زاد الاردن الاخباري -
ترنحت تماماً، وكما لم يحصل من قبل، منظومة البلطجية وفارضي الإتاوات في الشوارع والأزقة والأحياء الأردنية تحت وطأة عملية أمنية مكثفة وشرسة تحظى بغطاءين سياسي وشعبي.
لكن تلك المنظومة التي طالما أدهشت الرأي العام وتسببت لسنوات في حيرة المراقبين، ستعيد بدورها وهي تترنح الآن إنتاج العديد من المعادلات الحساسة ليس في بنية «بزنس» غير شرعي يدير ملايين الدنانير تحت الأرض وخارج القانون فقط، ولكن أيضاً على صعيد استعراضات زعران الشوارع وأعوان بعض مرشحي الانتخابات وعلى صعيد عملية ابتزاز قديمة طالما سكتت عنها بالماضي السلطات لأسباب غامضة لرجال الأعمال وكبار المستثمرين.
وبكل حال، أعلن مدير الأمن العام الجنرال حسين حواتمة، بأن حملة جهازه الصلبة متماسكة وستتواصل، فيما زار رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة مديرية الأمن العام لمباركة الحملة ودعم الغطاء السياسي والحكومي لها.
ويبدو أن الحكومة بدورها ستسارع للقيام بواجب «تشريعي» طالما تملصت منه حكومات الماضي أيضاً، ويقضي بتعديل التشريعات الناظمة لأنماط الاعتقال الأمني والإداري بصورة تحرص على بقاء عصابات الأشرار وفارضي الإتاوات خلف القضبان وبعيداً عن إيذاء المواطنين وأعمال السوق.
محاولات الإعاقة ويعلم الجميع بأن رواد ورموز العالم السفلي من بلطجية الأردن طالما استغلوا في الماضي ثغرات في القوانين تتيح لهم مغادرة السجن والإفلات من العقوبات الصارمة، حيث كلفة الاعتداء على المجتمع وترويع المواطنين أقل بكثير من مكاسب العمل غير الشرعي.
عملياً، تعهد الخصاونة بأن تقوم حكومته بواجبها تشريعياً وفي أسرع وقت ممكن.
كما قرر وزير الداخلية توفيق حلالمة، التعميم على جميع الحكام الإداريين الالتزام بقانون منع الجرائم الذي يمنع الحاكم الإداري من الإفراج عن أي شخص مطلوب أو بلطجي إلا بقرار خطي من وزير الداخلية.
وكان الجنرال الحواتمة، قد توجه للحكومة وسلطات القضاء بطلب المساعدة والتعاون حتى يبقى أرباب السوابق بعيداً عن الحياة الطبيعية والمجتمع، ملمحاً إلى قصور ما في الجانب التشريعي والإداري، وهي ثغرة تعهد الخصاونة بمعالجتها، الأمر الذي يعني بأن عوالم الاستثمار في البلطجة والتعاون مع المحكومين والمطلوبين تلفظ عملياً وتشريعياً وأمنياً وسياسياً الآن أنفاسها الأخيرة.
وهي عملية من مصلحة أكثر من طرف وجهة «إعاقتها» الآن عبر التأشير مرة على مخاطرها الحقوقية ومرات على الاستثمار فيها، لضرب حريات الرأي ضمن مسلسل حجج لا يصمد أمام المجتمع ولم يعد قادراً على التعاطي معه، خصوصاً بعد جرائم بشعة رصدت مؤخراً، من بينها تقطيع يدين وفقء عينين وضرب على الرقبة بسيف حاد وعمليات طعن.
والأهم والأعمق في هذا السياق، أن التفاعل الإلكتروني والمنصاتي مع عملية الأمن التي يؤيدها الأردنيون بمختلف مكوناتهم بعد معاناتهم مع المتسببين بترويعهم.. أظهر وجود عدد ضخم من المجاملات والاتصالات، لا بل الصور بين بلطجية معروفين وشخصيات بارزة في الطبقة المخملية، الأمر الذي ستظهر ملامحه لاحقاً على المستوى السياسي والاجتماعي وحتى الانتخابي والاقتصادي، خصوصاً بعدما تجاوزت كلفة التغاظي عن البلطجية طوال سنوات الكلفة التي يمكن للدولة هذه المرة أن تدفعها.
في السياسة
لذلك، وعلى أكثر من مستوى، يمكن القول بأن منظومة بزنس البلطجية التي تترنح الآن في الأردن، تمشي على أعصاب مشدودة لأنها -لو اكتملت - ستؤدي إلى تغيير كثير من «مألوفات وكلاسيكيات» سبق أن استقرت لسنين في عمق المؤسسة الإدارية، وأحياناً الأمنية والبيروقراطية، حيث التساهل والتواطؤ ومشكلات التشريع بالجملة، وفي الكثير من الاتجاهات الحرجة.
سياسياً، من المبكر القول بأن الحملة الأمنية، التي تقرر أن تكون «علنية» وأحياناً مصورة ويرصدها المجتمع ومكشوفة على الجميع أكثر وأعمق من رسالة، لها علاقة بالبعد الأمني فقط، فالمتضررون أو الذين تكشف لعبة بلطجية الشارع تحالفاتهم كثر، وبعضهم موظفون في الإدارة، وأحياناً متزعمون لحملات ولاء مسموم بات واضحاً أن الظروف لا تسمح بها الآن، لأنها أصبحت مكلفة جداً وللغاية بمجرد صدور تصريح عن الأمم المتحدة تعبر فيه عن صدمتها من جريمة «فتى الزرقاء» في بلد تجوب قيادته العالم، وهي تسعى لتسويق ملف الاستقرار الأمني والعام.
تجاوز أرباب السوابق في الشارع كل الحدود بعدة جرائم علنية مستفزة جداً وتقضي على ما تبقى من مصداقية الثقة بين الدولة والناس.
بالتالي، كان الرد واجباً، وقرر جنرال صلب في المؤسسة الأمنية هو حسين حواتمة، تحمل كلفته لا بل قرع جرسه الأول قبل أن تلحق بمديرية الأمن العام المشتبكة لـ»إصلاح وضع مختل وقديم» بقية أذرع الدولة من حكومة ومؤسسات تشريع وقضاء وأجهزة إدارية، بانتظار أن تقرر وتقدر موقفها وخطوتها التالية بقية أطراف الدولة العميقة، وعلى أساس قناعة جميع الأردنيين اليوم بأن بعض «تضحيات العادات القديمة» ينبغي أن تقدم وفوراً وبلا تردد، فلا أحد بعد الآن يستطيع «إخفاء حقيقية» الوجه البشع لكلفة التواطؤ مع عوالم مجرمي الشوارع.
ولا أحد يستطيع بالمقابل، توجيه «أي لوم» لجهاز أمني اجتماعي عمل بمقايس وطنية وسياسية وقرر «التصرف» بمواجهة «خلل قديم» وبصلابة أحرجت الجميع في الدولة والمجتمع، ويصفق لها اليوم الناس باحترام بعد طول معاناة، كما يصفق لها القصر الملكي ورموز الحكومة.
ملف بلطجية الأردن لا علاقة له فقط بالجانب الأمني والقانوني، فالتعقيدات مع تلك المنظومة أعقد بكثير.
والأيام المقبلة سيستمر التدحرج، وتظهر واحدة من تجليات وقوف القرار الرسمي الأردني وبصورة نادرة مع «الحقيقة كما هي» عبر سلسلة محظورات لا بل أسرار تغافل، أو تعامى عنها الجميع في الماضي.