مع استنكارنا الشديد لإعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم وتصريحات صادرة عن الرئيس الفرنسي ماكرون استفزت بعض المسلمين، إلا أن بعض الجماعات والحكومات الإسلامية في مواقفها الأخيرة تجاه فرنسا والتي وصلت للمطالبة بمقاطعة البضائع الفرنسية لا تنطلق كلها من منطلق الغيرة على الإسلام ونصرة للرسول الكريم، بل كانت مواقف مسيسة تندرج في سياق تحقيق مصالح وأهداف سياسية خاصة بجماعات ودول إسلامية للهروب من أزماتهم الداخلية وتكريس صورة أو اعتقاد بأنهم الأكثر غيرة على الإسلام والمسلمين أو أنهم عنوان الخلافة الإسلامية.
لا شك أن كتب التاريخ كما الذاكرة الحية للعرب والمسلمين ما زالت تحتفظ بتاريخ استعماري غير مشرف لفرنسا في الجزائر وعديد الدول العربية والأفريقية، ودورها في العدوان الثلاثي على مصر وفي دعم الكيان الصهيوني حيث بنت إسرائيل أول مفاعل نووي عام 1957 بمساعدة فرنسا الخ، ولكن فرنسا هذه بتاريخها المُشار إليه والتي يهاجمونها اليوم هي التي قامت فيها الثورة الفرنسية التي نادت بالحرية والمساواة والعدالة، وهي التي قال عنها الشيخ محمد عبده عندما عاد لمصر بعد حضوره مؤتمرا في باريس عام ١٨٨١: “ذهبت للغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكنني لم أجد إسلاماً". وهي فرنسا والغرب الذي يحج إليهما طلاب العلم والعمل والحياة الكريمة من المسلمين وغير المسلمين، وفيها وفيه أهم العقول والخبراء والمبدعون العرب والمسلمون أو منهما تخرج هؤلاء.
هؤلاء الذين ثاروا وهاجوا وماجوا لنشر رسوم مسيئة للرسول الأكرم لم نشاهد أو نسمع عن غضبهم فيما المسلمون يهانون ويجوعون ويُقتَلون في بورما وفي أكثر من بلد من بلدان العالم، ولم نسمع أو نشاهد غضبهم والصهاينة يدنسون المسجد الأقصى ويجعلون من القدس عاصمة لهم، ولم يغضبوا ويثوروا وعشرات المساجد يتم تدميرها وتدنيسها على يد جماعات إسلاموية وبتم قصفها من جيوش دول إسلامية، بل إن هؤلاء الغاضبين من نشر الرسوم المسيئة للرسول الأعظم هم أنفسهم يشاركون أمريكا والغرب في قتل المسلمين وتدمير أوطانهم في سوريا وليبيا والعراق واليمن.
كثير من المسلمين ومن هذه الجماعات الإسلاموية الغاضبة هربوا من ديار المسلمين ولجأوا إلى ديار فرنسا وديار الغرب النصرانية حيث وجدوا الأمن والأمان وحرية ممارسة شعائرهم ونشاطهم الديني بل والسياسي. كما أن تركيا الأكثر ردة فعل على الموقف الفرنسي هي عضو في حلف الأطلسي ومن أكثر الدول الداعمة والممولة للفوضى والخراب في سوريا والعراق وليبيا، ولو لم تكن خلافات سياسية بين تركيا وفرنسا حول النفط والغاز والنفوذ في شرق المتوسط ما كانت اتخذت هذا الموقف تجاه فرنسا.
إن ما يسيء للإسلام والمسلمين ليس رسوماً مسيئة للرسول لأن الرسول أكبر وأعظم من أن تسيء له رسوم أي كان صاحبها، والإسلام لن يتأثر بتصريحات وقوانين تضعها الدول الأجنبية حماية لأمن واستقرار بلدانهم حتى وإن رأى فيها المسلمون حداً من حرية ممارستهم لشعائرهم الدينية، الإساءة الحقيقية للإسلام والمسلمين مصدرها المسلمون أنفسهم وما يمارسونه في بلدانهم ضد بعضهم البعض، وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية شاهد على ذلك بالإضافة إلى سجلات المعتقلات والسجون وقوائم القتلى والمخطوفين غير المصرح بهم، ولا داع للهروب من الواقع ومن الأسباب الحقيقية لسوء أحوال المسلمين والسمعة السيئة التي تلاحقهم من خلال افتعال صدامات مع فرنسا أو غيرها.
للأسف فإن هذه الهوجة حول الرسوم المسيئة للرسول وطريقة تعاطي بعض المسلمين معها تؤدي لنتائج لغير صالح الإسلام والمسلمين وتنشر صورة سلبية عن الإسلام ورسالته السامية كدين عمل وإعمار الأرض لإعلاء شأن المسلمين ليكونوا خير الأمم في انجازاتهم واحترامهم لكرامة الإنسان وفي سماحته وتقبله للآخر، كما أنها تحوله إلى دين شكلاني يهتم بالمظاهر ويتم الحكم على المسلم من خلال لبسه وشكله الخارجي و انفعالاته العاطفية وليس من خلال عمله وما يقدمه من أجل إعلاء شأن الإسلام والمسلمين.
ليس هذا القول دفاعاً عن فرنسا ولكنه دفاع عن الإسلام الحقيقي ودعوة لتحكيم العقل في علاقة المسلمين بغيرهم من الدول وأصحاب الديانات ورفض لأن يتنطع البعض لينصِّب نفسه مدافعاً عن الإسلام الذي استمر راسخاً وينتشر عبر القارات طوال أكثر من ألف وأربعمائة عام.
Ibrahemibrach1@gmail.com