زاد الاردن الاخباري -
مشهدان فقط ظهر فيهما وزير التخطيط الأردني وسام الربضي وتحتفظ بهما ذاكرة الشارع منذ بدأت محنة فيروس كورونا.
في المشهد الأول كان يوقع اتفاقية ما مع ممثل لحكومة الصين، ونشرت صورة بالكمامات في الاجتماع انتهت بتعليق سلبي وسط منصات الأردنيين التي تهوى طبعاً التعليق على الحكومة والمسؤولين، حيث التعبير الرائج وقتها أن الوزير يرتدي كمامة يزيد سعرها عن عشرين دولاراً، بينما يوقع اتفاقية للحصول على مساعدات من سفير صيني يرتدي بدوره كمامة بسعر عشرة قروش أردنية. وفي كل حال، تلك فانتازيا أقرب إلى نميمة الأردنيين المألوفة، لكنها على الشبكة هذه الأيام.
في المشهد الثاني، يزف الوزير الربضي أسوأ الأخبار، فالعجز العام في الميزانية سيتجاوز ستة مليارات دولار، والاقتصاد الداخلي إلى الانكماش.
مفردة انكماش مرعبة جداً، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالركود المتوقع وذوبان الطبقة الوسطى وفوضى الاقتصاد غير المنظم وندرة الإنفاق وانخفاض القيمة الشرائية للراتب والدينار. مؤشرات الانكماش مقلقة جداً وفقاً لرئيس غرفة تجارة عمان الخبير في معادلة السوق الوطني خليل الحاج توفيق، الذي لم ولن يتوقف عن ضرورة تذكير الحكومة بسلبيات بعض قراراتها واتجاهاتها، وبدعوته – كما يجدد القول إلى رؤية مرجعية شمولية أكثر عمقاً، وإلى إظهار حسن النوايا أكثر في تأسيس شراكة حقيقية مع القطاع الخاص. يصر الحاج توفيق على وجود تقصير، ويرى أن احتياجات القطاع التجاري يتم تجاهلها رغم أنه يرفد الدورة الاقتصادية بنسبة كبيرة، ليس من النشاط فقط ولكن من عائدات الرسوم والضرائب
يحب الحاج توفيق الدخول إلى التفاصيل عندما يتعلق الأمر بخبرة غرفة التجارة العميقة بالقطاع التجاري تجنباً للركود وتحسباً للتراجع واحتياطاً للانكماش الذي سيلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني برمته.
لكن الحكومة لا تحب التفاصيل، فهي كثيرة ومتعددة، وأحياناً مستجدة وتحتاج إلى قرارات تتخذ بالقطعة، خصوصاً بعد التحديات التي فرضها على الاقتصاد العالمي الفيروس كورونا.
كيف يمكن حماية الاقتصاد الأردني من الانكماش والتراجع الحاد؟.. هذا هو السؤال الذي يدور الآن بين كل المهووسين بالانشغال في الهم الاقتصادي، حيث تراجع حاد في المبيعات انعكس على الفاقد من عائدات الخزينة، ومحاولات تبدو منقوصة لإنقاذ ما يمكن من بقايا الموسم السياحي، ومساعدات بالتقسيط الممل ملغمة بالعديد من الأجندات السياسية، ومؤسسات دولية مانحة تراقب كل صغيرة وكبيرة، وحيث طاقم اقتصادي برئاسة وزير المالية الدكتور محمد العسعس، يطمح اليوم إلى تغيير المعادلة الضريبية وتوسيع قاعدة النمو الاقتصادي حتى يرتاح الجميع، ضمن معطيات تحاول التحدث ضريبياً مع كبار السوق، خلافاً لما كان يجري بالعادة مع صغار السوق.
في عمق المعادلة سمع كلاماً عن قواعد إنتاجية أكثر، وعن تجميد الحالة التي يلتزم بها صغار المكلفين ضريبياً بدفع ضريبة، فيما يتهرب الكثير من الكبار.
الأهم في لغة الخبراء أن المؤشر الأساسي في انكماش السوق قد ينعكس سلباً على زيادة رقعة الفقر والفقراء وزيادة نسبة البطالة وسط الأردنيين. وهنا يحذر خبير اقتصادي عمل في القطاعين العام والخاص مثل المستشار محمد الرواشدة، من تقديرات لها علاقة بارتفاع البطالة من 20 – 30، وارتفاع معدلات الفقر من 16 % – 25 %، بموجب المعايير التي تم اعتمادها من قبل البنك الدولي.
الأزمة – في رأي الرواشدة- كبيرة، وأصبح من الضروري وجود برنامج اقتصادي شامل لخمس سنوات على الأقل يساعد الأردن على الخروج من الأزمة التي قد تؤثر على استقراره الاقتصادي والاجتماعي.
يفترض أن برنامج زيادة وتمكين التحصيل الضريبي هو خطوة في الاتجاه الذي يؤشر عليه الرواشدة.
لكنها خطوة لا تكفي؛ لأن الآتي قد يكون مرعباً، حسب الكاتب السياسي أسامة الرنتيسي، الذي نشر مقالاً أثار الجدل بعنوان «وجع الفقر وغول البطالة» مشيراً إلى الركود والانكماش الاقتصادي باعتباره يزحف على القطاعات، الأمر الذي حذر منه مراراً وتكراراً نخبة من كبار رجال المال والأعمال والتجار وسلسلة وثائق تبنتها عدة مؤسسات، من بينها المجلس الاقتصادي الاجتماعي، والمنتدى الاقتصادي، وحتى حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض.
ويبدو في السياق أن الانكماش آت لا محالة، وأن العملية الجراحية التي تقودها سلطات الضريبة جزء من هذا الانكماش ضمن حلقة إنقاص العجز في الميزانية وعائدات الضرائب.
وإن كانت هذه الحزمة من الإصلاحات الضريبية لا تكفي، لكنها أيضاً حزمة لا تجيب عن كل الأسئلة الاقتصادية العالقة إلا إذا تمكنت الحكومة من الالتزام في تنفيذ رؤية النهضة الصناعية المبرمجة التي تحظى برعاية ملكية، حيث تركيز على صناعات بعينها في مرحلة ما بعد كورونا، من بينها الزراعة النموذجية وصناعة المستلزمات الطبية والصناعات الغذائية.القدس العربي