د. سلطان الخضور - تعد مملكة النمل من أكثر النظم الاجتماعية وأكثرها نجاحاً في عالم الحشرات, ومن المعروف أن النمل من الكائنات الاجتماعية التي تعيش ما بين أسابيع وسنة في عالم منتظم, إلا أن النمل لا يأخذ الاهتمام الكافي من البحث والدراسة والعناية من قبل البشر كما هو الحال بالنسبة للنحل, وذلك لأن الناس لا يستفيدون منه استفادة مباشرة كما يستفيدون من النحل إذ يجنون منه العسل.
لقد كانت سلوكيات النمل وتفاعله الاجتماعي المنتظم وتشابهه مع المجتمعات البشرية مصدر الهام للمختصين في علوم البيولوجيا, فدرسوا عالم النمل واستنتجوا أن لدى النمل ميثاق للعمل يعرف كل فرد فيه ما له من حقوق وما عليه من واجبات, فهو يقسم العمل بين أفراده, ولديه قدرة على التواصل عن طريق افراز مواد كيماوية تسمى"فيرومونات" لحل ما يعترضه من مشكلات والاستدلال على الطعام ,وعن طريق الهوائيات يمكنه تحليل ما يصدر من نمل المستعمرات الأخرى من "فيرمونات" أما التنفس فيتم عن طريق ثقوب في الجسم, توزع الأوكسجين على جميع الخلايا, فلذلك نجد النمل بدون رئتين في حين تملك النملة الواحدة على صغر حجمها معدتان.
ويرى لوراس زوبل ان النمل لديه قدرة على فك الشيفرات عن طريق حاسة الشم والتمييز بين العدو والصديق, والدفاع عن مستعمراته التي هي بمثابة وطنه ومهاجمة النمل الآخر الذي يحاول تهديده ومشاركته مستعمراته وأعشاشه, وإذا تمكن النمل من عدوه فإنه إما أن يأكله أو يأخذه أسيرا لخدمته في احضار الطعام.
وتشير دراسة لزهراء ابو العينين تحت عنوان حقائق قد لا تعرفها عن النمل أن الله قد منح النمل قوة عضلات عجيبة وقدرة على التحمل, فلدى النملة القدرة على رفع وحمل قطعة تبلغ عشرة أضعاف إلى خمسين ضعف وزنها, ومنحه كذلك فكين خارجيين يستخدمها للحفر وحمل الطعام, وأخريين داخليين للمضغ. ويختلف شكل رأس النملة وحجمها من نوع إلى آخر, كما يختلف حجم العينين والفك من نملة لأخرى، وعندما تجد النملة طعاماً, فإنها تذهب لبقية النمل طلباً للمساعدة وتستدل على طريق العودة عن طريق الرائحة التي تنفثها في طريق الذهاب، وبما أن الله له في خلقه شؤون, ولم يخلق أي شيء عبثاً, فإن النمل له دور يؤديه لخدمة البشر فهو يلقح النبات و يحرك التربة ويخلصها من بعض الحشرات, وينثر الحب في الأرض.
وتقوم العاملات من النمل في العادة على خدمة الملكة والتخلص من النفايات ورعاية الذكور الذين ليس لهم وظيفة إلا التزاوج
كتبت ذلك لأنني ذات وقت بعد العصر، راقبت درب النمل فشاهدته يسير في سربين، سرب ذاهب وسرب آت. راقبت النمل فوجدت أن السرب الأول محمل بأجزاء من حبات من القمح، وأن السرب الثاني على ما يبدو ذاهب ليحمل شيئاً من حبات القمح ويعود. وكل سرب يسير في الوجهة المعاكسة للسرب الآخر. والمثير للانتباه أنه في وسط الطريق كان على السرب الذاهب لإحضار القمح ان يتوقف, وتضع كل منها رأسها ملاصقاً لرأس النملة الأخيرة القادمة ثم تعود من حيث أتت دون شيء من القمح.
وما استنتجته من خلال المتابعة, أن حبات القمح قد نفذت، فكان على آخر نملة أن تخبر النمل القادم أن لا يتابع مسيره لأن الحَب قد نفذ، ولا طائل من متابعة المسير، فلذلك كانت النملة الأخيرة تتوقف عند كل نملة من أوائل القادمات وتضع كل منهما رأسها عند رأس النملة الأخرى، فتعود النملة طافقةً من حيث أتت، وكأن النملة الراجعة تطلب من النملة القادمة أن تعود، لأنه لا جدوى من الاستمرار في المسير، وكذلك كان.
وما لفت نظري في هذه الواقعة، أن كل النمل عاد ولم تك هناك ولو نملة واحدة تصر على متابعة المسير، فاستنتجت أن النمل حريص على بعضه بعضاً من جهة، وأنه لا يكذب من جهة أخرى، وأنه يثق ببعضه بعضاً من جهة ثالثة. سبحان من جعل للنمل لغة للتواصل والاستيعاب.
ويبقى السؤال مفتوحاً برسم الإجابة، ألا نتعلم من النمل؟