زاد الاردن الاخباري -
“ليس تغير نسبة الضم هو المهم، ولا حتى تأجيله، المهم أنه يذكرنا ان إسرائيل مصرّة على دفن حل الدولتين”، بهذا ما أجاب به أحد أخبر الأردنيين في ملف العلاقات مع الإسرائيليين الدكتور مروان المعشر- السفير الأردني الأول لإسرائيل ووزير الخارجية الاسبق- حول موقف الأردن اليوم بعد مرور أيام على موعد بدء ضم أراض من الضفة الغربية وغور الأردن وفقا للخطة الإسرائيلية المعلنة.
ويرى المعشّر أن “الموقف الرسمي الإسرائيلي اليوم يهدف إلى ضم أكبر حجم ممكن من الأراضي وأقل عدد ممكن من السكان وبذلك يبطل حل الدولتين تماماً”، موضحاً ان الأردن حتى اللحظة أنجز بصورة واضحة ما يمكنه إنجازه عبر الدبلوماسية التي يقودها الملك، وأن عمان تقوم بذلك شبه وحيدة مذكّراً أن معارضة الأردن للتغييرات الإسرائيلية “وجودية” بخلاف أي دولة أخرى.
هنا تتحدث شخصية مهمة كالمعشر- والذي يعتدّ برأيه ليس فقط لكونه السفير الاردني الأول في تل ابيب وصاحب شهادة حية على المفاوضات في وادي عربة، ولكن أيضا لانه صاحب الخبرة في العلاقة الأردنية الامريكية بعد خدمته سفيرا في واشنطن ولاحقا اقامته لمدة طويلة هناك- عن ضرورة التحرك بأدوات جديدة اليوم وعلى أساس ان الضم حاصل بكل الاحوال، منبهاً إلى ان “التهجير والترحيل” للفلسطينيين لم يعد صعبا اليوم بعد ترحيل وتهجير 6 ملايين سوري من ارضهم واستقرار نحو مليون ونصف منهم في الأردن.
نخب متشظّية!
المعشّر دخل عميقاً في التفاصيل وهو مشتبك معها بكل الأحوال بعمل فردي لصالح عمان، بينما نخب بلاده تقود أعمالاً فردية باتجاهات مختلفة أحيانا، الأمر الذي قد يكشف “انعدام الرغبة والقدرة” في التنسيق في المواقف في خلفية الأحداث السياسية، وهو ما كانت نتيجته الإصرار من رئيس وزراء أردني اسبق بوزن فايز الطراونة الذي كان طوال الوقت لاعبا أساسيا في السياسة الأردنية، على التقليل من أثر الضم على عمان وتكراره جملة “هجينة” لوزير الخارجية أيمن الصفدي عن كون “غور الأردن” ليس أردنياً وانما فلسطيني.
التشظي بالمواقف السياسية، لا يمثله الطراونة وحده، فقد استمعنا لعدة آراء تتحدث عن صعوبة أن تقوم عمان وحدها بأي تحرك بمواجهة الإسرائيليين والامريكيين في خطة الضم، مقابل الآراء التي صدرت عن المعشّر باعتبار أي خطوة للضم بمثابة “تهديد وجودي للأردن وهويته” وهو مصطلح استخدمه منذ الإعلان عن الخطة الامريكية المعروفة بـ “صفقة القرن” رئيس الوزراء الأسبق ذو التأثير الكبير عبد الكريم الكباريتي .
