زاد الاردن الاخباري -
حلم يراود طلابا كثيرين، فكرة تتسلل إلى خيال الواحد منهم، فيغرق مجددا في دراسة مناهج شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي)، خطوة مهمة تضعهم أمام أول عتبات السفر إلى الخارج.
مَضى كل منهم بلهفة وتوق كبيرين إلى تلك اللحظة، ردهة طويلة تقودهم إلى مكتب كبير في عمان، بصمت يحاول آدم وحمزة وطلال أن يخفوا ملامح الفرح التي تعتلي وجوههم.
يحدقون في تفاصيل المكان وأعينهم لا تفارق المدخل، أسئلة كثيرة يكتبونها في دفتر صغير، تمسكه أيديهم بحرص وقلق.. دخل المكتب رجل مُسرع، ألقى نظرة وجلس خلف الطاولة، حمرة شديدة تكتسي ملامح الطلاب، تلألأت أعينهم فرحا وكاد الحماس يختنق بين انفعال وقلق وأسئلة كثيرة لا حصر لها.
كان صاحب المكتب كثير اللطف شديد الرقة في أجوبته، يتأتئ بين الحين والآخر، لكنه سرعان ما يمسك ورقة أمامه، ويتلوا منها تفاصيل السفر وتكاليفه.
جلس آدم وزملاؤه مأخوذين بتفاصيل الرحلة والدراسة، إجراءات كثيرة سبقت موعد السفر، حتى وصولهم إلى مطار أنقرة، الأسبوع الماضي، انتظروا طويلا يحملون لافتة كُتبت عليها أسماؤهم والمكتب، لعلَّ المندوب المنتظر يتعرف عليهم ويصطحبهم إلى المدينة المتفق عليها “كرابوك”. بعد انتظار وتعب، تبدلت قسمات وجوههم واختلفت نبرة أصواتهم، وراحوا يبحثون عن شخص يتحدث العربية، يساعدهم في هذه الورطة، وجدوا لأنفسهم مخرجا، ضم كل منهم يديه إلى صدره بابتهال وقال في سره، “أأنت خائف من ضياعك في هذا المكان!! لا تخف فالله معك”.
في اليوم الثالث تمكنوا من التواصل مع عائلاتهم، كانوا لا يملكون مكانا ينامون به، يسيرون في الشارع على غير هدى، بلهجة متخاذلة وموجعة بدت خلالها ملامح التعب عليهم، راحوا يقولون بصوت متقطع، “ماذا نفعل؟”. لم يخطر في بال الأسرة بأنهم تعرضوا للنصب والاحتيال من صاحب المكتب، راجعوا معه تفاصيل كل شيء تم الاتفاق عليه، لكنه كان ماكرا إلى حد جعله يتنصل.
لقد تكبدت عائلة آدم مقابل سفره ما يقارب 3 آلاف دينار وطلال أيضا، أما حمزة فخمسة آلاف لم تدفع العائلة منها حتى اللحظة إلا ألفي دينار اعترف بها صاحب المكتب كمقابل للحصول على مقعد دراسي.
تقطعت أمام الطلاب سبل الأمل، بعد أن ساعدتهم مجموعة من الشبان الأردنيين في الحصول على مأوى ومتابعة الإجراءات الجامعية، تيقنوا بأنَّ لا مقعد للدراسة في الجامعة، فباتوا ملزمين بدفع تكاليف الحصول على مقعد للدراسة في الجامعة، بالإضافة إلى اللغة والمعيشة والسكن مرة أخرى، بعد أن خسروا المبلغ الذي دفع للمكتب داخل عمان.
لقد كان لوقع الأمر في النفس أثر موجع وشديد، لا يستطيعون الإفصاح عنه، يخنقهم الخذلان كطعنة السكين في الجوف، شفاههم ترتجفُ بعنف وهم يشرحون ما حصل، كان التفكير بالأمر والحديث عنه لا ينقطع، حتى أنهم لم يندهشوا أو يرتعدوا لمعرفتهم بأن المكتب قد احتال على طلاب آخرين.
الدكتور المعتمد لدى عدة جامعات في تركيا، مصعب الصرايرة، أكد ما جاء في قصة الطلاب الثلاثة، مقدما العديد من الأوراق التي تثبت تعرض الكثير من الطلاب الأردنيين الوافدين للدراسة في تركيا لعملية النصب والاحتيال داخل المكاتب في الأردن، والتي توهم أسر الطلاب بتغطيتها لكل الرسوم الدراسية على مدار الأربعة أعوام، بالإضافة إلى تكاليف دراسة اللغة، واستقبالهم وتأمين سكن لهم.
تلك الأسر تم خداعها بالحصول على منحة حكومية للطلاب عن طريق ورقة ليست في أساسها إلا ورقة نجاح في امتحان يسمى بالـ”يوس”، يستطيع الطالب التقدم والحصول عليه بنفسه، ما يدفع العائلات لدفع مبالغ مالية كبيرة تصل إلى ما يقارب 5 آلاف دينار.
الصرايرة قدم نماذج لطلاب يثبت فيها أن الحصول على مقعد للدراسة في تركيا لا يتجاوز قيمته الـ300 إلى 500 دينار شاملا أتعاب المكتب، وما تبقى من تكاليف للأعوام الدراسية تدفع من قبل الطلاب مباشرة في الجامعة.
مدير وحدة تنسيق القبول الموحد والناطق الاعلامي باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مهند الخطيب، أكد أن الطالب وفي حال وقوعه ضحية لأحد المكاتب المعتمدة للوزارة، يتوجب عليه التقدم بشكوى رسمية لدى قسم متابعة الخدمات الجامعية بـ”التعليم العالي”، وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في حقه.
وقال إن الوزارة تعنى بمكاتب الخدمات الجامعية في حال مخالفتها لأحكام النظام والتعليمات المنصوص عليها، لتصل العقوبة حد إلغاء ترخيص المكتب بحسب أحكام نظام المكاتب رقم 72 لسنة 2017.
وأضاف إذا أقدم أحد المكاتب أو شخص غير المرخص له بالتغرير في أحد الطلاب الأردنيين، سيتم احالته إلى القضاء، موضحا بأنَّ الوزارة تتعامل مع 34 مكتبا مرخصا داخل المملكة معلنة عنهم على موقع الوزارة وآليات التواصل معها، للمحافظة على مصلحة الطلاب.
آدم وزملاؤه ما يزالون عالقين في تركيا، يحاولون بكل جهد الحصول على تسجيل للدراسة بشكل رسمي في إحدى الجامعات. من هذه التجربة يتوضح أقسى صور الاستغلال وأبشعها، حين يبدأ مستقبل الطالب بخدعة وغش يمارس باحتراف جشع باسم بعض المكاتب في الأردن.