زاد الاردن الاخباري -
لم تحتمل السيدة ناريمان (اسم مستعار) حملها بطفل مصاب بتشوهات خلقية، و كذلك لزوجها الذي أصابته صدمة كبيرة بعد أن علم بأن زوجته حامل وهي تتناول دواء يسبب التشوهات الخلقية للجنين في حال حملها، وبعد التفكير مليا أخبرها زوجها بضرورة إجهاض الجنين على الفور فوافقته الرأي مباشرة.
وبدأ الزوجان يبحثان عن سبيل للإجهاض. وبعد رفض العديد من الاطباء اجراء ذلك لجأ الزوجان لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث استطاع الزوجان شرائه من خلال احدى صفحات الفيس بوك بعد أن تواصلا مع أحد السماسرة لتأمين الدواء، وأبلغه بأنه سيكون في متناول يديهما خلال 24 ساعة على أن يدفعا (20 دينارا) مقابل الحبة الواحدة.
و بعد مرور المدة المتفق عليها كان الدواء بحوزتهما وبدأت الزوجة بتناوله على الفور بعد أن تواصلت مع إحدى الممرضات عن طريق المندوب لبيان طريقة استخدامه، وبعد أخذ الجرعة المناسبة والمتمثلة بثماني حبات تم إجهاض الجنين.
ويختلف الحال للسيدة «الآء» التي حدثت خلافات بينها وبين زوجها السابق وأدت إلى الطلاق، وبعد الطلاق علمت بأنها حامل فلم ترغب بإبقاء الجنين، واستطاعت تأمين الدواء عبر شبكات التواصل وأجهضت جنينها وهي حامل به في شهرها الأول.
ورغم المحاذير التي تحيط هذا الدواء فقد أصبح ينتشر في الآونة الأخيرة على أنه دواء يستخدم للإجهاض غير الشرعي، إذ يؤدي إلى حدوث انقباضات في الرحم ينجم عنها إسقاط الجنين.
ووفقا لتأكيدات عدد من المسؤولين والأطباء فإن أدوية الإجهاض لا تتوافر في متناول اليد، وتوجد في المستشفيات ضمن قوانين وتعليمات صارمة، ولا تصرف الإ بعد أن يصفها الطبيب المختص وتخضع المريضة للمعاينة الكاملة في المستشفى.
وبالرغم مما سبق، استطاعت كاتبة التحقيق أن تثبت بأن هناك سماسرة يستطيعون توفير الدواء للنساء الحوامل في وقت قصير وبسهولة، دون أن يخضعوا لأي رقابة أو مسائلة قانونية، فقد تواصلت مع عدد من المندوبين الذين يستطيعون تأمين الدواء بكل سهولة.
ويبين الخبير في الأخلاقيات الطبية والمهنية الدكتور هاني جهشان بأنه: «في الغالب تكون العقاقير التي تباع عبر مواقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، مزيفة ومصنعة في ظروف غير آمنة، وجزء منها يوصف بدواعي غير طبية ولأغراض ارتكاب جرائم كالإجهاض أو للاستخدام من قبل المدمنين على المخدرات والمواد المهلوسة».
ويلفت إلى أن: «المواد الصيدلانية في هذه العقاقير تحتوي على شوائب أو مكونات صيدلانية قليلة أو زائدة عن المعايير القياسية، وثبت أنها تحتوي على شوائب أو مواد خطرة لها عواقب خطيرة على حياة وصحة الشخص الذي يستعملها».
ويقول: «أثبتت الأبحاث العلمية المسندة احتواء العقاقير التي تباع عبر الإنترنت على مواد مثل الاسمنت والطباشير والأحماض الكيماوية والطلاء ومواد ضد التجميد، وغيرها من السموم وسُجل العديد من حالات التسمم والموت بسبب سوء الاستخدام».
ويؤكد جهشان على أن: «مواقع بيع العقاقير عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تدار من قبل شبكات إجرامية متطورة تكنولوجيا توزع العقاقير الخاضعة للرقابة الصيدلانية بدون وصفات طبية وبشكل يخالف قوانين وزارة الصحة ونقابات الأطباء وأطباء الاسنان والصيادلة».
موانع وتعليمات
ويبين أخصائي طب النسائية والتوليد في وزارة الصحة الدكتور عبد المانع السليمات بأن الدواء يمنع استخدامه الإ ضمن قوانين وشروط صارمة، ويحظر تداوله الإ ضمن دواعي طبية محضة.
