* عبدالحميد الهمشري - مخاطر جمة تحيط بمنطقة الشرق الأوسط ، جراء مشكلات لا تكاد تنتهي إحداها ، لتتفجر من جديد أخرى أكثر خطراً عن سابقتها .. فهناك مشكلات كبرى تستشري فى المنطقة تتسبب في تصدعات محلية وإقليمية وتقود لتوترات دولية ، منها على سبيل المثال لا الحصر المياه التي تكاد تتحول لأزمة ، تقود لحروب وجود ، تليها القضية الفلسطينية والوجود الصهيوني على أرضها ، فالسياسة الإيرانية والتركية ، فتوجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، الذي يتخذ سياسات متناقضة تقود في نهاية المطاف لخدمة مصالح بلاده وحلفائها ، فهو يحاول جهده ترك العالم يتخبط بمشاكله وصراعاته وإطلاق العنان للدولة العبرية لتسرح وتمرح في الشرق الأوسط لتتحكم فيه مع الاستمرار في دعم سياساتها العنصرية والاستفزازية ضد الفلسطينيين والعرب، وفرض أسلوبه في محاربة الإرهاب وفي فرض عقوبات على شعوب بعينها تتعارض في سياساتها مع سياسات بلاده ، وسعيه الدؤوب للتقرب من روسيا لتكون حليفاً مستقبلياً لا عدواً تاريخياً كما كانت ، يضاف لها ترسيخ الاهتمام بالشئون المحلية الأمريكية أكثر مع طمأنة الحلفاء في أوروبا بالإيحاء أنه مع الاتحاد الأوروبي ، وطمأنة الصين من أنه يدعم سياسة صين واحدة واعتماده سياسات حمائية مبتكرة في التجارة تقلص حجم التجارة العالمية، وتحد من واردات الولايات المتحدة،وتعمق أزمات النفط والمشاكل المصرفية والمالية في العالم .. هذه باختصار تصور توجهات ترامب المستقبلية ، لأن العالم تتهدده أخطار تتفاقم باطراد ، لا يمكن لدولة لعب دور فيها مهما كان حجم قدراتها الاقتصادية والعسكرية .
فالمنطقة العربية باتت تتهددها كوارث جمة ، جراء الفقر المائي الذي تعاني منه للزيادة السكانية الهائلة والنمو الصناعي والزراعي ،وهناك خشية من نضوب المياه الصالحة للزراعة والصناعة وسد احتياجات السكان فيها ، خاصة وأن أراضيها على الأغلب تشكل مصبات لأنهار تجري عبرها كنهري دجلة والفرات اللذين منبعهما من تركيا ، الفرات منهما يواصل جريانه من تركيا عابراً الجزيرة السورية فالعراق ، ودجلة من تركيا عابراً الأراضي العراقية ، ويلتقيان ليشكلا مصباً واحداً عند شط العرب في البصرة ، وكذا الحال بالنسبة لنهر النيل الذي منابعه في الأراضي الأثيوبية ويجري عبر الأراضي السودانية المصرية حيث يصب في البحر المتوسط ، ونهر الأردن الذي منابعه من سوريا ولبنان عبر روافد ثلاث الحاصباني ، الدان ، و بانياس فنهر اليرموك ، قامت دولة الاحتلال الصهيوني بتحويل مياهه إلى منطقة النقب بقصد تعمير الصحراء لاستيعاب ملايين المهاجرين الجدد.
دول المنبع تحاول التحكم بمياه هذه الأنهار بإقامة سدود عليها ستؤدي إن لم يتم ذلك بالتشاور للحفاظ على مصالح الجميع ، أن تعود تلك السدود بالضرر على بلاد المصب كما هو حاصل في السدود التي أقيمت في تركيا على نهري دجلة والفرات والسدود التي أقيمت على نهر النيل خاصة سد النهضة من قبل أثيوبيا.
إذن فإن الصراع القادم في منطقة الشرق الأوسط وفق ما هو متوقع لن يكون على نفط أو توسع بل على الموارد المائية ، وهذا كما هو معروف يشكل نقطة محورية في الصراعات العالمية منذ بداية التاريخ وحتى يومنا هذا والتي اتخذت أشكالاً متعددة ، مسلحة أو على عقوبات اقتصادية إلى غير لك ، تسعى من خلالها الدول الكبرى لفرض هيمنتها على دول العالم الأخرى .
فاستنزاف المياه جراء الاستهلاك الكبير الذي طرأ بسبب تضاعف عدد سكان العالم منذ عام 1900 الذي تبعه ازدياد هائل في الاستهلاك السنوي للمياه الذي تضاعف إلى ما يزيد على السبع مرات عما كان عليه نتيجة التنامي السكاني وما تلاه من تنامي صناعي رفع من كميات المياه المستخدمة في الصناعة لنحو يزيد عن "20" ضعفاً وما يزيد عن "6" أضعاف في النشاطات الزراعية، كل هذا رفع من متوسط استهلاك الفرد من المياه من 240 م3 سنوياً في بدايات القرن العشرين إلى خمس أضعاف ذلك في العام 2020 وهو في ظل هذا التنامي المضطرد في عدد السكان سيعقبه تنامي في استهلاك الماء على المستوى العالمي وليس المنطقة وحدها.
