بقلم المخرج محمد الجبور - تطرح العديد من التصورات والمواقف الأمريكية على الخصوص ما يمكن اعتباره مؤامرة صينية كانت وراء صناعة فيروس كورونا مختبريا بهدف إعادة ترتيب النظام العالمي وإضعاف القوة الأمريكية خصوصا أمام الغموض الذي وسم طريقة ظهور الفيروس في مدينة ووهان الصينية والتكتم الذي طبع المقاربة الإعلامية حوله من جهة ومن جهة أخرى وبنفس الغموض الذي عرفه اختفاء المرض منها دون حديث عن طرق العلاج وسبل المواجهة ماعدا الحديث عن الصرامة في تنزيل التدابير الاحترازية الصارمة التي تظل بالنسبة للعديد من الباحثين غير مقنعة فهل تملك الصين الداء والدواء؟، هذا هو جوهر التصور الأمريكي الذي ينبني على "شيطنة الصين واعتبارها المسئولة عن نشر المرض إلى مختلف بقاع المعموره بل هناك من يربط بين زيارة الأطباء الصينيين لإيطاليا من أجل تقديم الدعم والخبرة وبين الانتشار المهول لعدد المصابين بالفيروس في هذا البلد الأوربي
وعلى نفس المنهج تعتبر الصين أن الرؤية الأمريكية مجرد مؤامرة تروم من خلالها عزلها دوليا والحد من النمو المتصاعد لاقتصادها وتحولها إلى لاعب دولي مهيمن وقطب منافس قادر على فرض تعددية قطبية يهدد بأفول نجم الولايات المتحدة الأمريكية أمام نجاحات تمددها في مختلف المجالات الحيوية والمجالية في العالم من خلال مشروع الحزام والطريق الذي يعد أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ الإنسانية وبالتالي تحاول أمريكا حسب التصور الصيني زرع العديد من العوائق والهواجس أمام التوغل والتمدد الصيني الناعم وقد يجد ذلك مبررا له من خلال خطوات إدارة ترامب التي تحاول الضغط على الصين واستدراجها إلى طاولة التفاوض عبر فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية كآلية للحد من قدراتها التنافسية ومحاولة أمريكا استثمار ظهور الفيروس على أراضيها ل تسييج التحرك الصيني والحد من السفر منها وإليها بما من شأنه الإضرار بالاقتصاد الصيني وعزلها دوليا
تطرح أزمة كورونا الراهنة العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات العريضة والمتشعبة حول شكل العالم والنظام الدولي ما بعد نهاية كورونا وزوال هذا الفيروس القاتل الذي أدخل البشرية في متاهة القلق والخوف وأحال نهارها سوادا وليلها أرقا وأيقظ فيها غريزة البقاء كحق طبيعي متجذر في الطبيعة الإنسانية
من المؤكد أن الجواب عنها لا يحتاج إلى مقال بل إلى دراسات وأبحاث ومؤلفات تقيَم الأسباب والمآل وتبحث عن الحلول والآليات الكفيلة بتدبير الأزمات، التي تشكل كورونا مبتدأها ومنطلقها فالعالم كما يبدو مقبل على العديد من أشباهها من الكوارث والصراعات ممًا يسائل التصورات الممكنة والسيناريوهات المفترضة للعالم ما بعد هذه الجائحة الصحية الكونية