ويضيف: «ولضمان عدم تداول الدواء في غير محله فإنه يوضع مع الأدوية والعقاقير الخطيرة في المستشفيات، ولا يستخدم الإ بعد أن توقع الوصفة من رئيس القسم وضمن حالات مرضية معينة».
ويبين مسؤول العلاقات العامة في مؤسسة الغذاء والدواء مأمون الغرايبة بأن دواء الاجهاض (سايتوتيك) يجب ألا يصرف الإ بموجب وصفة طبية من طبيب مختص لعلاج الحالات المرضية الواردة في النشرة المرفقة، كما أنه غير مسجل كدواء في الأردن وإنما يتم استيراده بشكل خاص وبعد أخذ الموافقات اللازمة من المؤسسة فيتم شحنه وتحويله من دائرة الجمارك لمؤسسة الغذاء والدواء الأردنية وبعد معاينة التقارير الطبية يتم السماح بأخذه.
ويلفت إلى أنه: «لا يتواجد في السوق المحلي، وإنما يستورد بشكل خاص بعد عرض التقارير الطبية اللازمة للمريضة وأخذ الموافقات اللازمة من مؤسسة الغذاء والدواء، كما أنه لا يتواجد داخل الصيدليات في المملكة».
وييبن جهشان: «بحسب التشريعات الأردنية (الموثقة سابقا) لا يتوقع أن يجرى الإجهاض من قبل المرأة الحامل نفسها بغض النظر إن كان حمل شرعي أو خارج نطاق الزواج، ولا يتوقع أن يجرى إلا في مستشفى أو دار للتوليد مرخصة، وفي حال تم الإجهاض خلاف ذلك يعتبر جريمة وتعاقب مرتكبته حسب النصوص القانونية السابقة».
ويضيف: «يتوقع من وزارة الصحة تنفيذ برامج توعية للأطباء وللعامة من المواطنين حول الاعراض الجانبية وعواقب ومخاطر استخدام عقار Cytotec في المنازل خارج الاشراف الطبي، ويشمل ذلك المرجعية القانونية والأخلاقية لإجراء أي إجهاض كما ورد في النصوص أعلاه».
وتبين المادة 321 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 160 في الإجهاض بأن كل امرأة اجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل او رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل، تعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات.
وتنص المادة 322 على أنه من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة برضاها، عوقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات. وإذا أفضى الاجهاض او الوسائل التي استعملت في سبيله الى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات.
وتشير المادة 12 من قانون الصحة العامة رقم 47 لسنة 2008 إلى أنه: «يحظر على أي طبيب وصف أي شيء بقصد إجهاض امرأة حامل أو إجراء عملية إجهاض لها، الإ إذا كانت عملية الإجهاض ضرورية لحمايتها من خطر يهدد صحتها أو يعرضها للموت، وعلى أن يتم ذلك في مستشفى ووفق شروط عدة».
وتقتضي الشروط: «توافر شهادة من طبيبين مرخصين من ذوي الإختصاص والخبرة تؤكد على وجوب إجراء العملية للمحافظة على حياة الحامل أو صحتها، بالإضافة إلى ضرورة تضمين قيود المستشفى لاسم الحامل وتاريخ إجراء العملية ونوعها والاحتفاظ بالموافقة الخطية».
كما شدد القانون على: «موافقة خطية مسبقة من الحامل بإجراء العملية، وفي حالة عدم مقدرتها على الكتابة أو عجزها عن النطق تؤخذ هذه الموافقة من زوجها أو ولي أمرها».
أدوية في متناول اليد
وفي جولة «لكاتبة التحقيق» على سبع صيدليات عشوائية في مناطق متفرقة من المملكة في محاولة لشراء الدواء الإ أنها لم تجده، ورغم عدم تواجده في الصيدليات الإ أنه ينتشر على مواقع التواصل الإجتماعي.
حيث تتعدد الصفحات التي توفر هذا الدواء. وقد تواصلت «كاتبة التحقيق» مع أحد مندوبي تسويق الدواء والذي أخبرها بأن هناك دواء آخر مقلد ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة وقد لا تتمكن الحامل من الإجهاض أو يمكن أن يموت الجنين دون أن يخرج من بطنها.
