زاد الاردن الاخباري -
بكلمات مؤثرة ومعبره ، رسمت كلمات القامة الاكاديمية للاستاذ الدكتور رشيد الجراح ،عضو الهيئة التدريسية بقسم اللغة الانجليزية وادابها في جامعة اليرموك ، عنوانا بارعا و متميزا عبر رسالته التي قام بتوجيها لرئيس الوزراء د. عمر الرزاز وتاليا نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم
دولة الدكتور عمر منيف الرزاز الأفخم
بعد التحية والاحترام،
أوجه لك هذه الرسالة أيها العزيز (وإن كنت أقل منك قدرًا ومكانة) و الأمل يحدوني أن تقرأها بعين الصاحب المساند (لإيماننا أن صاحبنا ليس بمجنون) وليس بلسان حال الند المعاند (ما دمنا حتى الساعة لا نراك تقول لنا "أنا ربكم الأعلى"). فنحن لسنا معارضين مطالبين بالتصعيد، بل ناصحين مساندين، مطالبين بنزع فتيل التأجيج والمواجهة التي ربما نكون فيها جميعًا – لا قدر الله- خاسرين لا رابحين. والذي يدفعني إلى الكتابة لك مباشرة هو رسالة بسيطة مفادها أننا إن كنا نستطيع أن نصبر على الجوع بسبب ثلة من الذين لم يرعوا فينا في يوم من الإيام إلاّ ولا ذمة، فإننا لن نصبر على المهانة مهما كانت مكانة مطلقها وشدة سياط جلاديه. فكرامتنا (ولا اخالك تعارض) أكبر مما يمكن أن يتخيل الجلاد، لأننا قوم وإن لم نكن أولوا باس شديد، فإننا أولوا قوة، والأمر إليك فانظر فيما ساقوله لك مباشرة في هذه الأسطر القليلة.أما بعد،
سيدي الرئيس، نحن نرى (ربما مخطئين) بأن اعتقال قامة علمية وفكرية من مثل زميلنا في المهنة الأستاذ الدكتور محمد بني سلامة - أستاذ علم السياسة في جامعة اليرموك - لا يمكن أن ننظر إليه إلا من باب تقتيل أبنائنا الذي ربما سيلحقه (إن نحن سكتنا عليه) استحياء نسائنا. فهذه ليست سياسة إلا من نادى في قومه "أنا ربكم الأعلى".
وإن كنت ربما تراه أنت ضرورة لديمومة حكمكم فينا، فتأكد (إن أنت أصررت على موقفك) بأننا سنبقى لك ولأمثالك غائضين وإن كنا في نظركم "شرذمة قليلون". ولتعلم - أيها العزيز - بأننا نؤمن يقيننا بأن منّة الله لن تبقى بعيدة المنال عن الذين استضعفوا في الأرض، وأن وراثة الأرض من حقنا ولو بعد حين.
ولتعلم أيضا أيها العزيز – وإن كنتُ لا أريد النبش في صفحات التاريخ- أن أجداد بني سلامة قد استقبلوا في يوم من الأيام كل المشردين المستضعفين في الأرض بقولهم "ادخلوها إن شاء الله آمنين"، فما يكون لمن دخلوها حينئذ هاربين من الاستضعاف في الأرض أن يقابلوا المعروف (بعد أن اصبحوا اليوم من يملكونها) بلسان حال أصحاب الجنة وهم يتخافتون فيما بينهم "أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين".
ولا تظن - أيها العزيز- أننا قد غيّرنا عقيدتنا (بالرغم ممن أساءوا لنا وهم لا شك قلة) تجاه من استقبلناهم وأفسحنا لهم المجال ليملكوها بأموال جنوها من كل أصقاع الأرض يوم أن ظل أباؤنا وأجدادنا يحملون البنادق والسكاكين ويقفون على تخومها مدافعين ولا يجنون إلا ربما ما يكفي قوت أبنائهم من الخبز واللبن، وها هم اليوم يقفون - كعادتهم - حرّاس أمينين لعقارات وفلل وقصور بعض من تركوها هاربين في سالف الأيام، وعادوا إليها بمسميات عصرية كـ "مستثمرين مستوزرين".
فأحفاد سلامة (وكل أهل هذه البلاد) يؤمنون بأن الأردن هي أرض الحشد والرباط. فكل من دخلها في سابق الأيام وكل من يدخلها الآن أو ربما يدخلها في القادم من الأيام هم من أهل الحشد المرابطين فيها، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، لا نساوم على أحد منهم ولا نخذله، فهو منا ونحن منه. فكلنا شركاء في الرغيف الواحد ونسقيه من كاس الماء قبل أن نشرب منه نحن.
