مللت من الجلوس الطويل في المنزل، بدأت تشعر وكأنك في سجن لا تستطيع مغادرته، ماذا أفعل وأنا بين أربعة جدران والوقت الطويل يمر وأنا لا أقوى على الخروج من المنزل، شعور وأسئلة بدأت تتسلل إلى الكثير بيننا في هذه الأيام العصيبة بكل تأكيد، وهو الذي بدأ يتسرب إلينا كغيرنا حتى وقعت أعيننا على سطور أعادت ذلك الشعور إلى مكانه المناسب في مكب نفايات الأفكار.
قبل عدة أيام نشر خبر وفاة رجل الأعمال السعودي سلطان العذل بعد مسيرة مليئة بالنجاحات والتميز، وهو الذي كان قد بدأ مسيرته العملية في العام 1994 بتأسيس شركة للشحن السريع في المملكة العربية السعودية ما لبثت أن وصلت خدماتها إلى أكثر من 200 دولة حول العالم، ثم إنطلق بسلسلة دانكن دونتس العالمية لتنتشر في جميع أنحاء المملكة، كل ذلك ربما يكون أمراً عادياً لكن المؤكد أن الغير عادي هو أن نعرف أن ذلك الرجل حقق كل ذلك برغم إصابته بمرض التصلب اللويحي بعد 5 سنوات فقط من بداية مشاريعه، وهو المرض الذي لم يبقي له من جسده إلا عينيه وشفتيه يعمل بهما حتى آخر أيام حياته، فلم ييأس ولم يتراجع عن مشواره قيد أنمله !
سلطان العذل أو "ستيفن ويليام هوكينج العرب" كما يلقبه معارفه (نسبة لعالم الفيزياء الشهير الذي كان من أبرز علماء عصره برغم معاناته من ذات المرض حتى وفاته) إستمر في محاربة الفراغ الكبير الذي ملأ حياته من على كرسيه المتحرك، وقد قال في إحدى المقابلات المنشورة قبل حوالي 6 أعوام في مجلة الرجل: "أصبت بمرض يسمى مرض التصلب اللويحي العضلي الجانبي منذ ما يقـارب 16 عاماً، فقدت خلاله القدرة الكاملة على الحركة والنطق باستثناء حركة العينين والشفتين، كما فقدت جميع حواسي عدا السمع والبصر والإحساس، وأتنفس منذ عام 2002 من خلال أنبوب تنفسي موصول بجهاز تنفس صناعي، وأتغذى بوساطة أنبوب تغذية يصل إلى المعدة بفتحة، ولكن ذلك لم يثنني عن ممارسة حياتي الأسرية والعملية، وتغلبت على ظروفي الصحية، وجابهت المرض بالعزيمة والإصرار والرضا بحكم الله، وكان لكل من حولي من الأسرة والأصدقاء بالغ الأثر في تشجيعي ومساعدتي في تخطي ظروفي الصحية، أنصح لكل من ابتلاه الله عز وجل بمرض أن لا يستسلم ويصبر على ما أصابه وأن يوقن أن الله مع الصابرين، وأن يزيده المرض قرباً إلى الله، ونقتدي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فيما رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" وعليه أن لا يجعل المرض عائقاً يؤثر سلباً في حياته" إنتهى كلامه رحمه الله.
رحل صاحب هذه الكلمات، والذي كان يدير بعينيه فقط عشرة آلالاف موظف في مختلف مشاريعه، بل وقام بتأليف العديد من الكتب بتلك العينين التي كانت تنبض بالحياة حتى لحظاتها الأخيرة قبل أن تغمض للأبد تاركة لنا هذه السطور وتجربة مليئة بالعبر والدروس لمن لم يترك للفراغ مكاناً في حياته.
ترى كم منا فكر بملأ الفراغ الذي يعيشه في حياته، خصوصاً في هذه الأيام ؟ وسط ظروف الحجر المنزلي وحظر التجول وغيرها من الظروف العصيبة التي نعيشها، تماماً كما فعل من وضع محنته أمام عينيه وأبدل حرف الحاء مكان النون فيها ليحلق بنجاحاته ويحقق ما عجز عن تحقيقه الكثير من الأصحاء.
"إملأ الفراغ" إجعله صوت يعلو بداخلك كلما شعرت بالملل أو اليأس والإحباط حتى لا تجعل للفراغ وتوابعه عليك سبيلاً، فلو نظر كل منا في نفسه نظرة فاحصة لوجد بالتأكيد الكثير من الفراغ في حياته في مجال أو أكثر يستطيع من خلاله أن يحقق الكثير من النجاح في حياته، ليكون هذا الفراغ عندما يوجد في حياتنا سلماً نصعد من خلاله لما نريد فكما قيل ما لك سيأتيك ولو كنت بين جبلين وما لم يكن مقدراً لك لن يأتيك ولو كان بين شفتيك.
أيام قلائل ونستقبل شهر الرحمة والبركات شهر رمضان المبارك وهي فرصة لنا جميعاً للعودة لروحانية العبادات ونسائم المغفرة والرحمات والعتق من النيران، جعله الله شهر خير وفرج على الجميع وأزاح فيه البلاء والوباء لتعود الطمأنينة والسكينة ترفرف بأجنحتها على النفوس وتجدد للقلوب والنفوس حياة نبضاتها.