ونصح المندوب (ه، ع): » بالدواء المستورد من دول مجاورك وأخبرها بأن سعر الحبة (20 دينار) وتحدد الجرعة المناسبة من الدواء بفترة الحمل».
كما عرض عليها متابعة إجهاض الجنين مع إحدى الممرضات اللواتي يتعاملن معه لضمان عدم حدوث أي مضاعفات خطيرة ونزول الجنين بأمان مقابل خمسين دينارا.
وتواصلت «كاتبة التحقيق» مع إحدى الممرضات اللواتي تعملن في إحدى المستشفيات الحكومية وأخبرتها بأن الدواء يؤمن من دول مجاورة اذا نا رغبت السيدة إجهاض الجنين.
وأضافت الممرضة بأن: «الحالات التي يقرر لهن الإجهاض يطلب منهم شراء الدواء من خارج المستشفى وعلى حسابهن الخاص».
وأفادت بأن: «الدواء غير مصرح باستخدامه الإ في بوصفة طبية وفتوى شرعية، وأشارت بأن بعض المندوبين يستغلون حاجة السيدات حيث يرتفع سعره لخمسين دينارا مقابل حبة واحدة».
وبينت بأن: «سوء استخدامه أو تناوله بطريقة غير صحيحة قد يؤدي إلى انفجار الرحم أو ما يعرف «بتمزق العضلة».
وفي ختام الحديث بينهما أخبرتها بأنها إذا أرادت شراء الدواء فإنها تستطيع تأمينه لها مقابل مبالغ مالية.
وتبين الدكتورة الصيدلانية شذى شحادة: » بان حبوب السايتوتك تساعد على الاجهاض إلا أنها تولد اجهاضاً ناقصا قد يترك بقايا في الرحم».
وتضيف: «يؤدي ذلك الى حدوث بعض الأضرار كالنزف الشديد لأكثر من يوم كامل بعد الاجهاض وتقلصات مؤلمة ونزول نسيج جلدي ما يضطر المراة في النهاية الى الذهاب للمستشفى فورا لاكمال الاجهاض والا فقد تحدث مضاعفات خطيرة قد تؤدي للوفاة.
الإجهاض والشرع
ويبين أستاذ الشريعة الإسلامية أنس الكسواني بأن: «إسقاط الحمل حرام بإجماع المسلمين، و لا يجوز في مختلف مراحله الإ لمبررات شرعية وفي حدود ضيقة جدا، وإذا كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين يوما وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء الزوجين بما لديهم من الأولاد فغير جائز».
ويفيد بأنه: «لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة وهي الأربعون يوما الثانية والثالثة، حتى تقرر لجنة طبية موثوقة بأن استمراره خطر على سلامة أمه، أي أن يخشى عليها الهلاك من استمرار الحمل، فإن اسقاطه جائز ويكون بعد استنفاد كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار».
ويقول الكسواني: «بعد الطور الثالث، وبعد إكمال أربعة أشهر لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين من أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وبعد استنفاد كافة الوسائل لإبقاء حياته، وإنما رخص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعا لأعظم الضررين وجلبا لعظمى المصلحتين».
مسؤولية من؟
ويطالب جهشان: «الحكومة بصفتها الضامنة لحقوق الموطنين حسب الدستور الأردني وقانون الصحة العامة وحسب الاتفاقيات الدولية وكونها عضو في كل من جمعية الصحة العالمية ومنظمة الصحة العالمية بتطوير التشريعات الصحية وقانون الجرائم الالكترونية ليتم تجريم الاتجار بالعقاقير عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بنصوص جلية واضحة وتوكل لإدارة الجرائم الالكترونية في الأمن العام ملاحقة هؤلاء التجار وإحالتهم للقضاء.
ويطالب مختصون بتطوير برامج توعية مستدامة تصمم وتنفذ وترصد وتقييم تستهدف جميع المواطنين عن المخاطر الكامنة لهذه العقاقير وأثرها الضار وأحيانا المميت على صحة وحياة المرضى، وأيضا برامج توعية عن كون استخدامها في ارتكاب جرائم من مثل الإجهاض هو بحد ذاته جريمة، وأيضا عن مخاطر استخدام عقاقير بدون وصفة رسمية من طبيب قد يرافقه في كثير من الحالات عواقب وعوارض جانية خطيرة. الراي