بهذه البقعة العمياء من زاوية الرؤيا تظهر أزمة حقيقية في كواليس الموقف الأردني، حيث الملك عبد الله الثاني يعمل على الجبهات الخارجية ومعه وزير الخارجية الصفدي، بينما الداخل الأردني متروك للاجتهاد سواء اكان ذلك اجتهاد “مؤسسات” في الكواليس تغذّي النخب، أو اجتهاد فردي فعلا على مستوى السياسيين، خصوصا وانه كشف ان الأمور الأساسية التي اتفقت عليها السياسة الداخلة كانت “غاية في البيروقراطية وضيق الرؤيا” في مواجهة خطط الضم، وهنا يمكن تلخيصها بأن لا تمتد الحراكات بأي شكل من الأشكال لتصبح جماهيرية خصوصا اذا كان خلفها الاخوان المسلمون، وأن لا تصل للسفارة الامريكية، في وقت تخضع العلاقات بين عمان والامريكيين لعدة متغيرات على اكثر من جبهة أيضا.
الأزمة بهذا المعنى توضح ان الحكومة ومن خلفها مؤسسات إدارة الشأن المحلي، تحاول ببساطة البقاء في المربع الامن، وألا تتجه لاي خيار تصعيدي مهما كان، وهو ما يبرز موقفا اردنيا يعتبره مراقبون غير عاكس لحقيقة ما يريده الشارع من بلاده في مواجهة الخطط الإسرائيلية.
خيارات الأردن اليوم..
هنا يصرّ الدكتور المعشّر على أن الاستمرار بصيغة “لا نستطيع فعل شيء” لن يقدّم أي مكاسب للأردن، وان الصيغة المذكورة أظهرت تاريخيا عدم دقتها مذكّرا بموقف الأردن في حرب الخليج، مضيفاً “لا يملك الأردن اليوم ألا يقف ضد خطة الضم بغض النظر إذا كان معه أحد أم لا.. خلاف ذلك سيكون معناه انتحار سياسي والأردن لا يريد أن يفعل”.
ويقترح المعشّر أن تأجيل الضم يمنح الأردن فرصة لتغيير معادلة التعامل مع الجبهة الداخلية “فعلا لا قولا”، مفصلاً ان ذلك يجب ان يبدأ اليوم من تغيير حقيقي في قوانين المشاركة السياسية ومنح المواطن صوت حقيقي يسمح له بالمشاركة في صناعة القرار، مضيفاً أن المطلوب اليوم “هو ترجمة حقيقية وفاعلة لأوراق الملك النقاشية” مبيناً انها مخرج آمن لمواجهة التهديدين الإضافيين للأردن المتمثلين بكورونا والضم، وان الحديث عن تحصين الجبهة الداخلية ليس نخبويا ولا ترفيا في هذه المرحلة.
وتتطرق الأوراق النقاشية الملكية الى عدد من الأفكار المتطورة في الشأن الداخلي الأردني ومنها فكرة الدولة المدنية التي يناصرها المعشر سياسيا، الى جانب الديمقراطية وسيادة القانون وغيرها.
الى جانب تحصين الجبهة الداخلية يرى المعشر ان على عمان ان تعمل بكل ادواتها على تثبيت الفلسطينيين في ارضهم والمطالبة لهم بحقوق متساوية، موضحا ان “حل الدولتين” كجمل دبلوماسية دون بدء أي خطوة منه على الأرض ما هو الا “مزيد من الوقت لتبتلع إسرائيل المزيد من الأراضي الفلسطينية” من وجهة نظره.
وأوضح المعشر ان الاستمرار بالتشبث بحل الدولتين كشعار يمنح “المجتمع الدولي ذريعة للتشبث بحل الدولتين بينما إسرائيل تبتلع الأرض، والمطلوب اليوم التمسك ببدء محادثات على أساس خطة عملية واضحة وقريبة لدولة فلسطينية أو البدء بتغيير المقاربة في هذا الملف لصالح دولة واحدة بحقوق متساوية”.
“هكذا تقلب عمان الطاولة” يضيف المعشر، مبينا ضرورة فرض خيارين واضحين على المجتمع الدولي ضمن علاقات الأردن الواسعة خارجياً، إما بالاعتراف بدولة فلسطينية على أراضي عام 67 بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وإلا ضمانات بدولة واحدة ذات حقوق متساوية، ويؤكد “هذا الكلام ليس سذاجة سياسية هذا خيار لتأسيس مستقبل فلسطيني حقيقي، اذ لن يتمكن المجتمع الدولي من قول للخيارين فبذلك يكون ببساطة يقول نعم لنظام عنصري”.
