تضررا من هذه الجائحة بما في ذلك جمع المساهمات المالية التي قد تسهم من ضمن أمور عديدة في الابحاث العلمية التي تجرى حاليا بغية الوصول الى علاج لهذا الفيروس،ويعد تشكيل مثل هكذا لجنة بقرار من مجلس الامن اكبر ضمانة لتحقيق الغاية منها،كون اعضاء الامم المتحدة ووفقا لنص المادة(25) من ميثاق الامم المتحدة يتعهدون بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق لنصوصه.
ب-ان يصدر قرار يلزم فيه كافة أطراف النزاعات في العالم بوقف إطلاق النار بشكل دائم او على اقل تقدير مؤقتا ودعوتها الى توجيه مجهودها لمواجهة فيروس كورونا باعتباره اشدا خطرا على صحة وحياة سكان مناطق النزاع،فالحق في الحياة من الحقوق الاساسية للانسان التي يجب على كافة الدول احترامه وتتجنب من الاجراءات ما يمكن ان يشكل تهديدا له،ويعتمد نجاح مثل هذا القرار –في حال صدوره- على حسن نوايا الدول الكبرى في تنفيذه من خلال الضغط على اطراف النزاعات بالالتزام به كون القرارات التي تصدر من بعض هذه الأطراف ان لم يكن معضمها مرتبط بموافقة الدول الكبرى.
ج-ان يصدر المجلس بيانا يدعو فيه الدول الكبرى التي تفرض عقوبات إحادية الجانب على بعض الدول التي تختلف معها في سياستها الى وقف هذه العقوبات لتمكينها من استيراد الاجهزة الطبية اللازمة لمكافحة هذا الفيروس.
د-الدعوة الى عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة تشارك فيه كافة الدول ذات التأثير الدولي توضع على طاولته مسألة مكافحة هذا الفيروس،ومرحلة ما بعد زوال هذا الوباء،وكيفية التخفيف من الاثار الاقتصادية والاجتماعية التي تسبب بها للدول ولا سيما تلك التي تعاني أصلا من مشاكل اقتصادية.
وبالنتيجة وبما ان وباء فيروس كورونا قد اثقل كاهل الدول كافة غنيها وفقيرها،وهدد وما زال يهدد الانظمة الصحية في العديد من دول العالم بالانهيار،فان مواجهته على مستوى الامم المتحدة تتطلب اجراءات خلاقة عنوانها الاساسي تغليب الجانب الانساني على الجوانب السياسية وما تسببه هذه الجوانب من إعاقة لاي إجراء قد يشكل طوق النجاة للخلاص من هذا الوباء في وقت قريب.