زاد الاردن الاخباري -
حالة ترقب وخوف عمَّت أوساطاً إيرانية بعدما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني عن وجود خطة حكومية جديدة لاستئناف “الأنشطة الاقتصادية منخفضة المخاطر”، بعدما كانت إيران في حالة شبه شلل تام إثر تفشي فيروس كورونا.
لم يحدد الرئيس روحاني الأعمال المدرجة تحت فئة منخفضة المخاطر، لكنه أكد استمرار إغلاق المدارس، والجامعات، والتجمعات بمختلف أنواعها، مع استئناف الحياة للخروج من مأزق اقتصادي محتمل.
هذا التصريح أثار مخاوف العديد، بينهم وزير الصحة نفسه الذي هدد بالاستقالة إذا لم يتم التراجع عن عودة الأعمال الاقتصادية.
ويبدو أن إيران تحولت من سياسة اللاسياسة، إلى تبنِّي سياسة مناعة القطيع، ما يهدد بكارثة حقيقية في بلد كان صمن قوائم البلدان الأكثر احتضاناً لفيروس كورونا.
وزير الصحة يهدد بالاستقالة
منذ بدأ الفيروس في التفشي، رفضت الإدارة الإيرانية كافة الاقتراحات والمطالبات بفرض حجر صحي جزئي أو كلي، لمنع انتشار الوباء، بل وصل الأمر إلى رفض فرض حظر التجول وتقييد حركة الناس خلال أسبوعي عطلة عيد النوروز (رأس السنة الفارسية)، ما زاد من أعداد الإصابات فى الآونة الاخيرة.
وحين قرر الرئيس روحاني اتخاذ خطوة بدورها وضع اقتصاد البلاد مقابل صحة الناس، أصر روحاني على صحة خطوته بإعادة فتح المجال الاقتصادي، معللاً الأمر بأن هناك الكثير ممن يعانون جراء هذا الإغلاق أكثر من معاناتهم من فيروس كورونا.
كان سعيد نمكي، وزير الصحة الإيراني، من أشد المعارضين لقرار الرئيس حسن روحاني الأخير، وأعلن ذلك في رسالة موجهة إلى روحاني، يتهمه فيها بشكل غير مباشر باتخاذ قرارات غير مدروسة ستؤدي إلى إشعال النيران في القطاع الصحي والاقتصادي معاً.
يقول مصدر مقرب من وزير الصحة الإيراني، : “لم يحضر الوزير الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، وأبلغ الرئيس روحاني هاتفياً أنه سيقدم استقالته، فى حالة إصرار الأخير على مواصلة استئناف الأنشطة الاقتصادية”.
وبحسب المصدر، من المفترض أن سعيد نمكي، وزير الصحة، هو من له الكلمة الأخيرة واليد العليا في جميع قرارات اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا في إيران، وحصلت اللجنة على دعم غير مشروط من قِبل المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مباشرة، لكن الرئيس روحاني ظل متمسكاً برئاسة اللجنة، والتدخل فى قراراتها.
انتظروا كارثة طهران
فى يوم السبت الماضي 11 أبريل/نيسان، عندما بدأت المحافظات الإيرانية باستثناء العاصمة طهران، في العودة تدريجياً إلى العمل، شهدت تلك المدن اكتظاظاً مرورياً هائلاً، ما أثار مخاوف الأطباء ووزارة الصحة التي مازالت تعارض تلك الخطوة بشدة.
ما دفع المنتقدين لتلك الخطوة إلى الخوف بشأن حدوث كارثة فى العاصمة، عندما يعود المواطنون فى طهران إلى أعمالهم، وفقاً لقرارات الحكومة الأخيرة.
يقول الطبيب سعيد نوري، أحد أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا في طهران: “بالنظر إلى الازدحام فى المحافظات الأخرى، فنحن على موعد مع كارثة تهز العاصمة طهران خلال أيام قليلة، ستشهد نمواً كبيراً لانتشار العدوى بين الناس”.
وتعتبر طهران واحدة من أكبر المدن الإيرانية وأكثرها من حيث عدد السكان، وتضم العاصمة حوالي 8.7 مليون نسمة، بجانب الوافدين يومياً إلى العمل بها، وتعتبر أيضاً المدينة هي المركز الرئيسي لكافة المراكز السياسية، والاقتصادية، والثقافية في الجمهورية الإسلامية.
