الدكتور: رشيد عبّاس - تلويح الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس بسحب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي, والتحلل من جميع الاتفاقات الموقعة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي, قد يؤدي بالمنطقة على ان تبدأ بـ 48 جديدة, ومع تأكيدنا ان 48 جديدة سيكون مختلفة تماما عما كانت عليه قبل قرابة السبعين عاما من حيث التوازنات الدولية الجديدة, فان السؤال المطروح هنا هو هل المنطقة اليوم مستعدة لـ 48 جديد بكل انعكاساتها السياسية؟ الامور بالطبع تحتاج الى دراسة موازين الربح والخسارة التي قد تنتج عن ذلك لدى جميع الاطراف المعنية.. العرب والإسرائيليين.
اعتقد جازما ان 48 جديدة تعني انتصارا للأمة العربية مجتمعة بما فيها الشعب الفلسطيني, لا بل سيكون اول انتصار تحصل عليه الأمة العربية مجتمعة بعد الانكفاءات التي استمرت سبعين عاما عجافا, وعند ذلك يستحق كل عربي وضع الأوسمة على صدورهم ذات اليمين وذات اليسار,..نعم 48 جديدة تعني انتصارا للأمة العربية مجتمعة, لما لذلك من ضخ دماء جديد في عروق العرب تلك التي باتت يابسة مع الأيام, حيث اجتاحت هذه العروق للأسف الشديد جميع اشكال وأصناف البدع والفتن والكراهية والحقد والتآمر على الحكام وأولي الامر, واخذت البدع والفتن والكراهية والحقد والتآمر على الحكام وأولي الامر أسماء وشعارات مزيفة بعديدة كل البعد عن ارهاصات الـ(48) القديمة وكانت تلك الشعارات بأسماء الدين وبأسماء القومية وباسما الشعوبية وبأسماء التحررية, وعند المحكات العظمى تبيّن ان لا دين ولا قومية ولا شعوبية ولا تحررية عند هؤلاء, إنما كانت بهدف الانقضاض على كراسي الحكام وأولي الامر, ليس إلا.
سحب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي, والتحلل من جميع الاتفاقات الموقعة مع سلطات الاحتلال, يعني ذلك بُطلان الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين كاملة, ويعني ايضا فشل إسرائيل في بناء سلام عادل وشامل بين العرب والفلسطينيين من جهة, وبين الإسرائيليين من جهة اخرى, ويعني ذلك ايضا خروج «هرتزل» مؤسس الصهيونية ، وراسم خطة الهجرة اليهودية إلى فلسطين خروجه الافتراضي من قبره معتذرا للأمة العربية وللفلسطينيين عن ما قام به من اخطاء جسيمة, معلنا جريمته النكراء تلك التي ارتكبها على ارض فلسطين منذُ عام 48.
سحب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي والتحلل من جميع الاتفاقات الموقعة مع سلطات الاحتلال يعني إعادة النظر في الشعارات الدينية والقومية والشعوبية والتحررية و .. الزائفة والخادعة لدى الأمة العربية والفلسطينيين واستبدالها بشعار واحد ينادي بان (مصير الأمة مرهون بأرض فلسطين), وهذا يعني بالضبط ان بقاء او ضياع مستقبل الأمة العربية مرهون بجغرافية فلسطين وترابها الطهور, وهذه معادلة ثبت مع الزمن صحة منطوقها وملامستها لأرض الواقع الذي نعيشه كل يوم وكل لحظة.
فكلما ابتلعت إسرائيل مزيد من جغرافيا فلسطين كلما خسرت الأمة العربية مربعا من مربعاتها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية, وان فرصة العودة الى المربع الاول واعادة ما خسرناه منذُ سبعين عاما في الجوانب الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية اعتقد انه يدعو الى سحب الاعتراف بالكيان الاسرائيلي, وبالتحلل من جميع الاتفاقات الموقعة مع سلطات الاحتلال,..كيف لا وإسرائيل بكل صراحة هي من تبادر وتدعوا لسحب الاعتراف بالسلطة الفلسطينية تدريجيا, وتسعى لان تتحلل يوما بعد يوم من جميع الاتفاقات الموقعة بينها وبين الفلسطينيين وبالتالي مع الأمة العربية ككل.
سياسة إسرائيل لابتلاع ارض فلسطين يشبه تماما طريقة ابتلاع الأفعى السامة لفريستها, فالأفعى تبدأ بتحديد الفريسة المراد ابتلاعها, بعد ذلك تقوم بعملية الاصطياد الحذر, ثم الامساك بالفريسة, وبعد ذلك (الابتلاع المعكوس) لتسهيل عملية الابتلاع, ومن ثم إفراز الانزيمات عليها, واخيرا مرحلة الهضم النهائي للفريسة,..وإسرائيل تقوم بتحديد المنطقة الجغرافية المراد ضمها لأراضيها, ثم تقوم بفرض السيطرة عليها, بعد ذلك خلق خلل امني في تلك المنطقة لتبرر ضمها إلى مناطقها, واخيرا تقوم ببناء المستوطنات عليها لتصبح مُلكا لها.
مبدأ العودة الى المربع الاول والذي يلّوح به الرئيس الفلسطيني محمود عباس, مبدأ يدعوا الى إنقاذ للأرض الفلسطينية, وإنقاذ للكرامة الفلسطينية, وإنقاذ لوحدة المصير العربي, وتذكير للعقلاء الإسرائيليين ان كان بينهم عقلاء ان هناك تيار إسرائيلي بدأ بهدم الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين والعرب, وان الخروج من هذا الواقع يكمن بسحب الاعتراف بالكيان الاسرائيلي, والتحلل من جميع الاتفاقات الموقعة مع سلطات الاحتلال, اي اللجوء الى مبدأ العودة الى المربع الاول, وبالتالي 48 جديدة,..ففي المربع الاول قد تحصل الأمة العربية فيه على مخاض جديد, لاستقبال ولادة جديدة.
قال احد الحكماء: عدتُ يوما إلى المربع الاول, فوجدتُ نملة «سليمان» تُدرب أصحابها السير في الأودية, من اجل التخلي عن مبدأ الدخول الى المساكن.
غور الاردن لن يكون سكنا لليهود..