زاد الاردن الاخباري -
استعرضت صحيفة «زافترا» الروسية، الحملة الإعلامية الموجهة ضد الرئيس السوري بشار الأسد في روسيا.. وكتبت الصحيفة: ضجت المواقع المختلفة لبعض الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، تتناقل ما سمي بـ«حملة إعلامية» و«رسائل» روسية للرئيس السوري، بشار الأسد، والنظام في دمشق. وعزت تلك «الحملة» و«الرسائل» إلى وسائل إعلام «رسمية» كوكالة الأنباء الفدرالية، واستطلاع رأي شمل عينة من 1000 مواطن سوري «عن طريق الهاتف» من دمشق، قامت به مؤسسة «روسية حكومية».
وحسب ما ذكر موقع تلفزيون الغد فانه وقبل الخوض في مضمون وتوقيت هذه الحملة المكثفة، أود أن أوضح بادئا ذي بدء أن كل المصادر التي تداولتها المواقع والصحف، ووصفتها بـ«الرسمية» و«المقربة من الكرملين» وغيرها من الأوصاف تنافي الحقيقة على أقل تقدير، وربما تحمل قدرا من سوء النوايا؛ ذلك لان كل العناوين المذكورة مصادر غير رسمية. ولا تعبر أي من تلك المقالات أو استطلاعات الرأي (إذا تجاوزنا واعتبرنا استطلاعا للرأي عبر الهاتف لشريحة قوامها 1000 إنسان، في ظل الظروف المعروفة، استطلاعا معتبرا) سوى عن رأي كاتبيها أو اجتهادات من محللين سياسيين يعبرّون عن رؤيتهم الشخصية أو يعلّقون على أرقام أو أحداث تنقل إليهم عبر قنوات التلفزيون أو شاشات الحاسوب.
وأضاف الدبلوماسي والمحلل السياسي الروسي، المقرب من القيادة الروسية، رامي الشاعر: لقد ذهب المعلقون والمحللون أيضا إلى أن خلافات اقتصادية نشأت بين الشركات الروسية والحكومة السورية، هي سبب الحملة الشعواء، ليبدو الأمر وكأن السياسة الروسية من السذاجة والخفة بحيث تؤثر في دفتها خلافات فرعية بين الشركات الروسية والحكومة السورية حول قضايا أو مشاريع مختلفة (وهو أمر وارد الحدوث طبيعيًا ). يأتي ذلك بعد كل ما حققته روسيا وسوريا معا على الأرض السورية وفي أروقة الاجتماعات، وطاولات المفاوضات، بدءا من الأمم المتحدة ومرورا بجنيف وانتهاءا بأستانا وسوتشي، لإنقاذ سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها.
ويأتي بعد أن نجحت مجموعة أستانا (روسيا وتركيا وإيران) في التوصل إلى الوضع الراهن على الأرض. فهل كان الدعم الروسي بكل مستوياته، وتدخل روسيا لحماية سوريا من براثن التطرف والإرهاب الدولي، من أجل مصلحة اقتصادية هنا أو منفعة شخصية هناك؟ الإجابة واضحة..أبحث عن المستفيد! أرى أن الحملة الجديدة مقصودة من حيث المضمون والتوقيت، لزرع بذور فتنة خبيثة في علاقات متينة وصلبة أصبحت نتائجها متجسدة وواضحة للعيان.
إن الحملة تخدم حزمة القوانين العقابية الجديدة التي بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية، وتحمل عنوان «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، والذي وقعه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ليس مستبعدا أن الظروف الراهنة التي يمر بها العالم أجمع، وخاصة فيما يتعلق بالحجر الصحي بسبب انتشار وباء كورونا، وعدم القدرة على الحركة، دفع الكثيرين من الشخصيات المعارضة في الفترة الأخيرة إلى الكتابة لملء أوقات الفراغ كيفما اتفق. وأستخدم هذا التعبير هنا مضطرا، ليقيني بأن الكثيرين ممن كتبوا المقالات في الفترة الأخيرة، إنما يشاركون (عن حسن نية ربما، أو مع سبق الإصرار والترصد) في الحملة الموجهة ضد الجهود الروسية التي بذلت مع مجموعة أستانا، والتي تمكنت من وضع أرضية سانحة للشروع في العمل الجاد على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، بعد القضاء على الإرهابيين المدرجين على قوائم الإرهاب الدولي.
