بقلم المخرج محمد الجبور - ترددت في بعض الأوساط الإعلامية والسياسية تفسيرات تآمرية لانتشار مرض كورونا على الرغم من أن الفيروس أثبت قدرته على إصابة الجميع سياسيين وغير سياسيين وعبر العالم حيث لا يمتلك أحد إلى الآن القدرة على التحصين منه بلقاح أو الدفاع المسبق ضد العدوى ومع ذلك لم يسلم كورونا من تسييس حينما أخذ يتم تصوير التهديد القادم من الفيروس بأنه أجنبي وهو ما ظهر على الخصوص مع تبادل الاتهامات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية حول أصل الفيروس القاتل وقد تحوّل سؤال منشأ الفيروس الجديد إلى أداة للوصم وحملة للتشويه المتبادل بين الولايات المتحدة والصين حيث زعم المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو لي جيان أن الجيش الأميركي جلب فيروس كورونا إلى مدينة ووهان التي ظهر بها أول مرة وفي مقابل ذلك استخدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبارة الفيروس الصيني وبدوره سعى وزير خارجيته مارك بومبيو لتحميل الصين مسؤولية تفشّي الوباء وأطلق عليه مرارا تسمية فيروس وتعكس هذه التسمية غير الحيادية ما ذهب إليه تقرير لصحيفة ذاديلي ميل البريطانية احتملت فيه أن يكون اندلاع الفيروس ناتجا من تسرب بيولوجي من مختبر ووهان الوطني للسلامة الأحيائية الذي يهتم بدراسة مسببات الأمراض الأكثر خطورة غير أن انعدام الثقة بين الولايات المتحدة والصين في مجال التسلح البيولوجي أو حتى بالنسبة إلى الحوادث البيولوجية ليس بالجديد فقد استمر في الحضور حتى بعد انضمام البلدين معا إلى معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية حيث سبق للأميركيين أن اتهموا الصين في تسعينيات القرن الماضي بزراعة داء البروسيلات وفي المقابل احتمل خبراء عسكريون صينيون أن تكون جراثيم الجمرة الخبيثة في هجمات عام 2001 على مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين قد تسربت من معامل الجيش الأميركي بل أكثر من ذلك ذهب البعض الآخر منهم إلى أن الولايات المتحدة هي من قامت بتسليح مرض سارس وإنفلونزا الطيور في عامي 2002 و2003 وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات المتبادلة بين الطرفين لم يتم إثباتها من قبل بأدلة موثوقة فإن المنشورات العلمية الرسمية لنتائج الأبحاث الجارية في مختبرات الكيمياء البيولوجية لديهما تشير بالفعل إلى نشاط بحثي مستمر ومنظم يتعلق في بعض أبعاده بسباق تسلّح بيولوجي من خلال السعي لتطوير التقنيات البيولوجية وتخليق الفيروسات أو تعديلها وراثيًا وفي ظل استمرار عدم الثقة المتبادل بوصفه رمزا إلى معضلة أمنية كلاسيكية بين الطرفين فإن الادعاء بأن الفيروس التاجي الجديد هو سلاح بيولوجي يظل غير مدعوم علميا لكن نقيضه مدعوم تماما من الناحية العلمية كما سيرد تاليا فقد أشار العلماء إلى أن الطفرات في الفيروس تتوافق تماما مع التطور الطبيعي ووفقا لـمجلة ذا لانسيت استنتج علماء من دول متعددة على نحو ساحق أن الفيروس التاجي الجديد نشأ في الحياة البرية
وحتى تتضح الرؤية أكثر، سنعتمد طريقة فلادان رادوسافليفيتش للتمييز بين التفشي الطبيعي والتفشي المتعمّد في حالة حدث وبائي غير عادي وذلك استنادا إلى حدث وبائي غير عادي وبمقارنة العناصر المتقابلة التالية خزان أو مصدر العدوى مقابل الجاني والعوامل المسببة للمرض مقابل الفاعل البيولوجي وآليات وعوامل انتقال المرض مقابل وسائط ووسائل التوصيل والسكان المعرضون مقابل الهدف.
ما يقابل الجاني في هجوم بيولوجي هو خزان أو مصدر العدوى في وباء طبيعي في الهجوم البيولوجي الذي يقوم على السرية فإن الفترة الفاصلة بين نشر سلاح حيوي وآثاره طويلة بما يكفي لمنح الجاني فرصةً للهروب لذلك يمكن أن يكون من الصعب جدًا العثور على مرتكب الجريمة يتدرج الهجوم البيولوجي من تكتيكي ضيق النطاق إلى عملي متوسط المدى إلى استراتيجي واسع النطاق وإذا اعتبرنا أن النطاق الواسع لاجتياح فيروس كورونا على مدى أكثر من ثلاثة أشهر يجعله يبدو كأنه هجوم بيولوجي فينبغي أن يقوم دليل على تورط مؤسسات الدول مثل القوات العسكرية أو أجهزة المخابرات أو المنظمات الممولة جيدا وربما المدعومة من الدول ففي ارتكاب مثل هذا الهجوم البيولوجي وهو الأمر المستبعد إلى الآن لم تستطع الصين في اتهامها للجيش الأميركي أن تثبت علامات أو مؤشرات على أنشطة استخباراتية سرية تتزامن أو تتعلق بتفشي الفيروس داخل ترابها ولذلك لم تذهب أجهزتها إلى إطلاق أي تحذير مسبق من هجوم بيولوجي محتمل.
أما في الأوبئة التي تنتشر طبيعيا من دون أن يكون لها مسبّب بشري يمكن التعرف إليه وتحميله مسؤولية فإن مصدر أو خزان العدوى يتصرف دائما وفقًا للخصائص الوبائية فحيث لا توجد سرية يمكن اكتشاف مصادر العدوى عن طريق الاستقصاءات الروتينية الوبائية والميكروبيولوجية المعتادة ولا توجد اتجاهات تُبقيها غير معروفة حيث يرتبط عدد مصادر العدوى وتوزيعها بفترة الحضانة وفترة انتقال المرض