زاد الاردن الاخباري -
كتب : نضال منصور - المشهد في الأردن صعب ومُلتبس، وكثير من الأبواب الموصدة بعد جائحة كورونا تبدو عسيرة على الفتح، والأخطار التي كانت عمّان مُحترفة في التعامل معها واحتوائها تظهر ضعفا، أو عجزا في دحرها وهزيمتها، والحلفاء الذين كانوا يصنعون من 'ظهرهم' جدارا تستند عليه لتذليل مشكلاتها إما منشغلين عنها، أو غير عابئين بها، أو لهم مصلحة في غرقها.
الأمر ليس هينا على الدولة الأردنية لتواجه كارثة اقتصادية خلّفها زلزال جائحة كورونا، وفي الاتجاه الآخر 'محرقة سياسية' تقودها إسرائيل تلتهم الأخضر واليابس، وتضع البلاد في عين العاصفة، وتُهدد مصالحه الوطنية.
يقف الأردن وحيدا يقلع شوكه بيديه، اقتصاديا زمن المساعدات قد خبا وولى، وسياسيا إذا ما مضت إسرائيل بقيادة رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو بضم الأراضي الفلسطينية وغور الأردن؛ فإن عملية السلام وأدت إلى غير رجعة.
الأردن الذي يقف على أطراف أصابعه، بانتظار قرارات الحكومة الإسرائيلية بالضم، تنفس الصعداء بعد أن تباطأت تل أبيب بإجراءاتها، وهذا سمح لأصوات في الإعلام أن تتحدث عن انتصار للدبلوماسية الأردنية بإحباط قرارات التوسع الإسرائيلي بضم أراض جديدة، وهو ما دفع وزير البلاط الملكي ووزير الخارجية الأسبق مروان المعشر إلى التحذير بالقول 'ليس تغيير نسبة الضم هو المهم، أو تأجيله، المهم أن يذكرنا أن إسرائيل مُصرة على دفن حل الدولتين'.
كلام المعشر يكتسب أهميته ليس لأنه شخصية معارضة؛ وإنما لأنه كان أول سفير للأردن في تل أبيب، وسفيرا للمملكة في واشنطن، ورأيه يأخذ وزنا سياسيا لمعرفته في خبايا السياسات الإسرائيلية ـ الأميركية.
اقتصاديا زمن المساعدات خبا وولى، وسياسيا إذا مضت إسرائيل بضم الأراضي فإن عملية السلام وأدت
المعشر بعد تصريحاته لموقع 'الرأي اليوم' يُشير إلى هدف إسرائيل بالاستيلاء على أكبر حجم ممكن من الأراضي، وأقل عدد ممكن من السكان، مُعتبرا أن معارضة الأردن لهذه التغييرات وجودية بعكس دول أخرى.
يرى المعشر أن الأردن لا يمكن أن يقف مكتوف اليدين تجاه ما تُخطط له إسرائيل، ويصف عدم التصدي لذلك بـ 'الانتحار السياسي'.
ضم الأراضي الفلسطينية يُعزز المخاوف من أن تهجير الفلسطينيين إلى عمّان ليس أكثر من مسألة وقت، وأن خطة التهجير والترحيل موجودة على الأجندة الإسرائيلية التي تذهب باتجاه التطرف واليمين، ويقول المعشر 'التهجير والترحيل للفلسطينيين لم يعد صعبا اليوم، فقد هُجّر 6 مليون سوري منهم مليون ونصف المليون في الأردن'.
بعد حديث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لمجلة دير شبيغل الألمانية عن صدام مع إسرائيل إن أقدمت على عمليات الضم، تحركت عمّان بقيادة وزير الخارجية أيمن الصفدي للتحشيد الإقليمي والدولي ضد التوجهات الإسرائيلية دون اشتباك كلامي، لكن الصمت عن المعارك الرسمية لم يمنع الشارع من التحرك، ولم يمنع من تصعيد الاحتجاجات للوقوف أمام السفارة الأميركية بعمّان، أو تنظيم 'سلسة بشرية' أمام الجامعة الأردنية استنكارا للخطط الإسرائيلية.
