الدكتور: رشيد عبّاس - عجبتُ كثيرا لأمركم أيها الإسرائيليون في دويلتكم الصغيرة، عجبتُ كثيرا حين قتلتم أطفالهم ثلاث مرات, الأولى حين بنيتم حولهم سورا عنصريا اسمنتيا عاليا لتحجبوا عنهم خيوط الشمس والهواء وزرعتموه بالمجندين والمجندات المدججين والمدججات بالسلاح الثقيل.., والثانية حين ارغمتم أطفالكم وأكرهتموهم على حفظ قصيدة بعنوان (ماذا تجلب الرياح معها)؟ للكاتبة الإسرائيلية «تالي أيسمان» والتي توصي بها الأطفال بالاتصال بشخص بالغ والابتعاد في حال عثورهم على جسم مشبوه, حيث كتبت: أحيانا تجلبُ معها الرياح أشياء خطيرة قادمة من الجنوب تأتي عبر السياج وهي لا تخصني وليست لأحد الأصدقاء.., اما الثالثة فهي حين درّبتم أطفالكم على الاختباء القصري في الملاجئ الأرضية لمدة لا يتحملها ذلك الأطفال..
طبيعة الأطفال تأبى الأسوار والحواجز والموانع, فكيف اذ بها عالية الأفق تفوح منها رائحة البارود, وترتمي عليها الأسلاك ذات الأشواك والمسامير العنصرية, طبيعة الأطفال تأبى الأسوار التي تخرج منها رؤوس البنادق السوداء تارة, ودرابيل بوشنل أحادية العين تارة أخرى,..عجبتُ كثيرا لأمركم أيها الإسرائيليون في دويلتكم الصغيرة حين تعزلوا الأطفال عن جمال الطبيعة وروعتها, وتغرسون في نفوسهم ثقافة ان خلف الأسوار موت ودمار وهلاك لكم, ولقّنتم أطفالكم مؤامرة السور الكبرى, واختصرتم فيهم القصة دون خجل او وجل.. قصة ان خلف سور الصين العظيم كورونا قادمة.
أيها الإسرائيليون لقد شوّهتم في عقول أطفالكم كل شيء, حتى الرياح لم تسلم منكم أيها المتخندقين, فقد حمّلتم الرياح القادمة من الجنوب كل الحقد والكراهية, وقد تجرأت كاتبتكم ان تكتب قصيدة للأطفال بعنوان (ماذا تجلب الرياح معها)؟, ونقص على عنوان الكاتبة الإسرائيلية «تالي أيسمان» ان تضيف له كلمة الجنوب, تلك القصيدة التي نزعت من خيال الاطفال الأبرياء ولهم الحق الطفولي في ذلك فطرة الوقوف على مرامي الآية القرآنية الجميلة بقوله تعالى (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين), وطلبت الكاتبة المرتعبة, طلبت من الأطفال خلال هذه القصيدة الابتعاد عن كل ما تحمله الرياح, وبقي لها ان تقول لهؤلاء الأطفال اوقفوا الشهيق والزفير القادم من الجنوب.
واكثر من ذلك أيها الإسرائيليون, فقد وضعتم أطفالكم في حالة من التناقض, ففي مناهجكم وكتبكم المدرسية يقرأ الأطفال عندكم ان الزواحف والقوارض وكثير من الكائنات الحية, تخرج من ملاجئها نهارا كي ترى ضوء الشمس, وتخرج من ملاجئها ليلا كي ترى نور القمر, وانتم ومع صافرات الإنذار المرعبة أرغمتم أطفالكم المكوث لساعات وساعات في ملاجئ الارض لتخرج من فوهات تلك الملاجئ صدى صيحات وصرخات بكاء الأطفال المتواصل, مع ان الله سبحانه وتعالى خصص هذه الآية (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) كسنن طبيعية على سطح الارض منحها الله لجميع خلقه دون استثناء.
هكذا عطّلتم أيّها الساسة الإسرائيليون في أطفالكم حدود الفطرة التي فطرها الله عليها, ولغيتم عندهم حدود النفس وما سوَّاها, وحدود العقل وما حوى, وحرّمتم عندهم ممارسة حق وحقوق الجار, ..سيحاكموكم هؤلاء الأطفال في قادم الأيام لقتلكم معاني الطفولة فيهم, كيف لا وقد بات في وجدانهم وجوب بعثرت حروف اساميكم في مهب الرياح, وبات في وجدانهم وجوب الإلقاء بكم دون رحمة خلف أسوار العنصرية, وبات في وجدانهم وجوب وضعكم في ملاجئ العجزة تلك التي عطّلتم فيها معنى الطفولة فيهم.
واعجبُ لطفلة فيكم اسمها «سارة» تمردت على حفظ قصيدة (ماذا تجلب الرياح معها)؟ للكاتبة تالي أيسمان, ثم تمردت هذه الطفلة ايضا على دخول الملجأ رقم 7, وابعد من كل هذا وذاك, انها امتنعت عن رسم الأسوار في دفتر رسمها, ..«سارة» أدمنت رد الحقوق لأصحابها, وعشقت السلام العادل مع جيرانها, وآمنت بكل قوة ان الكبار هم الذين سمّموا أفكار الصغار الأبرياء, وتصرُ على ان الملجأ يختزلُ أسرار الشعب الغاصب..