زاد الاردن الاخباري -
أكد خبراء استراتيجيون وعسكريون أن تصريحات الملك عبدالله الثاني لصحيفة دير شبيغل الألمانية وتحذيراته من أن إقدام “إسرائيل” على ضم غور الأردن والبحر الميت سيؤدي إلى صدام كبير مع المملكة، تأتي في سياق تصعيد دبلوماسي تدريجي ذكي يوجه عدة رسائل للعالم ولأمريكا ولدولة الاحتلال فضلاً عن “رسالة الطمأنة” وهي الأهمّ للداخل الأردني بما يحمله من ارتباط وثيق بالقضية الفلسطينية.
وشدد الخبراء على أن التصريحات الملكية تؤكد على المصلحة الإستراتيجية الأردنية بضرورة الحل العادل للقضية الفلسطينية؛ لا سيما وأن الحلول الأحادية التي تقدم عليها دولة الاحتلال ستمس بشكل كبير بالمصالح الأردنية فضلا عن الفوضى التي يمكن أن تغرق بها المنطقة، الأمر الذي يرفضه الأردن جملة وتفصيلاً، فجاء الموقف الأردني ردًا على التصعيد الذي أقدمت عليه دولة الاحتلال بدعمٍ أمريكي.
فرض الاحتلال للأمر الواقع مرفوض أردنيًا
وقال الخبير الإستراتيجي وأستاذ الصراعات الدولية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني: إن حكومة الاحتلال اليمينية التي يقودها نتنياهو تجد أن الدعم اللامتناهي من الإدارة الأمريكية ما هو إلا فرصة ذهبية لتنفيذ أجنداته التوسعية وضم غور الأردن والبحر الميت، فضلاً عن وجود ظروف موضوعية متعلقة بالجانب العربي والفلسطيني يمكن له استغلالها واغتنام الفرصة لفرض أمر واقع، ولطالما دولة الاحتلال فرضت أمرًا واقعًا مستغلة كل الظروف.
ونوه إلى أنه إذا ما قامت دولة الاحتلال بضم غور الأردن فإن هذا يشكل تصعيدًا، سيقتل حلّ الدولتين، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديدًا للمصالح الإستراتيجية الأردنية في نهاية المطاف، لأن من مصلحة الأردن أن يكون هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة مستقرة.
وشدد المومني على أن الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب ستؤدي لظروف تراكمية ستنتج توترًا وفوضى في المنطقة، الأمر الذي سيؤثر حتمًا على الأردن بشكل سلبي وتزيد التحديات أمامه.
واستدرك بالقول: لذلك مسألة الضم تلامس المصالح الوطنية الأردنية؛ ولهذا كان لا بد من تصعيد أردني في السياق الدبلوماسي والسياسي باتجاه دولة الاحتلال، والتهديد بأن قيام الاحتلال بالضم سيؤدي إلى التصادم مع المصالح الأردنية.
وقال المومني: “جلالة الملك انتهج ما يسمّى بالتصعيد التدريجي رابطًا ذلك بالخطوات التي ستقدم عليها دولة الاحتلال مستقبلاً، وعند سؤال الملك من أن هذا التصادم هل سيرقى لإلغاء معاهدة السلام، فأجاب الملك بما معناه أنه من المبكر الحديث عن ذلك تاركًا كل الخيارات مفتوحة أمام الأردن”.
“أعتقد أن الأردن كلاعب عقلاني ينتهج استراتيجية تصعيدية ردًا على التصعيد الإسرائيلي، ولذلك فإن الأردن في نهاية المطاف حريصٌ على مصالحة الإستراتيجية والوطنية، ولا يملك إلا أن يقف ضد هذه الخطوات الإسرائيلية”، بحسب المومني.
وشدد على أنه في نهاية المطاف القضية الفلسطينية هي مصلحة أردنية استراتيجية وهي قضية سياسية محلية مثلما هي قضية سياسية خارجية، وأيضًا هذه الموقف يشكل تأكيدًا على الموقف الأردني الثابت المتعلق بالقضية الفلسطينية.
رسائل ملكية في اتجاهات متعددة
وشدد المومني على أن الملك عبدالله الثاني وجّه رسائل تحذيرية في عدة اتجاهات، “للعالم أولاً عبر هذه الصحيفة الأوروبية ونحن جميعًا نعلم الموقف الأوروبي، ورسالة تحذيرية للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك رسالة تحذيرية لدولة الاحتلال، وأعتقد كذلك أنها تشكل رسالة طمأنة للداخل الأردني، لأننا نعلم مدى حساسية القضية الفلسطينية بالنسبة للوضع الداخلي الأردني”.
ونوه إلى هنالك أيضًا جانبًا يتعلق في أن سعي دولة الاحتلال لضم أراضي الغور تأتي على خلفية توتر الأوضاع في المنطقة بعد الواقع الذي فرضته جائحة كورونا، خاصة في السياقات الاقتصادية والاجتماعية، وإعلان الاحتلال ضم غور الأردن سيضيف تعقيدًا جديدًا الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها خاصة فيما يتعلق بضغط الشارع.
