الدكتور: رشيد عبّاس - أصل (شرُّ البليّة ما يُضحك) جاءت على روايتين: الرواية الأولى ترجـع إلى قصة احد العـمال قديماً الذي كان يعـمل في مصنع لصناعة السكر، حيث كانت وظيفته هي تفـريغ أواني السكر الكبيرة لعاملين أخرين يقوموا بتعبئتـه في أكياس، وفي ذات يوم ذهـب هذا العامل لبيته بعد الانتهاء من عمله، وبعد تناول العشاء طلب من زوجته إعداد كـوب من الشاي له، وعندما قامت الزوجة بتقديم الشاي له قام بفتح العلبة المخصصة للسكر فوجدها فارغـة تماماً، مما جعله ينفجـر من الضحك هو و زوجـته وقال لها: كيف لشخص يشرف على تفريغ أكـثر من (2) طن من السكر يومياً لا يجد ملعقـة سكر واحدة في بيتـه لتحلية كوب من الشاي فحـقاً (شرُّ البليّة ما يُضحك).
اما الرواية الثانية فقد جاءت على لسان الشاعر البريطاني جورج غوردون حيث قال: أن أصل مقولة (شرُّ البليّة ما يُضحك) مصدرها ساحات المصارعة الرومانية قديماً، حيث كانت المتعة بالنسبة للمشاهدين في المدرجات هي القتال بين أثنين من المصارعين، وان المتعة تزيد والهتافات تتعالى كلما سبب أحد المصارعين الآلام اكثر للأخر، ولا تنتهي اللعبة إلى بعد ان يقوم أحدهم بقتل الأخر وهذه الحالة سُجلت في التاريخ باسم (العطلة الرومانية) وهي سعادة المشاهدين بآلام شخص آخر, وقد سجلت مقـولة (شرُّ البليّة ما يُضحك) لأول مرة على لسان أحد المصارعين وهو ساقط على الأرض متأثر بجروحه وهو يشاهد ضحكات الحضور وسعادتهـم.
يبدو ان الرواية الثالثة لـ(شرُّ البليّة ما يُضحك) ستكون منسوبة لبائع (مواد التنظيف) في احدى الدول العربية, فقد دارت الأيام وأصبح هذا البائع محلل استراتيجي لجائحة فيروس كورونا, حيث أطلق هذا المحلل الاستراتيجي وهو غير مختص بذلك أطلق التغريدات المضحكة والتي تتعلق بمعادلات انتشار فيروس كورونا والنسب المئوية المرتبطة بها وفي كل مرة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن, اي ان التحليلات في واد والواقع في واد آخر, وذات يوم سأله احد المهتمين بفيروس كورونا سؤال كان حول موعد توقف انتشار فيروس كورونا, فأجاب المحلل الاستراتيجي خلال ثلاثة اشهر, وبعد ثلاثة اشهر والتي زاد معها انتشار هذا الفيروس وتضاعف العدد عاود السائل وطرح نفس السؤال السابق عليه فقال له (هو بعدوا ما توقف الفيروس) فقال السائل: لا وأردف قائلا: (شرُّ البليّة ما يُضحك).
هذه المرة اقول نعم (الضحك من غير سبب قلة ادب), فنحن نضحك لأسباب حقيقية مضحكة, فعندما تجد نماذج كثيرة من هذا النوع فإنك تغرق في الضحك, فللأسف الشديد العالم العربي أنتج نماذج كثيرة من هذا النوع, فتجد من يتحدث في الاوردة والشرايين الدموية وهو غير متخصص في الطب ولا في الصيدلة, وتجد من يتحدث في انعكاسات السياسة على الاقتصاد وهو غير متخصص لافي السياسة ولا حتى في الاقتصاد, وتجد من يتحدث في أبعاد قصة يوسف الاجتماعية وهو غير متخصص في الشريعة ولا في قصص الأنبياء,..انها مهزلة ونقص وانكفاء في منظومة القيم والاخلاق.
في عالمنا العربي اكثر من (بليّة), والبَلِيَّة يا سادة يا كرام هي الناقة التي كانت تُعْقَلْ عند قبر صاحبها، فلا تُسقى ولا تُعلف حتى تموت, حيث كانت العرب في الجاهلية تعتقد أن صاحبها سيركبها عند البعث,..فـ(بليّة) العرب اليوم قد تجدها في عدة نماذج وعدة اشكال, ومن اكثرها اثارة للضحك هو ان تنقل شيء او ان تتحدث بشيء لا تدرك معناه, فانت في هذه الحالة لم ُتسقي ولم تُعلف الفكرة التي تنقلها او تتحدث بها, وبذلك تكون قد قتلت تلك الفكرة تماما كالناقة التي كانت تُعْقَلْ عند قبر صاحبها، فلا تُسقى ولا تُعلف حتى تموت, وهذه جاهلية ما بعدها جاهلية يا أولي الألباب.
اطلاق الاشاعات او الترويج لها هي بحد ذاتها (بليّة), والتحريض على امن الدولة وامانها هي بحد ذاتها (بليّة), واثارة الفتن في المجتمع هي بحد ذاتها (بليّة), وترسيخ الإقليمية والمذهبية والطائفية والفئوية والعنصرية في الأمة هي بحد ذاتها (بليّة), فتلك البلاوي يدمر ويقتل هؤلاء الأشياء والعقول والانفس زاعمين بذلك انهم فقهاء وعلماء ومثقفين ومصلحين,..واكثر من ذلك زاعمين بتحليلاتهم الاستراتيجية انهم أضافوا معلومة جديدة للبشر لم تكن موجودة من قبل, وان تلك المعلومة مهمة جدا للبشر, وبدونها تتوقف الحياة على الأرض..أعانهم الله على عقولهم المتآكلة!
شرُّ (البليّة) ما يُضحك, في وزارات التربية التعليم في عالمنا العربي, وفي وزارات الصحة في عالمنا العربي, وفي وزارات الإعلام في عالمنا العربي, وفي وزارات الأوقاف في عالمنا العربي, نعم شرُّ (البليّة) ما يُضحك في المجالس والاسواق والمقاهي والصالونات السياسية في عالمنا العربي,..والغريب العجيب ان العالم العربي اليوم يضحك, وباقي العالم يتباكون, ويبدو ان هرمون الضحك في عالمنا العربي فيه فائض, والسؤال المحوري هنا هل يمنكن لنا استثمار ثقافة الضحك في قادم الأيام كي نسترد شيء من كرامتنا.
وبعد, شرُّ (البليّة) ما يُضحك انتقلت الى حبل الغسيل في عالمنا العربي..