زاد الاردن الاخباري -
بعد ثلاث معارك انتخابية تمحورت حول شخصه وملفات الفساد التي تحيق به، ووسط عملية مخاض عسيرة سبقها تفجير مراقب للتشكيل السياسي الذي طرح نفسه بديلا لليكود بزعامته، وتخللها تفكيك الكثير من الألغام التي اعترضت طريق المفاوضات، زف بنيامين نتنياهو لـ”شعب إسرائيل” عشية الذكرى الـ72 لإقامتها، “بشرى” ولادة حكومة “الوحدة القومية الصهيونية” بزعامته وبالتناوب مع الجنرال بيني غانتس.
ومن اللافت أن العقبات الجدية التي كادت أن تفجر المفاوضات في أكثر من محطة، تمحورت أساسا حول قضايا إدارية وقانونية تتعلق بتحصين وجود نتنياهو في الحكومة كرئيس ورئيس بديل لها لاحقا، رغم وجود لائحة اتهام ضده، أو بمسألة تعيين القضاة وغيرها من القضايا التقنية المرتبطة بنظافة الحكم أو عدم نظافته، في حين أن القضايا السياسية الأساس وعلى رأسها تنفيذ ضم الأغوار وبسط القانون الإسرائيلي على المستوطنات، لم تستحق من الجنرال غانتس، الذي أوصت الأحزاب العربية على تكليفه بتشكيل الحكومة، أن تكون سببا لتفجير المفاوضات ومنع تشكيل الحكومة الصهيونية.
بل أن العنوان السياسي العريض الذي يطغى، من وجهة نظرنا كفلسطينيين، على باقي العناوين، لدى الحديث عن هذه الحكومة، هو تنفيذ قرار “الضم” الوارد في “صفقة القرن” المزعومة، حتى شهر تموز المقبل، أي خلال شهرين من الإعلان عن تشكيلها، مثلما أراد نتنياهو ومعسكر اليمين الذي يتزعمه وحصل عليه بالكامل، حيث سيتم تنفيذ الجزء الأساس من “صفقة القرن” وضم ما يقارب من 40% من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل من قبل حكومة الوحدة الصهيونية.
والحقيقة أننا وإن تفاجأنا من قيام الجنرال غانتس مدعوما بقائده العسكري الجنرال، غابي أشكنازي، أو مجرورا من قبله، فإننا لم نتفاجأ أبدا مما انتهى إليه مساره نحو “حكومة يمين صهيونية” تحت مسمى “الوحدة”، تضع على رأس أجندتها السياسية تنفيذ “صفقة القرن” وتصفية القضية الفلسطينية.
وهي حكومة حذر منها العديد من المحللين والمراقبين الذي قرأوا المشهد الإسرائيلي جيدا، ووضعوا غانتس وحزب الجنرالات الذي يقوده في الخانة الصحيحة، خاصة وأنهم لم يخفوا أي من توجهاتهم السياسية، التي تتوافق أيضا مع توجهات شركائهم السابقين الذين سيجدون أنفسهم في المعارضة.
فقد ابتدأ هذا الحزب حملته الانتخابية الأولى بعداد القتلى الذين أسقطهم جنرالاته في غزة، والتفاخر ببطولاتهم وكفاءاتهم العسكرية القادرة على مواجهة “أعداء إسرائيل” في لبنان وإيران وسورية وغزة والضفة، مرورا بالتنصل من “داعمي الإرهاب” المتمثلين بالنواب العرب من المشتركة والتجمع، ورفض الجلوس في حكومة مدعومة من قبلهم من الداخل أو من الخارج.
كما أن غانتس لم يتخلف عن تلبية الدعوة التي تلقاها من ترامب إلى البيت الأبيض ومباركة “صفقة القرن”، وزايد على نتنياهو الذي “لم يعمل على ضم الأغوار حتى اليوم”، وأعلن أنه حكومة برئاسته ستعمل على إنجاز ذلك، هذا ناهيك عن دعمه للموقف الأميركي المؤيد لضم الجولان ونقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ربما يكون غانتس قد خدع شركائه في “ييش عتيد” الذين يتمتعون بخبرة وحنكة سياسية أكثر منه وأرادوا شد الحبل قليلا، عسى أن يلتف حول عنق نتنياهو قبل يندفعوا إلى أحضانه كما فعل غانتس، لكنه بدون شك لم يخدعنا، بل نحن الذين خدعنا أنفسنا، عندما جملنا صورته لتبرير التوصية على تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة.
لقد غرر النواب العرب بجماهيرهم عندما اعتقدوا أن أربعة جنرالات أركان حرب، إضافة إلى ليبرمان، يمكن أن يجلسوا في حكومة مدعومة بمن يعتبرونهم صراحة وبدون مواربة “داعمي إرهاب”، لمجرد أنهم يأنفون من الجلوس تحت رئيس حكومة متهم بقضايا فساد، كذلك أخطأوا في تقييم طبيعة المجتمع الإسرائيلي الذي تسامح مع خطوة غانتس، لأن خيار الحكومة المقلصة المدعومة بأصوات العرب غير وارد، إلى جانب إدراكه بأن لبيد ويعلون لديهم حسابات شخصية مع نتنياهو.