في 2002 عينت معلما في مدرسة للبينين بقرية في الكرك. و اسندوا لي تدريس كل الصفوف، وجميع المواد باستثناء الانجليزي و العلوم.
المدرسة مكونة من ست غرف متقابلة. وفي الشتاء المطر ينق من سطوحها، و في الصيف اشعة الشمس تسقط في قاعها.
من مرافقها حمام قريب بلا مراحيض وحنفياته مكسورة، ودائما الماء مقطوع عنه. ورائحته تفوح منها المجاري، و تسمع نقيق الضفادع من شدة قربها.
وغرفة الادارة الواسعة وامامها ساحة اسفلتية في ناصيتها علم. طلاب المدرسة اذكر ان عددهم لا يتجاوز مئة وخمسين طالبا. الطابرور الصباحي يبدأ على الثامنة الا ربع تقريبا، و يدق الجرس، و في ايام نفقد الجرس يضيع او يسرق، و يعلن المدير عن الطابور بالنداء والصراخ العالي، و يقف على كرسي خشبي بكرشه المنفوخ ينادي على الطلاب بالاسم واحدا واحدا.
بعض الايام كان نصف الطلاب لا يحضرون الطابور، واذكر اياما دراسية مرت كان الطابور يقتصر على عدد محدود من الطلاب لا يتجاوز العشرة. وكان المدير لتفادي الفضيحة يجمع الطلاب في صف واحد كبيرهم بصغيرهم، ويوحد المناهج والحصص والدروس.
لا اظن ان واقعا قد تغيير على هذه المدرسة أو غيرها.الطلاب كانوا يأتون الى الدمرسة بلا كتب ودفاتر و اقلام .
واول ايام دوامي بالمدرسة دخلت على الصف، الطلاب مجردون من أي ادوات مدرسية. سألتهم : اين الكتب ؟ فاجابوا بانهم لم يستلموها من بداية العام الدراسي.
بين الطلاب من لا يعرف القراءة و الكتابة. ولا يعرفون أن يمسكوا بايديهم قلما وطبشورة. طلاب كانوا يحضرون الطابور الصباحي، ومن بعد يختفون. و طلاب يأتون للصف ليناموا. ويخرجون ويدخلون متى يشاؤون. و قد يخرج ولا يعود.
مفتشو الوزارة زاروا المدرسة مرة واحدة، شربوا الشاي و افطروا قلابة و زيتون وزيت بلدي، مدير المدرسة شاطر بالطبخ، وفي مكتبه صندوي سري للطعام والشراب.
طبعا، المفتشون غادروا دون ان يدخلوا الصفوف، ويتفقدوا الطلاب والمدرسة. و لم يعودوا بعدها بالمرة. كنت اشك بان ما يجري للطلاب و التعليم ليس اهمالا وعبثا ولامبالاة، انما مؤامرة كلنا شركاء بها دون أن نعلم او نقرر.
اجهزة حاسوب ثمنها يقدر بمئات الاف الدنانير ركبت في غرفة صفية. والمدرسة بلا كهرباء، وانترنت،معلم الحاسوب جرى تعيينه في بداية العام الدراسي، وداوم اسبوعين وهرب من المدرسة، وقالوا بانه خلع التعليم المدرسي كله، واشتغل في بنك.
بعد حوالي ثلاثة شهور من التدريس، ادركت أني لست اهلا لهذه المهنة، وانسحبت هاربا بفشلي. ومن تلك الايام كنت شاكا ومتوسوسا لما يصيب و يجري للتعليم. واليوم، وقبل ايام سمعت حوارا عن منطوق جديد «التعليم عن بعد «، فايقظ في ذهني تلك الصور من ماض قريب، وصور الحواسيب المعطلة لازالت تنهش في احشاء ضميري .
فما بالكم اليوم لو توقفنا بموضوعية وطنية ازاء ما يصيب التعليم، فماذا يمكن ان اقول و اكتب ؟!