زاد الاردن الاخباري -
تبدو أكثر وأعمق من مجرد رسالة تلفزيونية للمواطنين.
يخرق رئيس الوزراء التقاليد المعتادة والأنماط المألوفة في التحدث مع الشارع فيقرر بعد ظهر الأحد توجيه ما وصفه الخبر الرسمي بـ “كلمة للأردنيين”.
بالعادة يدلي مجلس الوزراء ببيان أو ينشر رئيسه تغريدة كما فعل الرزاز عشرات المرات.
وبالعادة تقول الحكومة ما تريد أن تقوله في أي ملف عبر الناطق الرسمي أو عبر مقابلة حية يناقش فيها الإعلام رئيس الحكومة وليس عبر كلمة موجهة للأردنيين.
عموما عرض الرزاز كلمته إياها التي أثارت الجدل أصلا من حيث الشكل وليس المضمون فقط عبر خطاب متلفز ومسجل سابقا تم بثه بواسطة منصة حكومية.
لا أكثر ولا أقل.. لا يريد الرزاز الالتزام بالقواعد المعتادة ويؤسس قواعد جديدة تبدو لطيفة ولا تثير إشكالات لكن الألغاز متاحة وبالجملة في الشارع الأردني.
وما يمكن قوله أن الرزاز قرر وتحت ضغط ما أن يجيب على كل أنماط النميمة التي تنهش حكومته وطاقمه، خصوصا من مراكز قوى ونخب مؤثرة في الدولة عبر التحدث النادر وبصورة مباشرة مع الناس.
سأل مراقبون كثر فورا وبالجملة وعبر المنصات أيضا: هل ما فعله الرزاز بعد ظهر الأحد أقرب للشعبوية؟ الحكومات لا تخاطب الأردنيين بالعادة بهذه الطريقة وفقط الرزاز نفسه فعلها مرتين.
بكل حال يبدو أن رئيس الوزراء قرر أن يرد بدون تغريدة إلكترونية وعلى طريقته الخاصة على كل من يتوقعون رحيل حكومته أو يتحرشون بها.
مختصر رسالة الرزاز التلفزيونية يقول وبوضوح شديد: “حكومتي تستعيد المال العام.. وتحارب الفساد الكبير.. وإليكم التفاصيل أيها الناس”.
تلك رسالة سياسية بامتياز بكل أحوالها قد توحي في حال افتراض “سوء النية” سياسيا بأن رئيس الحكومة يريد أن يحميها ويجعل رحيلها أمرا صعبا، وقد يجتهد البعض في إيحاء أكثر حساسية مضمونه أن رحيل الحكومة الآن لأي سبب قد يكون له علاقة باستجابتها للشارع في البند الأكثر إثارة للضجيج وهو “استعادة المال العام”.
في التفاصيل عرض الرزاز الأرقام والبيانات التي تثبت أن معركة حكومته مع التجاوزات والفساد ناجحة نسبيا على الأقل، مؤكدا بأن المواطن نجم رئيسي في معركة حماية المال العام، ومحفزا بطريقة غامضة المواطنين على المشاركة في “عملية إبلاغ سرية” عن الفساد.
قبل أي مؤسسة أخرى بالدولة وقبل اكتمال برنامج استعادة المال العام الذي تحدث عنه عدة مرات ومع الرأي العام وزير المالية في الحكومة الدكتور محمد العسعس، وجه الرزاز بلاغه التالي للشارع: “سنجيب على كل الأسئلة لاحقا وكل استفسارات المال العام”.
الغريب في هذا التصريح تحديدا أنه غير مسبوق من رئيس وزراء.
لكن في البيانات والأرقام كشف الرزاز أن حكومته أحالت لهيئة مكافحة الفساد 33 ملفا وقضية وأحالت لسلطات القضاء 20 ملفا وقضية.
وقال بأن حكومته استردت أو تسترد بأوامر قضائية 217 مليون دينار وإن حجم الأموال التي استعيدت أيضا بعد معالجة مضامين تقارير المحاسبة بلغت 92 مليون دينار.
لم يقف رئيس الحكومة عند هذا الحد بل أعلم الشارع بأن حكومته ستجيب على كل الأسئلة وستعلن حجم الأموال المستردة بعد التسويات الضريبية وستوضح كل المسائل المتعلقة بالمنح والقروض وستشرح كيف ستنفق الأموال المستردة.
تلك جرعة شفافية نادرة من مقر رئاسة الوزراء في الأردن وفائضة عن المألوف.
وقد تكون فائضة أيضا عن الحاجة لأن هذه الأرقام كبيرة والإيحاء باسترداد أموال أخرى لاحقا بمئات الملايين ينطوي على إيحاء ضمني بأن الفساد كان كبيرا فعلا أولا، وبأن الشارع قد ترتفع أسقف توقعاته لاسترداد مبالغ ضخمة وكبيرة تلوكها الألسن أصلا ويتبناها حراك بدون وقائع وأرقام وقرارات قضائية.
على نحو أو آخر فائض جرعة الشفافية بعد ظهر الإثنين عند الرئيس الرزاز مهم وعميق ويدعو للاحتفال.
لكنه فائض قد يؤدي إلى مشكلة سياسية قوامها العودة بالشعار الشعبي إلى سقف الربيع العربي، ومن المرجح أن الرزاز حكيم وأصبح لديه خبرة تؤهله لمعرفة ذلك فقد قالها الوزير العسعس مبكرا لـ”القدس العربي”: استعادة المال العام ومكافحة التهرب الضريبي خيار وجودي على مستوى الدولة الآن.
السؤال يبقى: هل جرعة الشفافية المباغتة عند رئيس الوزراء متفق عليها وتدرك مجسات الحكومة نتائجها في رفع السقف؟
فقط الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة تجيب على ذلك.