الدكتور: رشيد عبّاس - منذُ تأسيس الولايات المتحدة الامريكية عام 1776م وهي تتبني سياسة الدعم ثم القص عند تصفية الأفراد و(الجماعات) والدول في هذا العالم الذي نعيش فيه, ومع مرور الزمن فقد طوّرت الولايات المتحدة الامريكية من أساليبها وطرقها في تنفيذ هذه السياسة, ويقال والله اعلم ان هذه السياسة انبثقت من مزارع أمريكي عام 1778م حين أراد هذا المزارع ان يحصد محصوله وكان هذا المحصول قد ذبل من قلة الماء ومال حتى وصل الارض, فقام بسقاية هذا المحصول ودعمه بالماء حتى أشتد عود هذا المحصول ونهض من جديد واقفا ودبت به الحياة, وبعد ذلك قام بقصه وحصاده.., هذه الفكرة التقطها فيما بعد الساسة الأمريكان منذُ ذلك الوقت وعملوا على تطورها شيئا فشيئا حتى أصبحت استراتيجية معتمدة لديهم في تصفية بعض الأفراد وبعض (الجماعات) وبعض الدول, والسؤال هنا كيف ينفذ الأمريكان هذه السياسة, سياسة الدعم ثم القص؟
على مستوى الافراد تقوم الولايات المتحدة الامريكية في البحث عن العلماء والمفكرين والعباقرة والمتميزين في جميع انحاء دول العالم, ثم تقوم بتقديم الدعم المادي والمعنوي اللازم لهم, وبعد ذلك تعمل على تصفيتهم والتخلص منهم اولاً بأول, وفي بعض الحالات تقوم بجلبهم الى الولايات المتحدة الامريكية وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم حتى يصبحوا من الاثرياء, ثم العمل على استثمار خبراتهم بعد ان يتم (غسيل عقولهم) بجميع أشكال المنظفات الفكرية وبالطريقة التي يرونها مناسبة, حتى يصبحوا امريكيو الفكر وغير امريكيو الجسم, والأمثلة من حولنا عديدة على تصفية وقص بعض العقول المفكرة, او تبني ودعم بعض العقول النيّرة.
وعلى مستوى الجماعات تقوم الولايات المتحدة الامريكية في التنقيب في جميع انحاء العالم عن الجماعات التي التقت أفكارهم وعقولهم عند فكرة واحدة, ثم تقوم بتقديم المساعدات المالية لهم كي ينهضوا ويخرجوا من مخابئهم وكي ينتمي لهم اكبر عدد ممكن من البسطاء العاديين, وهنا يصبح أمام الساسة في الولايات المتحدة الامريكية خياران لا ثالث لهما, الأول إما ان تقوم هذه الجماعة بتصفية بعضها البعض من خلال زرع بذور الفتنة بينهم على السلطة (القيادة) لهذه الجماعة, او من خلال استخدامهم كأداة لمحاربة جماعة مذهبية أخرى لفترة من الزمن كي يقوموا بتصفية بعضهم البعض كمذاهب واحزاب وتيارات فكرية متناحرة, وما حروب المذاهب والتيارات والاحزاب الحاصلة في عالمنا اليوم إلا امثلة حية على ذلك.
أما على مستوى الدول فالوضع مختلف تماما, حيث تقوم الولايات المتحدة الامريكية في البحث في جميع انحاء العالم عن الدول التي قد تصبح في المستقبل المنظور منافساً لها على المستوى العسكري او على المستوى الاقتصادي او غير ذلك, ثم بعد ذلك تقوم الولايات المتحدة الامريكية بأرسال بعثات من الخبراء والمختصين الى تلك الدول بحجة تقديم المساعدات الفنية لتلك البرامج العسكرية او لتلك البرامج الاقتصادية الى غير ذلك من البرامج في تلك الدول, وهنا يكون أمام الساسة في الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجيتين, الاستراتيجية الأولى تقوم على بناء شراكات برامجية مع تلك الدول, وبعد فترة من الزمن تقوم على إضعاف تلك البرامج تدريجيا من خلال الانسحاب التكتيكي من تلك البرامج على أنها غير ناجحة, أما الاستراتيجية الثانية فتقوم على أشغال الدولة المراد قصها وتدميرها, إشغالها بحروب باردة مع دولة أخرى حول قضية خلافية بينهما كالحدود مثلا من خلال التأسيس لهذا الخلافات بين تلك الدول, لتقوم أمريكا بضرب الدولة المعنية بحجة من الحجج الواهية.
(الدعم) في سياسة الدعم ثم القص عند الأمريكان, لا يعني باي شكل من الأشكال تقديم الدعم المالي والمعنوي للفرد او (للجماعة) او للدولة وكفى الله المؤمنين القتال, إنما يعني تكتيك سياسي لتعميق رؤية القص والتصفية والخلاص من الفرد او من الجماعة او من الدولة والتحكم بها اكثر واكثر,..فالمزارع الأمريكي عام 1778م حين أراد ان يحصد (يقص) محصول له وكان هذا المحصول قد ذبل من قلة الماء ومال على الارض, حيث قام بسقاية هذا المحصول حتى أشتد عود هذا المحصول ونهض من جديد واقفا, وبعد ذلك قام بحصاده وقصه, هذا المزارع لم يقصد ابداً إحياء هذا المحصول ودعمه على الإطلاق, إنما أراد ومنذُ البداية قصه والتخلص منه.
وهنا لا أستغرب ابداً من هذا المزارع الأمريكي, فالنّجار عندما كان يريد قص لوح من الخشب فإنه يقوم بدعمه للأعلى, والحدّاد عندما كان يريد قص صاج من الحديد فإنه يقوم بدعمه للأعلى, والخيّاط عندما كان يريد قص قطعة من القماش فإنه يقوم بدعمها للأعلى, فعملية القص تحتاج الى شيء من الدعم قبل إجراء عملية القص, وهكذا تقوم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية عندما تريد التخلص من الأفراد او من (الجماعات) او من الدول, فإنها تقوم بدعمها بالسر المطبق ماديا ومعنوياً.
وبعد, فقد علمتني (فخاخ) الصيد منذُ الطفولة أن الطائر الأكثر حذرا, لا يقترب من (دودة) الصياد حتى لو كان جائعا..