وقد أعلن نائب وزير الصحة الإيراني إيرج حريرتشي، في وقت سابق، أن حوالي 25٪ من الإصابات كانت لأناس أصيبوا بالفيروس من خلال وسائل النقل العام ومترو الأنفاق.
مما دفع الرئيس حسن روحاني إلى التنبيه على الشعب الإيراني بتجنب استخدام النقل العام، واللجوء إلى السيارات الخاصة، وسيارات الأجرة، لمنع إصابتهم، مما أثار سخرية البعض من الإيرانيين.
علقت فاطمة (40 عاماً)، التي تعمل في هيئة التلفزيون والإذاعة الإيرانية الحكومية بسخرية على كلام الرئيس روحاني قائلة : “ليس لديَّ سيارة، وإذا استخدمت سيارة أجرة كل يوم للذهاب إلى عملي، سنحتاج ثلاثة أضعاف راتبي، هل يوفر لي السيد روحاني سيارة خاصة، لكي لا أصاب بالفيروس؟!”.
دافعت الحكومة مراراً وتكراراً عن قرارها الأخير، وصرح المتحدث باسمها علي ربيعي بأن التوازن بين العودة إلى العمل وصحة الناس قد تم أخذه في الاعتبار، دون شرح التفاصيل.
لكن روحاني قد أشار إلى بعض تلك التفاصيل من قبل، فقد أعلن أن الإدارات الحكومية سيتم العمل بها بثلثي قوتها، على أن يعمل باقي الموظفين من المنزل، وأيضاً دون الإشارة إلى وضع الإدارات غير الحكومية، وكيفية التعامل معها أثناء العودة إلى استئناف العمل.
موجة ثانية في الخريف
تنبأت لجنة الأوبئة والأمراض المعدية بوزارة الصحة الإيرانية، بأنه في حالة استمرار الحكومة في تنفيذ خطوتها الأخيرة بإعادة فتح البلاد، فإن الإصابات سترتفع بشكل كبير خاصة في الموجة الثانية من الوباء، والمتوقع حدوثها في الخريف أو الشتاء القادم.
يقول جعفر واعظي، طبيب الأمراض المعدية بوزارة الصحة الإيرانية، “إذا استمرت البلاد فى تخفيف القيود المفروضة لعدم انتشار الفيروس، ستكون الموجة الثانية أشد بكثير من الحالية”.
ويرى واعظي، أنه لابد من فرض إجراءات صارمة على الأقل لمدة شهر واحد، لتخطي تلك الموجة الثانية، ومن أجل السيطرة على انتشار الفيروس لابد من التأكد من التزام 60% من السكان بالبقاء فى منازلهم.
الأعمال المنخفضة والعالية المخاطر
فى إعلان روحاني لاتخاذ الحكومة خطوة استئناف الانشطة الاقتصادية “منخفضة المخاطر”، لم يوضح بالتفصيل ما الأعمال التي تندرج تحت تلك القائمة، أو غيرها.
لكن سعيد ممبيني رئيس غرفة النقابات العمالية الإيرانية، يجيب عن هذا التساؤل، فيقول، “الأعمال عالية المخاطر مثل المدارس، الجامعات، المطاعم، المقاهي، الأسواق الكبرى، ومراكز التسوق، وأي أعمال تستلزم عدد عمالة كبيراً، أما بالنسبة إلى الأعمال منخفضة المخاطر، فهي تشمل كافة الأعمال الإدارية الحكومية وما شابه”.
لكن السيد ممبيني أشار إلى أن “هناك بعض المصانع، التي تعمل في مجال السيارات والبتروكيماويات، تندرج تحت الأعمال عالية المخاطر، وخاطبنا الحكومة بشأنها، لكنها عادت إلى العمل بكامل طاقتها الاستيعابية، ولا نعلم السبب”.
وهذا ما يفسر تصريح وزير الصناعة والمناجم والتجارة، الذي أكد منذ أيام قليلة أهمية عدم الانقطاع عن العمل والإنتاج في مختلف المجالات.
75% من الإيرانيين، سيصابون بفيروس كورونا
نشر مركز الأبحاث بالبرلمان الإيراني، تقييماً بناءً على تقارير وزارة الصحة الإيرانية، يشير إلى احتمالية أن يموت 30 ألف إيراني بفيروس كورونا المستجد، في حالة وجود 10% فقط من سياسات الإغلاق العام والاحتواء القابلة للتطبيق.
