زاد الاردن الاخباري -
على الرغم من اصرار وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو بالتهديد باغلاق سفارة بلاده في بغداد ردا على الهجمات الصاروخية المتكررة عليها، الا انها ليست جدية او حقيقية، واكثر ما يقال عنها تهديدات فارغة وجوفاء لها اهداف اخرى.
منذ وصول ارئيس الاميركي دونالد ترامب الى سدة الحكم اطلق عدة تهديدات وجملة من الوعود على رأسها الانسحاب من سورية، والانسحاب من افغانستان، وحتى الانسحاب من العراق، الا انه لم ينفذ من ذلك شيئا، ويبدو ان تلك التهديدات من بومبيو تصب في سياق التصريحات الزائفة والكاذبة من ادارة البيت الابيض سيما وانه تحدث عن نقلها بعدتها وعتادها وموظفيها من بغداد الى اربيل.
يضع المراقبون تهديدات بومبيو في سياق محاولة وضع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في وجه المليشيات والفصائل الشيعية المدعومة من ايران والتي تسعى للانتقام لقائدا فيلق القدس قاسم سليماني والزعيم المليشياوي الشيعي ابو مهدي المهندس اللذان قضيا في قصف اميركي على سيارتهما في بغداد في 3 يناير2020.
الفصائل الشيعية التي ثارت طلبا للانتقام في كافة اماكن التواجد الاميركي سواءا داخل العراق او في سورية، ستكون في مواجهة رئيس الوزراء الذي يتبع الطائفة الشيعية ايضا، وهذا سيشق الصف الشيعي، فكما يوجد مؤيدون لرئيس الوزراء، فان هناك مثلهم وربما ضعفهم يقفون ويساندو المليشيات المقاتلة، وهذه الازمة ستضع العراق في دوامة عنف داخلية وحرب اهلية بعد ان وحدت صفوفها بشق الانفس لمحاربة داعش والارهاب، والمؤكد ان ايران ستستغل هذه الفرقة وهذا الظرف لتعمق الجراح العراقية في سبيل اضفاء سيطرتها وسطوتها على هذا البلد.
تدرك واشنطن ان تلك الضغوط على بغداد تعارض سياسات الكاظمي وتزيد الاصطفافات ضده، وترفع منسوب معارضيه، وتمنع الحياديين من تأييده، ويترك الساحة المفككة والمفتتة عرضة للافتراس الايراني.
في هذه الظروف، وهذا المنحى الخطير، والتهديد من كل صوب وجانب على العراق، فان على حكومة الكاظمي تنشيط وتفعيل وتمتين السياسة العراقية مع المحيط وخاصة دول الجوار، وتقوية الروابط الاقتصادية والسياسية والتنسيق الامني، والاستعادة بالدول الاقليمية الفاعلة التي لها باع طويل ومعرفة في الساحة العراقية وطبيعة المجتمع العراق، والجدير بالذكر التعاون الاردني الروسي في اطار برنامج النفط مقابل الغذاء ، حيث تعاملت الدولتان المذكورتان بذكاء وتفاني وتنظيم محكم مع العراق.
كما يجدر بالحكومة العراقية تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية والامنية مع سورية ومصر والاستفادة من خبراتهما وامكانياتهما سيما فيما يتعلق بمشروع التزيود بالطاقة والربط الكهربائي حيث ان الاردن لديه فائض في انتاج الكهرباء وبالامكان الاستفادة منه من خلال المنطقة الحدودية المشتركية الاردنية السورية العراقية.
خلال المرحلة المقبلة ستعمل دول غربية للانقضاض على العراق محاولة حاجته لنجدة خارجية، وقد حاول الرئيس الفرنسي واعضاء في الحكومة البريطانية مد الجسور مع بغداد وحكومة الكاظمي، الا ان تلك الدول ليست ذا خبرة في التعامل مع اهل البلاد وسياسته الحديثة، والهدف من محاولة تغلغلهم الضغط على تركيا ومحاصرتها ، خاصة بعد ان تمددت انقره في افريقيا مقر النفوذ الفرنسي والبريطاني.
ولكن لماذا من شبه المستحيل نقل السفارة الاميركية من بغداد الى اربيل؟
تعد السفارة الاميركية في بغداد الاكبر في المنطقة، من حيث المساحة وعدد الموظفين، وبالارقام فقد بلغت تكلفة هذا البناء 92 مليون دولار يمتد على مساحة دولة بحجم الفاتيكان بل يتجاوزها، ويقوم على 104 أفدنة، وهي أكبر بست مرات من المساحة التي يحتلها مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، وهذا ما يجعلها أكبر سفارة في العالم من حيث الحجم والتكلفة وفيها نحو 3 الاف موظف.
ويضم المجمّع 27 بناية منفصلة ومنزلا، لـ 615 أمريكيا،ً مع سقوف وجدران ضد التفجيرات
كما فيها مقرات سرية وثكنات لقوات المارينز تقوم على حمايتها وتعتبر بمثابة "دولة" داخل الدولة العراقية، تشمل مرافق ترفيهية كأحواض السباحة، وأماكن رياضية وأماكن تسوق، ولها طاقتها الكهربائية والتجهيزات المائية الخاصة بها، ما يثير تساؤلات حول الغرض الحقيقي منها وهل تنوي الولايات المتحدة فعلا الانسحاب من العراق أم أنها تخطط لوجود طويل المدى يمتد لعشرات الأعوام، حتى لو جرى الإعداد لانسحاب "صوري" لقوات الاحتلال الأمريكية من ميادين المعارك اكتفاء بجهود العملاء العراقيين، والتحصن داخل قواعد وثكنات عسكرية دائمة.