الحكومة تبعث إشارات لخصومها أنها قادرة على قيادة السفينة دون أن تغرق
وسط حالة الرفض الشعبي العارم، خرج رئيس الوزراء الأسبق فايز الطراونة في حديث مع قناة رؤيا ليغرد خارج السرب أو هكذا فهم الناس موقفه، ولم يسلم حديثه من انتقادات لاذعة حين اعتبر 'قرار الضم لا يُشكل خطرا على الأردن'، وسعى للاستهانة وتبسيط القضية بقوله باللهجة العامية 'كبرها بتكبر، وصغرها بتصغر'.
وأتبع هذا الكلام بالتأكيد أن 'لا ضم لغور الأردن، وإنما للغور الفلسطيني'، متسائلا 'شو دخل الأردن، فهم لن يضموا أراضيه، والحدود مع إسرائيل حُددت بمعاهدة السلام'.
الرد الأقسى والمباشر على الطراونة جاء من الكاتب عريب الرنتاوي بمقالة مُنعت من النشر، ولكنه نشرها على صفحته في فيسبوك وتداولتها مواقع إلكترونية، وحملت عنوان 'كبيرة يا دولة الرئيس'، مُذكرا إياه أن الضم يعني انهيار حل الدولتين، وفرص قيام دولة فلسطينية، وترك الوصاية الهاشمية لأنياب الاستيطان الإسرائيلي.
وخاطب الطروانة قائلا 'هي كبيرة يا دولة الرئيس ولا حاجة لأحد لتكبيرها، فهي طعنة نجلاء لكل ثوابت الأردن ومصالحه في الحل النهائي'.
استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية كشف أن إسرائيل وسياستها بضم غور الأردن وأراضِ فلسطينية يُعد برأي الشارع الأردني أكبر تهديد خارجي.
الاستطلاع الذي أنجز في أواخر الشهر الماضي لا يبدو مؤشرا خارج السياق، فرغم مرور أكثر من ربع قرن على توقيع معاهدة السلام بين عمّان وتل أبيب، إلا أن كل محاولات التطبيع فشلت فشلا ذريعا، ومنذ أعوام العلاقات بين الدولتين جامدة، و'البرود' السياسي سيد الموقف.
حلفاء الأردن إما منشغلين عنها أو غير عابئين بها أو لهم مصلحة في غرقها
ديفيد بولوك الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يُشير في مقال له اعتمادا على استطلاع للرأي أن 68 بالمئة من الأردنيين قلقون من رغبة الإسرائيليين والأميركيين في تحويل الأردن إلى دولة فلسطينية بديلة.
والأهم في مقاله التلميح والغمز إلى أن هذا موقف عموم الأردنيين سواء كانوا 'شرق أردنيين'، أو من 'أصول فلسطينية'.
لا يريد الأردن أن يجد نفسه في نهاية المشوار حارسا للاحتلال، وأن يُصبح العسكري أو الدبابة الأردنية في مواجهة 'الشقيق الفلسطيني' بعد دفن وأبَّنَ نتانياهو كل ما قيل عن السلام والدولة الفلسطينية المُستقلة.
التهديدات الخارجية طغت على المشهد الأردني في الأيام الماضية، هذا الواقع المرعب والمقلق لم يُبعد مخاوف التداعيات الاقتصادية المُتفاقمة، يؤكد هذه الفرضية ذات استطلاع الرأي، حيث يرى الأردنيون أن الأمور لا تسير بالاتجاه الإيجابي، ويخشون من البطالة والفقر.
الحكومة التي تُلاحقها شائعات الرحيل تحاول بخلوة عقدتها قبل أيام لفريقها الوزاري إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وطمأنة الشارع إلى أنها تُسيطر على الوضع، وتبعث بإشارات لخصومها أنها ما زالت قادرة على قيادة السفينة دون أن تغرق.
سواء بقي عمر الرزاز رُبانا لسفينة الحكومة أو رحل؛ فإن اللعنة الإسرائيلية ستبقى كابوسا أزليا في ظل حكم نتانياهو، أو أي زعيم 'يهودي' متطرف يتطلع لخارطة إسرائيل المزعومة توراتيا، أو تلك الوارد بعضها في أدبيات المسكونين بهواجس التوسع والسيطرة.