بطبيعة الحال سيكون ذلك من الأسباب الهامة التي سيتولد عنها أزمة للمياه في منطقة الشرق الأوسط ما سيفجر معه صراعاً دولياً وإقليمياً لتوفير مصادره حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين ، كما حصل في السدود المقامة على نهري دجلة والفرات في تركيا على حساب سوريا والعراق بحرمانهما من حصتيهما الطبيعيتين من مياه النهرين و محاولات الدولة العبرية المتكررة من حرمان لبنان من مياه نهري الليطاني وحرمان الأردن وفلسطبين من مياه نهر الأردن وروافده، ومساعدة الكيان العبري في فلسطين لإثيوبيا في بناء سدود ضخمة على نهر النيل والأخطر فيها سد النهضة الذي يثير قلقاً مصرياً سودانياً من انخفاض نسبة المياه السائبة نحو مصر والسودان ما سيؤدي لتصحر مساحات زراعية ضخمة جراء نقص المياه المفتعل من أثيوبيا ، وهذا يشكل اعتداء صارخاً على الأمن الغذائي والمائي لدولتي المصب ، بطبيعة الحال الدولة العبرية تقدم هذا الدعم لأثيوبيا لعوامل عديدة أولاها النيل من مصر والسودان ، ونقل كميات من مياه السد إلى فلسطين المحتلة لإعمار صحرائها النقب ، إلى جانب الاستمرار في السماح بهجرة يهود الفلاشا إلى الأراضي الفلسطينية، وعليه فإن الخلاف القائم حول الطاقة التخزينية لهذا السد جراء البدء في ذلك تسبب في التوتر الشديد بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى والتي تضرب بعرض الحائط بالمطالب المصرية السودانية ولا تعير اهتمامها بأي جهد دولي أو أفريقي لحل الخلاف القائم للوصول إلى قواسم مشتركة تعود بخيرها على الجميع من خلال تعديل حجم بحيرته التخزينية وبما يناسب الحفاظ على مخزون السدود في مصر والسودان والذي سيتحول لنزاع مسلح في حال التصلب الأثيوبي المدعوم من حكومة الاحتلال العبرية وإصرارها على تنفيذ خطتها بالنسبة للسعة التخزينية للسد .
فتحقيق الأمن المائي من الأولويات التي تفرضها المرحلة المقبلة، فوفق ما ذكرت دراسة صادرة حول الشرق الأوسط لمعهد الدراسات الإستراتيجية في لندن في العام 1989 فإن المنطقة ستشهد حرباً للسيطرة على مصادر المياه بسبب تزايد عدد السكان فيها وزيادة برامج النمو الاقتصادي وتراجع الكميات المتوفرة من المياه، وهذا سيؤدي لنزاع يحطم الروابط الهشة بين دول هذه المنطقة، فيما تطرق مساعد وزير الخارجية الأمريكي (هارولد سوندرز) في تقرير له حول الشرق الأوسط إلى أن الخطر لا يأتي فقط من النزاع على النفط بل هناك مصدر آخر للقلق في المنطقة يتمثل في ندرة المياه، فيما حذر الكاتب الأمريكي (جول كولي) من أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد حرباً على المياه بعد نفاذ النفط لأن خطط التنمية ستعتمد عليها مستقبلاً، بينما رأت دراسة أخرى أن أي اتفاق لا يعالج مشكلة المياه بين الدولة العبرية والدول العربية المعنية لن يكتب له النجاح لأنه سيكون مثار جدل وصراع باستمرار.. فتأمين المستلزمات المائية وتحقيق الأمن المائي بات يشكل تحدياً كبيراً وهاجساً لأهل المنطقة وهي أزمة ستتفاقم مع التزايد السكاني المضطرد الذي يرافقه تزايد في الحاجة إلى الماء، الأمر الذي سيضع الأمن المائي معه في مقدمة الأولويات الملحة باعتباره رافداً للأمن الغذائي والتفوق العسكري والتنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي ، وعليه بات ملقى على عاتق الامم المتحدة العمل على النهوض بـ " دبلوماسية المياه " لنزع فتيل أي توتر بشأنها خاصة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، حيث يمكن أن يؤدي شح الموارد فيها الى صراعات في المستقبل كما ينبغي على مجلس الامن الدولي ايجاد سبل لتعزيز التعاون بشأن المياه في البحيرات أو الأنهار المشتركة كالنيل ودجلة والفرات ، فمنطقتي الشرق الاوسط وشمال افريقيا هما الاكثر عرضة لخطر الصراع بسبب شح المياه والذي سيطال نحو 18 من دولها حيث أن مختلف الدول العربية ستعاني من نقص المياه جراء النمو السكاني المطرد والتطور الصناعي والزراعي ، وسيشكل الكيان العبري خطراً ضاغطاً في ذلك مما سيعني استمرار التوتر.
كما أنه ولتدارك مخاطر هذا الأمر على المستوى العربي لا بد من إيجاد بدائل تعتمد رفع كفاءة شبكات نقل المياه وصيانتها وتطويرها، رفع كفاءة الري الحقلي، تغيير التركيب المحصولي بشَكْلٍ يتَّسِق مع الموارد المائية المتاحة ، تطوير نظم الري ، استنباط سلالات وأصناف جديدة من المحاصيل، الاهتمام بعلوم الهندسة الوراثية النباتية وتطبيقاتها ، إنشاء السدود والخزانات التي تُقَلِّل نسبة المفقود من المياه ، وتحلية مياه البحر.
abuzaher_2006@yahoo.com