العميد المتقاعد الدكتور عديل الشرمان - النجاح بحد ذاته يتطلب نظرية ناجحة يتبعها تطبيق ناجح ودقيق، وأي خلل فيهما يقود إلى نتائج سلبية، لذلك فمن المهم جدا أن يكون المنظّر على دراية ووعي كامل وكاف بكيفية وإمكانية التنفيذ وتحدياته، ولا يساورني شكل في أن الحكومة تحسن التنظير أحيانا كثيرة، لكنني لست واثقا من قدرتها على التنفيذ من غير تعثر في كثير من الأحيان.
لا يختلف اثنان على أهمية وضرورة خدمة العلم في إعداد جيل من الشباب أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة، وعلى دورها المؤكد ومدى الحاجة إليها في تعزيز منظومة القيم والأخلاق والانضباط لديهم، وصقل هويتهم الوطنية، ومكانتها الرفيعة تلك في منظومة الأمن الوطني والاجتماعي تتنافى كليا، وأبعد بكثير من النظر إليها كأحد الحلول المؤقتة لمشكلة البطالة، لأن ذلك تقليلا وتحجيما لدورها في منظومة الأمن الوطني والاجتماعي، وهذا يقودنا بالتالي إلى استنتاج مفاده أن الهدف الأساس من خدمة العلم والذي به يتحقق أهدافها يكمن جله بالفترة التدريبية في القوات المسلحة والتي يجب أن تشمل الجميع باستثناء فئات محددة جدا، حتى يصبح الحديث عن معانيها ومدلولاتها حديثا مقنعا، وتحقق أهدافها ومضامينها على أفضل وجه.
ومن منظور أمني فإن خدمة العلم ربما ستكون محطة فارقة وحلقة مهمة في منظومة الأمن والاستقرار، وربما تسهم في الحد من الجريمة والانحرافات السلوكية لدى فئة من الشباب تلك الفئة التي كان ينقصها التوجيه والإعداد الجيد، وستسهم في تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عند بعضهم، خاصة إذا اشتملت برامجها على محاضرات في مجالات الوقاية من المخدرات والجرائم الالكترونية ومهارات الاتصال وتعزيز ثقافة الحوار..الخ، ومن المحتمل أن تكون خدمة العلم في فترة التدريب العسكري منها فرصة لبعض الشباب من مدمني المواد المخدرة للإقلاع عنها في حال تم ضبط عملية التدريب على نحو دقيق، ولا أشك في إمكانية الوصول إلى هذا الهدف بالنظر إلى أن القوات المسلحة التي تتميز باحترافية ودقة عالية ستتولى الاشراف على تنفيذ هذه المهمة.
وبالنظر إلى المعايير التي استندت إليها خدمة العلم الإلزامية وفقا لما أعلنتها الحكومة وخاصة فيما يتعلق: بمن يعمل، والمقيم خارج المملكة، ورب الأسرة، فإن كثيرا من الشباب والأهالي يشددون على ضرورة تنفيذ هذا المشروع الوطني بشمولية، وأن لا يكون قصرا على فئة معينة من أبناء الوطن، إذ لن يجد الأغنياء والمقتدرون من غير المدركين لفوائدها صعوبة في إلحاق أبنائهم بأعمال تمكنهم من عدم الالتحاق بخدمة العلم، أو توفير اقامة لهم خارج المملكة، وستدفع ببعض الشباب للزواج مما يعني زيادة معاناة البعض منهم ماديا، وسيذهب البعض من الطلبة على مقاعد الدراسة لمتابعة ومواصلة دراستهم الجامعية العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه حتى بلوغ السن الذي يمكنهم من تجاوز الخدمة، ولهذا بعض الآثار السلبية على المسيرة التعليمية، ويزيد من الأعباء المادية حتى على الأسر ميسورة الحال.
وبناء على ذلك يمكن الحد من هذه الإشكاليات والصعوبات التي ربما ستواجه عملية تطبيق الخدمة في صيغتها الجديدة من خلال مناقشة المقترحات التالية:
أن تكون خدمة العلم الزامية للجميع ضمن الفئة العمرية المحددة باستثناء توفر شروط، الأبن الوحيد لوالديه، والدراسة، والحالة الصحية.
أن يقطع الشاب العامل عمله لمدة ثلاثة أشهر وهي فترة التدريب العسكري في أي وقت خلال المدة العمرية المحددة الممتدة لعدة سنوات، على أن يتم الزام أرباب العمل باعتبارها اجازة غير مدفوعة الراتب، ويعود بعدها إلى نفس مكان عمله لاستكمال مسيرة التدريب المهني والممتدة لمدة تسعة أشهر وضمن ترتيبات تشرف عليها وزارة العمل.
أن يقطع المقيم اقامته في الخارج في أي وقت يراه مناسبا ومتاحا طيلة الفترة العمرية الممتدة لسنوات بحيث تقتصر خدمة العلم لديه على فترة التدريب العسكري والتي يمكن خفضها في حال دعت الضرورة لذلك.
أن يتم تأجيل خدمة العلم للطالب على مقاعد الدراسة حتى انتهاء المرحلة الجامعية الأولى على أن يلتحق بفترة التدريب العسكري من خدمة العلم بعد انتهاء هذه المرحلة الدراسية، وأن تقتصر خدمة العلم على هذه الفترة الممتدة ثلاثة أشهر فقط للراغبين بإكمال دراساتهم العليا، وهذه المدة القصيرة لا تؤثر على سير الدراسة، وبذلك يتحقق الهدف المأمول منها، وتصبح مشروعا وطنيا بامتياز.