وأشار المومني إلى أن أمريكا عبر تصريحات خارجيتها التوضيحية أعادت تفسير زيارة بومبيو لدولة الاحتلال لتؤكد أن الضم يجب أن يأتي في سياق مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإن تفاهمت الأطراف على ذلك تتم الخطوة، منوهًا إلى أن هناك نوعًا من التراجع الأمريكي الذي يمكن البناء عليه.
وأوضح حديثه بالقول: خاصة وأن هناك مجموعة من القضايا التي تحدد مسارات السياسة الأمريكية لا سيما القضايا الداخلية ومواجهة جائحة كورونا والاشتباك والمواجهة مع الصين، وهناك اختلاف في الأولويات فترامب اليوم يعطي الأولوية لمسألة إعادة انتخابه رئيسا لأمريكا ويركز على القضايا التي تولد له شعبية.
وشدد على أن الموقف الذي صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية هو إعادة تفسير، فكانت دولة الاحتلال تظن أن الزيارة هي ضوء أخضر لضم أراضي غور الأردن، لكن التصريحات أعادت التأكيد على أن الضم يجب أن يكون ضمن عملية سلمية ومفاوضات.
ونوه إلى أن الحديث عن “تصادم كبير” يأتي في سياق دبلوماسي سياسي، مشددًا على أن الأردن كلاعب عقلاني سيقيس مصالحه ضمن حسابات الربح والخسارة في النهاية.
الأردن المتضرر الأكبر ويجب أن يتحرك
بدوره أكد الخبير العسكري الدكتور قاصد محمود أن المواجهة الحقيقية الدبلوماسية اليوم بين الأردن ودولة الاحتلال، لأن السلطة الوطنية الفلسطينية تحاول أن تتحرك من خلال الدعم الأردني، على اعتبار أن الأردن هو المتضرر الأكبر من القادم وفلسطين كلها محتلة بحكم الأمر الواقع.
وقال محمود إن الصفقة على الرغم من تعلقها بالقضية الفلسطينية، إلا أنها اليوم موجهة ضد الأردن، لأنه من الناحية العملية هو “الضحية الأكبر”.
وأشار إلى أن “جلالة الملك سعى أن يكون دبلوماسيًا بشكل أكثر حدة في تصريحاته الأخيرة، واستخدم عبارات دقيقة جدًا، وعمليًا تحدث عن الصدام والمواجهة في حال قررت “إسرائيل” ضم غور الأردن والبحر الميت”. منوها إلى أنه في هذه الحالة فإن قرار دولة الاحتلال سيضع الأردن في مواجهة معها، بما يعني أن كل المرحلة السابقة خلال 25 سنة ماضية ستنتهي ونبدأ بمرحلة المواجهة.
تهيئة البيئة الدولية لما هو قادم
وأوضح الخبير العسكري أن “المواجهة تعني أن كل بلد سيستخدم أدواته، وبمعنى آخر “تهديد ذكي”، فالملك قال إنه لا يريد استخدام عبارات التهديد، ولكنّ كل الخيارات مفتوحة، والإخراج كان ذكيًا يحفظ جميع الخيارات أن تكون موجودة على الطاولة”.
وشدد على أن “الأردن في وضع لا يستطيع إلا أن يتحرك، فكل الخيارات مفتوحة وواردة، وبتدرج، ومقابلة الملك وتصريحاته هي إحدى هذه الخطوات”.
وتابع حديثه بأن “ما تقوم به الدبلوماسية الأردنية بتوجيهات جلالة الملك هي كذلك جزء من الخطوات، وهذه الخطوات إن لم توقف قرار الاحتلال، فإنها ستهيئ المجتمع الدولي والبيئة الدولية لما هو قادم”.
ونوه الخبير العسكري إلى أنه في “الحد الأدنى سيكون للأردن ظهير دولي وخاصة الدول الأوروبية التي تدعم الموقف الأردني، وعلى الأرجح ستكون مشكلتنا المباشرة مع دولة الاحتلال الصهيوني وإلى حدٍ ما مع أمريكا التي يهمّها أن لا تخسرنا”.
ويؤكد أنه على الرغم من أن أمريكا في المحصلة ستعترف بضم إسرائيل لمنطقة الغور والبحر الميت، إلا أن الداخل الأمريكي بما فيه الخارجية الأمريكية والكونغرس يوجد فيها اختلافات حول رؤية هذا الأمر، لكن المؤسف أن القيادة الأمريكية التي يرأسها ترامب مضمونة اليوم بالنسبة للمشروع الصهيوني.
وأشار محمود إلى أن تسارع الأحداث يريد منه اليمين الإسرائيلي المتطرف اسغلال الفرصة والدعم الأمريكي اللامتناهي لتحقيق مخططاتهم التي يعملون ع ليها في مشروع كبير بدأ قبل 120 عامًا، والآن وصل مرحلة حاسمة يريدون إنهاءها، للذهاب للمرحلة التالية.
وختم الخبير العسكري حديثه بالتحذير من أن “نفوذ الاحتلال أصبح أمرًا واضحًا للعيان ليس في فلسطين المحتلة فحسب؛ بل في المنطقة كلها، ولا نخدع أنفسنا، فقد يكون القادم يصب بشكل أكبر لمصلحة دولة الاحتلال، فالمشكلة ليست في الخطوات التي نتخذها ولكن في الواقع والحالة التي نعيشها اليوم والإمكانيات المتاحة لنا”.