وتابع في صحيفة «زافترا» الروسية: هي حملة تسعى لاستبدال كل ما توصلت إليه روسيا ومجموعة أستانا بسياسة واشنطن الجديدة التي يفرضها قانون «قيصر». وأقولها صراحة أنني لا أشكك في وطنية أحد بالمرة، ولكن لو تمعن البعض ممن كتبوا المقالات مؤخرا فيما قامت وتقوم به واشنطن من سرقة لخيرات وموارد الشعب السوري، في الشمال الشرقي للبلاد، بل وعلاقة واشنطن بحلفائها في سوريا على مدى عشر سنوات (الأكراد على سبيل المثال لا الحصر)، وحلفائها في المنطقة على مدى العقود الماضية، سيتوصلون حتما إلى نتيجة أن واشنطن هي آخر من يحق له الدفاع عن حق الشعب السوري في محاسبة مرتكبي جرائم القتل والفساد التي ارتكبت بحقه.
بالفعل صدرت مقالات في بعض وسائل الإعلام الروسية، انتقدت النظام في دمشق، وحمّلت الرئيس السوري الكثير من مسؤولية ما وصل إيه الوضع المأساوي، الذي يعيشه الشعب السوري، والتلكؤ في مبادرة القيادة في دمشق، في ظل الظروف المواتية بوقف إطلاق النار، للبدء بخطوات عملية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يعد السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا، وإنعاش الوضع الاقتصادي المتردي.
لكن الانتقادات طالت أيضا المعارضة السورية، والخلافات التي تعرقل توحّدها على رؤى متقاربة يمكن أن تعبّر عن أطياف الشعب السوري التي يمثلونها. تهدف تلك المقالات إلى النقد الصريح والبناء، بهدف الشروع في عملية الانتقال السياسي السلمي، المبني على نهج المصالحات الوطنية، بغرض تتويج نجاح التدخل العسكري الروسي وجهود مجموعة أستانا وصولا إلى تحقيق الأمن والاستقرار لسوريا، وإفساح المجال للشعب السوري لتقرير مصيره بنفسه.
دعونا لا ننسى، أن التدخل الروسي في سبتمبر/ أيلول عام 2015، حدث بعد مضي أربع سنوات على اندلاع الأزمة السورية، وبعد أن تدهور الوضع إلى حد حصار دمشق، وبينما لاح حينها في الأفق ماثلا للعيان مصير سوريا كدولة فاشلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أتمنى أن ينتبه من ينشطون إعلاميا في الآونة الأخيرة إلى أن السياسة الأمريكية التي تروج لها الإدارة الأمريكية في إطار قانون «قيصر»، يمكن أن تفجّر حربا أهلية واسعة النطاق في سوريا، تدمر ما تبقى من مدن، ويروح ضحيتها ما لا يقل عن مليون ونصف المليون إنسان.
أظن أن الأجدى بهؤلاء الاهتمام بكيفية المساهمة في رفع وعي الشعب السوري لمواجهة خطر وباء كورونا، وحثّ المجتمع الدولي على المساهمة في تقديم المساعدات للشعب السوري، ورفع كل العقوبات التي تمنع وصول الغذاء والدواء ووقود التدفئة للسوريين. لقد صرح الرئيس الأمريكي قبل عدة أيام بأنه وعلى الرغم من سياسة العقوبات التي انتهجتها إدارته ضد روسيا، إلا أنه تمكن من الحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو، وتابع حينها أن أحدا «لم يكن قاسيا مع بوتين» كما كان هو قاسيا معه، مشيرا إلى ما فعله بشأن خط أنابيب «السيل الشمالي» إلى أوروبا. ألا يعد ذلك اعترافا صريحا بظلم وغطرسة العقوبات الأمريكية التي تصب في سياق الحرب الهجينة والاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا؟
لا أعتقد أنني بحاجة للإجابة على هذا السؤال. لا شك أن الفضل يعود إلى روسيا في «الحفاظ على علاقات جيدة» مع الولايات المتحدة، على حد وصف ترامب، فهي التي تحلت بالصبر واستمرت في اتباع سياسة استراتيجية مسؤولة، على الرغم من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الروسي، وذلك تجنبا للسقوط في هوة صراع دولي يعيد إلى الأذهان سباق التسلح النووي وأجواء الحرب الباردة. إن سياسة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على دول العالم، بما في ذلك العقوبات على روسيا، وعلى إيران، وقانون «قيصر» الجديد، لا تؤدي إلى انفراج في الأزمات، ولا لحلول جذرية لها، بل على العكس تدفع نحو التصعيد وتدهور تلك الأزمات.
أتمنى أن يتحلى الصحفيون والمحللون السياسيون بالواقعية والموضوعية والمسؤولية في نقل الحقائق المتعلقة بالسياسة الخارجية الروسية، بنفس أبعاد وحجم وجودها على أرض الواقع، دون زيادة أو نقصان. فالواقع وحده خير دليل وبرهان، إذا ما نقل بصدق وشفافية.