يسري غباشنة 6/4/2011
إن أردنا الإصلاح؛ فلنبدأ بأنفسنا قيل في الفساد والمفسدين في هذه الأثناء ما لم يقله أبو نواس في الخمرة، وهذا نزر يسير. في حين تغافلنا عما نقوم به من سلوكات ننغص فيها حياة بعضنا بعضا، كلّ في وظيفته وموقعه؛ فبعض الموظفين أو المسؤولين في دوائرهم وإداراتهم يتعاملون مع المواطن الذي لديه معاملة عندهم من علٍ، وكأنهم يقبعون على كراسٍ كالرواسي، رغم يقينهم بأنّ من سمات هذا الكرسي اللف والدوران والبرم، وفوق كلّ هذا الثبات له وليس لمن يجلس عليه، وكما تجلس عليه الآن فقد جلس عليه من قبلك الكثير، وسيجلس عليه بعدك أكثر وأكثر. وإن كان هذا المواطن بحاجة إلى خدمتك اليوم، فمن المؤكد أنك ستحتاج إليه في قادم الأيام؛ فليرحم بعضنا قبل أن نطلب من الآخرين رحمتنا. ومثل هذه الصور القاتمة نعايشها في بعض مؤسساتنا الخدمية خاصة كالمستشفيات مثلا؛ فالمريضة التي تعاني تذبذب الضغط والسكري عندها، وتراجع قسم الطواريء فيقوم الطبيب هناك بما يمليه عليه واجبه وضميره بما يلزم، ومن ثم يكتب الوصفة العلاجية، وبعدها تقوم المريضة في اليوم اللاحق بإحضار تحويل من المركز الصحي التابعة له، ومن ثم تراجع الطبيب المسؤول في العيادات الخارجية الذي يرفض رفضا باتا القيام بالإجراء اللازم لصرف الوصفة التي صرفت من قبل زميل له في المستشفى نفسه، إلا بعد أن يحولها عن طريقه إلى طبيب آخر، ( ليتشحطط) المريض من طبيب إلى آخر، على الرغم من حملها وصفة طبية لاغبار عليها. هذا من ناحية. وإذا التمسنا لهذا الطبيب عذرا في أنه يتقيد بالتعليمات الصادرة إليه، وأنها السبب في تصرفه هذا، فعلينا الإشارة إلى أن هذه التعليمات عقيمة وتزيد من ألم المتألمين ووجع الموجوعين. ويعزى هذا التصرف إلى ما يدعى بالبيروقراطية الحدية التي تغفل الجانب الإنساني والبشري ومراعاة ظروف الآخرين واحتياجاتهم، وكذلك إغفال الانحياز إلى المرونة في تنفيذ القوانين أو التعليمات، والتعامل مع روحها لا مع حرفيتها التي تعيق في صرامتها أحيانا مطالب الأفراد. ومع هذا فإنّ العائق في كثير من الأحيان يعود إلى القائمين على تنفيذ هذه القوانين والتعليمات وما يندرج عنهما من تسميات أخرى؛ فقد يعيق مجرد توقيع على معاملة ما سيرها أياما أو أسابيع، بسبب صور أخرى من صور البيروقراطية هذه كالمركزية في اتخاذ القرار، أو عدم تفويض الصلاحيات إلى موظفين آخرين في الدائرة نفسها، وما يزيد الأمر صعوبة و( بهدلة) عندما يكون صاحب الحاجة في أقصى الشمال أو الجنوب، وإجراء تنفيذ المعاملة في عمان على سبيل المثال لا الحصر. إنّ تلمس حاجاتنا، وتيسيرها يخفف من وطأة الحياة علينا جميعا، مع ضرورة أن تقف هذه المشاعر الإنسانية عند حدود لاتتجاوزها لتسلب الآخرين حقوقهم، أو التعدي على حمى مطالب غيرنا؛ ولنتذكر دائما أنّ القوانين واللوائح وغيرهما قد سنّت لخدمة الفرد لا أن تكون سببا في شقائه أو تنغيص حياته وتكديرها، وأن المسؤول ؛ أي مسؤول هو لخدمة الآخرين لا التجبّر عليهم.