وأشار المركز إلى أنه أيضاً من المحتمل أن يصاب 75% من الإيرانيين بفيروس كورونا، إذا لم يلتزم السكان بإجراءات العزل المنزلي الصارمة، تحت إشراف ومراقبة الحكومة.
لكن في نفس الوقت، أشار المركز إلى أنه من الممكن تفادي الموجة الثانية الشديدة من انتشار الفيروس، في حالة التزام الحكومة والناس بـ50% من قيود العزل والتباعد الاجتماعي.
الخطوة المقبلة: التباعد الاجتماعي الذكي
بحسب الرئيس حسن روحاني، فإن استئناف العمل في الجمهورية الإسلامية، هو الخطوة الأولى في خطة الحكومة الجديدة للتعامل مع كورونا ولكنه أشار إلى خطوة إدارته الثانية، والتي أطلق عليها اسم “التباعد الاجتماعي الذكي”. دون الإشارة إلى تفاصيلها في الوقت الحالي.
لكن مصدراً مسؤولاً في الإدارة الإيرانية كشف، بعضاً من ملامح الخطوة الثانية، قائلاً: “الخطوة الثانية أو التباعد الاجتماعي الذكي، مخصصة في الأساس للمرحلة الثانية من إعادة فتح المدارس والجامعات، والأنشطة الاجتماعية بكافة أنواعها”.
يقول المصدر، إن الحكومة ستتخذ إجراءات من تنفيذ المسافة الآمنة بين الأشخاص في كافة الأماكن التي تشهد ازدحاماً، وفي الإدارات الحكومية، من خلال تحديد مسافة مترين بين كل شخص وآخر، من أجل ضمان عدم انتشار العدوى.
لكن مسعود يونسان، أستاذ علم الأوبئة بجامعة طهران للعلوم الطبية، يرى أن هذه الخطوة قد فات أوانها، فيقول: “هذه الخطوة يتم اتخاذها في المراحل الأولى من انتشار الفيروس”.
من ضمن المراحل الأساسية في الخطوة الثانية لخطة الحكومة الإيرانية، بحسب المصدر الحكومي، مضاعفة عمليات تطهير الإدارات الحكومية، الحدائق العامة، المتاجر ومراكز التسوق، بجانب تقليل عدد الركاب في وسائل النقل العام ومترو الأنفاق، مع تقليل ساعات العمل التي بدأت في المحافظات باستثناء العاصمة طهران، فأعلن روحاني أن ساعات العمل اليومية في المقرات الحكومية تبدأ في الساعة صباحاً، وتنتهي عند الثانية ظهراً.
عودة الخطر إلى قُم وجيلان
أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في إيران، تم اكتشافها في مدينة قم الدينية، سابع أكبر المدن الإيرانية، وبعد أسابيع قليلة وبالنظر إلى قربها من مدينة قم، سجلت مقاطعة جيلان نسب إصابة عالية للغاية، مع افتقار المقاطعة إلى الكثير من الإمدادات الطبية.
ومع اتخاذ الحكومة الإيرانية، خطواتها لإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية في مختلف المدن الإيرانية، حذر الأطباء من عودة خطر زيادة الإصابات إلى قم وجيلان، لكن الحكومة استشهدت بإحصاءات وزارة الصحة في الأسبوع الماضي والتي تعلن عن انخفاض ملحوظ في حالات الإصابة اليومية المؤكدة في عموم الجمهورية.
يقول مصدر مسؤول في وزارة الصحة الإيرانية، رافضاً الكشف عن هويته : “الإحصاءات التي تستشهد بها الحكومة، تعود إلى الأيام التي تم فيها تنفيذ الإغلاق الجزئي للعديد من القطاعات، بجانب أن هذه الإحصاءات تخص بالتحديد المحافظات قليلة الكثافة السكانية”. ويبدو أن الأرقام الحقيقية أقل بكثير من المعلنة.
ويتوقع طبيب يقيم في مدينة قم زيادة الإصابات بشكل متزايد، الأمر الذي تحدثت عنه ناهيد خداكرمي، عضوة مجلس مدينة طهران، فصرحت لوسائل إعلام محلية قائلة: “إن في أكثر التقديرات تفاؤلاً يموت 70 شخصاً على الأقل يومياً في طهران، ومن المتوقع مضاعفة الرقم مع بدء إعادة فتح العاصمة”.