أما أن تصل الجرأة ببعضهم (وهم لا شك قليلون) أن يتطاولوا على رقاب أبنائنا بالاستعباد، فيستغلون العثرات ليسكتوا الأصوات التي تفضح أفعالهم المشينة، وليخوفوا أصحابها بالسوط، ظانين أنهم بذلك سيرهبوننا ويكمموا أفواهنا التي تحاول أن تقطع يد كل سارق وتقف في وجه كل كذاب أشر منهم، فهذا تجاوز لا يمكن أن نسكت عنه حتى لو عُلّقت أعناقنا على أحبال المشانق. فنحن نؤمن أن الحق الذي تنطق به ألسنة البعض منا (كلسان محمد بني سلامة) اقوى ألف ألف مرة من سياط من ترهبه كلماتنا. فأنت تعلم بأن قلم العالم لا يكسره سوط الجلاد مهما كثرت صفعاته، وأن حبر القلم لن يمحوه الدم الذي يمكن أن يسيل بسبب صفعات سوط الجلاد.
فإن هم ظنوا (ولا اخالك منهم) أن باستطاعتهم بهذه الطرق أن يكسروا قلم محمد بني سلامة، فسينبرى لهم ألف ألف قلم من كل حدب وصوب. وأعلمك - أيها العزيز- أنهم مهما بدلوا أسواطهم لتسوم ابنائنا سوء العذاب، فإننا لن نتصدى لهم إلا بأقلامنا. فصاحب الحق لا يحتاج أن يستخدم السوط، ولا يرى أن السوط يمكن أن يستخدمه إلا الذي يخاف من القلم.
ولتعلم - أيها العزيز - بأنني لا أكتب لك هذه السطور مدافعًا عن محمد بني سلامة لأنني أشاطره الفكر والرأي والطريقة، فكم كنت في سابق الأيام ناصحًا لبني سلامة أن مشكلتنا الآن ليست مع هؤلاء المارقين، وأن وقت المواجهة مع السباع لم يحين بعد، وذلك لكثرة المدافعين عنهم من المغيبين من بني جلدتنا من حول تلك السباع التي تهاجمنا بالسياط التي وضعوها بأيد من هم منّا، فكم يعزّ علينا أن تتعب أيدي جلادينا لأنهم أبنائنا الذين نتمنى أن لا يتعبهم ضرب جلودنا بأيديهم.
فإن كنا على استعداد أن نتحمل أذى سياطهم، إلا أنه يعز علينا أن تتعبهم ضربات السياط التي وضعت بأيديهم. ولكن لما حصل ما حصل، واستعجل "بني سلامة" المواجهة مع السباع، أجد لزامًا عليّ (كواحد من عجول هذه الأرض) أن أدافع عنه لأنه لم يستخدم إلا قلمه. وأكثر ما راعني في القضية، أنكم انتم - أيها العزيز- من واجهتم قلمه بسوطكم، ووضعتم أنفسكم في صف الظالم بدلا من أن تكون إلى جانب من يقف في وجه هذه السباع الضارية التي لا تشبع مهما نهشت من لحوم ضحاياها. ولمّا كنّا قد تربينا منذ نعومة أظفارنا (وروايات مؤنس تلهمنا) بأننا لا محالة سنؤكل جميعًا إن تركنا السُبع يأكل "ثورنا الأبيض"، فتأكد بأننا لن ندع أحدا مهما عظمت مكانته (إن اضطررنا) أن يتفرد بنا الواحد تلو الآخر.
فإن كان البعض يستطيع بابتسامته أن يخدع الكثير من البسطاء من الناس، فإن نظرات عيونه... وبعض أفعاله لن تخفى على الأكاديمي الذي تقلب في كل فلسفات أهل الأرض وعقائدهم، وقد أصبح عالمًا متمرسًا في علم الرجال، فيستطيع أن يميز صادقهم من كاذبهم حتى من حركات أصابعهم وتعابير وجوههم وزلات ألسنتهم حتى في مقابلة متلفزة لمدة لا تتجاوز بضع دقائق من الزمن.
فتأكد - أيها العزيز - بأننا نستطيع أن نميز من يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. فما زال الأمل يحدوني أن لا تكون - أيها العزيز - ممن تفضح بعض أفعالهم كثيرا من أقوالهم.
ولتعلم - أيها العزيز – أننا نخاطبك لأننا لم نعدم الأمل في طيب سريرتكم، راغبين في نزع فتيل المواجهة حتى لا يصل الأمر إلى حد أن نصبح - لا قدر الله - نقلّب كفينا على ما أنفقنا فيها عندما لا يعود الندم ينفع أحد منا. فنحن ما زلنا نؤمن أنك واحد منّا وإن كان تاريخنا السابق يفرقنا (فرقة الفسيفساء التي تظفي جمالا على المكان)، فنحن ندعوا أن نترفع جميعا عن الاختلافات المؤقتة، فنتقبل اختلافاتنا في الرأي (كما فعل بني سلامة) حتى لا نقع - لا قدر الله - في الخلاف الدائم الذي يضعف شكوتنا جميعًا، ولا يعود ذلك يرضي إلا عدونا جميعًا. فاعمد – يرحمك الله- إلى اطلاق قلم بني سلامة قبل أن تطلق سراح جسده. وسنكون لك – كما كنا لغيرك- مسامحين شاكرين، نحسن الظن بهم ونعتبر ذنوبهم مهما عظمت أخطاء غير مقصودة وإن كنا نعلم أحيانًا أنها مقترفة مع سبق الاصرار.
والله من وراء القصد
بقلم: أ.د. رشيد سليم الجراح
29 ايار 2020