تجربة غير مسبوقة مشاركة الأحزاب القومية واليسارية الستة، في إطار من التحالف والتنسيق فيما بينها، بهدف خوض انتخابات مجلس النواب الأردني التاسع عشر.
تجربة جديدة، أملتها معطيات موضوعية تتمثل بالضغوط السياسية على بلادنا، إقليمياً ودولياً، وضغوطاً داخلية أوصلتنا لحالة صعبة معقدة، زادت من نسبة الفقر والبطالة، ومن حجم المديونية، وعجز متراكم في الموازنة، في ظل أجواء الوباء الكريه القاتل المعطل لدورة الحياة، المدمر صحياً واقتصادياً واجتماعياً.
معطيات فرضت على طرفي المعادلة إيجاد فرص التخاطب والتفاهم والشراكة بين مؤسسات الدولة الرسمية من جهة، وبين الأحزاب السياسية المعارضة منها بشكل خاص من جهة أخرى، عبر المؤسسات وليدة الخيار الشعبي، والانتخابات عبر صناديق الاقتراع:
1- مجالس البلديات، 2- مجالس المحافظات، 3- مجلس النواب.
الحزب أي حزب إذا كان متمسكا بالمعايير والضوابط والقيم الدستورية، وأدواتها المدنية السلمية الديمقراطية، غير الانقلابية، يعتمد على الناس في تظهير قدراته، وأهمية برنامجه، ونظافة يد من ينتسب إليه، وصولاً إلى مؤسسات صنع القرار التشريعية والتنفيذية، عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع، فهي الوسيلة الحضارية الديمقراطية للاستفتاء على مكانة الحزب وبرنامجه وقيادته.
ولذلك وجب على الأحزاب بصرف النظر على مبادئها الإسلامية أو القومية أو اليسارية أو الوسطية الوطنية عامة، ممارسة دورها ووظيفتها واختبار كوادرها وزج قواعدها في العمل السياسي الجماهيري عبر الانتخابات، وهذا هو الهدف الأول من انحياز الأحزاب للمشاركة في الانتخابات أي انتخابات جماهيرية.
وثاني أهدافها الدعوة لبرنامج الحزب وإشاعته وتعميمه، من خلال عرض البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكسب عناصر جديدة من بين صفوف النشطاء الذين يستجيبون لأداء عرض الحزب وكوادره وبرنامجه من بين صفوف عامة الناس.
ثالثاً ثمة تراث سلبي تم زرعه في أذهان الأردنيين منذ مرحلة الأحكام العرفية، لا زال عنواناً سائداً يجب تغييره، وتطويره باتجاه إعادة النظر نحو الأحزاب السياسية وتقديرها حيث يتميز المنتسبون الحزبيون لها، لعاملين:
أولهما العمل الجماعي وروح الفريق، فالإنسان الحزبي لا يستطيع العمل بمفرده وحسب رغبته ومصالحه ورؤيته الشخصية، بل وفق منظومة عمل جماعي تعّود عليها والتزم بها.
ثانيهما إيمانه بالعمل التطوعي، فهو يسعى لخدمة المجتمع، ويترتب عليه التزامات على حساب وقته ومن جهده، لا ينتظر المكاسب بديلاً عنها، ولهذا مطلوب تعميم فهم ثقافة العمل الحزبي بين صفوف الأردنيين.
رابعاً تواجه الدولة الأردنية تحديات، واستحقاقات صعبة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، وهي بحاجة لكل أشكال توسيع قواعدها الاجتماعية، وخاصة من قبل شرائح متقدمة في ثقافتها ووعيها، وعلى هذه الخلفية استجابت لشروط ترخيص الأحزاب وتشجيعها ودفعها نحو العمل العلني المطلوب، وهو رصيد لها وطنياً ودولياً، تحتاج من خلاله اكتساب توجهاتها المصداقية المطلوبة، منذ المصالحة الوطنية في بداية التسعينات بين الدولة والمعارضة، وتشكيل لجنة الميثاق الوطني، وعقد المؤتمر الوطني في 10/10/1991، وحتى يومنا هذا الذي يحتاج لأدوات خلاقة متجددة تعيد للجبهة الداخلية ألقها وتماسكها ووحدة توجهاتها في ظل احترام التعددية وصونها والحفاظ على تعبيراتها.
مشاركة الأحزاب القومية واليسارية ليست نقيضة لأي قائمة سياسية، مهما تماثلت واقتربت منها، والتحدي للقوائم المتعددة كسب انحيازات جماهيرية جديدة، لعل مشاركة ائتلاف الأحزاب اليسارية والقومية تؤدي هذا الدور وهذا الحافز ليس على حساب أصدقاء لهذه التوجهات السياسية، بل إضافة لها.