وختم المعشر كلامه ، بالقول ان خيار الدولة الواحدة يتيح حسم الصراع ديموغرافيا بعد فشل حسمه عسكريا وإصرار إسرائيل على افشاله سياسيا.
رد الفعل الأردني إذا ما بدأ الضم..
في المقابل، يؤكد وزير الإعلام الأسبق وذو الخدمة الأطول في منصبه الدكتور محمد المومني أن الأردن لا يعدم الوسيلة في “الصدام الكبير” الذي تحدث عنه ملك الأردن لصحيفة “دير شبيغل الألمانية” إذا ما قامت بذلك إسرائيل فعلا، موضحا ان الصدام الذي تحدث عاهل البلاد قد يأخذ جملة من الصور والأدوات: “أدوات قانونية وأخرى دبلوماسية وثالثة سياسية ورابعة أمنية وخامسة اقتصادية”.
هنا يبين المومني ان الأدوات المذكورة قد تكون اكثر فعالية بكثير مما يعتقده البعض، ويفصّل بالحديث عن أن الأردن قادر على خلق معركة قانونية دولية سواء كان بمحكمة العدل الدولية أو بالمؤسسات القانونية الدولية الأخرى، تستطيع أن تكون أوراق ضغط كبيرة وحقيقية ومقلقة لإسرائيل، مضيفاً على الصعيد الدبلوماسي، أن عمان يمكنها أن تبدأ حالة من المواجهة الحثيثة والمستمرة دبلوماسياً عبر كافة سفاراتها ومنابرها في المنظمات الدولية.
سياسياً، وفق المومني أيضاً، يستطيع الأردن أن يقود منطق أن إسرائيل لم تلتزم بمعاهدة السلام وبالتالي يأخذ دوره في تعليق بعض بنود هذه المعاهدة، “هو لا يرغب بذلك على الأكيد لأن المعاهدة منذ البداية تحمي مصالحنا الاستراتيجية، لكن اذا كان الطرف الآخر لا يحترم هذه المعاهدة ولا يطبق بنودها، اذا فمن الطبيعي أن نعيد النظر بها”؛ إلى جانب ذلك فـ”التعاون الأمني المهم والذي يحقق مصالح للطرفين، خاصة في موضوع مكافحة الإرهاب، يمكن أن يعلق إذا ما أمعنت إسرائيل بالمساس بالمصالح الأردنية.”
يختم المومني حديثه عن الأدوات بالقول “على صعيد التعاون الاقتصادي، ومهما كان الأردن مستفيداً، بالنهاية التعاون الاقتصادي بالتأكيد سيتأثر سلباً بأي قرارات سياسية إسرائيلية تمس مصالح الأردن”.
الخيارات التي ذكرها المومني قد تشكل أول شرحٍ وافٍ- من شخصية مقرّبة جداً من صناعة القرار جميعاً- حول رد الفعل الأردني المحتمل على ضم الضفة الغربية وغور الأردن.
بكل الأحوال، تبدو خطة الضم قادمة لا محالة، وعلى الأغلب قد يكون تهديدها للأردن أكبر من ترحيل السكان، خصوصا مع سيناريو تدرك عمان انه موجود خلف الكواليس عن رغبة إسرائيلية بإلحاق ما سيتبقى من الضفة الغربية بالأردن إداريا، وبالتالي ابطال فك الارتباط الإداري والسياسي. هنا ستتضح أهمية التفكير بـ”الانتحار السياسي” الذي طرحه المعشر ورغبة الأردن في الوقوف بمواجهة الخطط الإسرائيلية على أساس انها “تهديد وجودي” فعلا.
فرح مرقة - رأي اليوم