الدكتور: رشيد عبّاس - مع يقيننا أن الهيئة المستقلة للانتخابات قد وضعت اللمسات الأخيرة ليوم الاقتراع, إلا أن المخاوف ما زالت قائمة حول انتقال حالات كبيرة من عدوى فيروس كورونا إلى صفوف المواطنين الابرياء يوم الاقتراع,..والحقيقة التي لا تقبل الشك أن يوم الاقتراع سيشهد تجمع بأعداد كبيرة من المواطنين في المقرات الانتخابية المنتشرة في جميع أرجاء المملكة, وسيشهد هذا اليوم أيضا نقل الآلاف المواطنين بالحافلات ووسائل النقل الاخرى, وسيشهد كثير من حالات الأخذ بالأحضان، وتوزيع مئات آلاف القبلات الحارة بين المواطنين, وسيكون لهذا الوضع سلبيات عديدة على أعداد انتشار فيروس كورونا.
في أمريكا وهم ليسوا مثَلنا الأعلى وليسوا قدوة لنا, لكن هناك ما نسبته الـ70 % من المسموح لهم بالاقتراع سيكون اقتراعهم من خلال البريد الالكتروني أي عن بعد, وذلك نتيجة لانتشار وباء كورونا, والمجتمع الأمريكي والحال هكذا ليس لديهم ثقافة التجمع بأعداد كبيرة في المقرات الانتخابية, وليس لديهم ثقافة نقل الآلاف المواطنين بالحافلات ووسائل النقل الأخرى, وأكثر من ذلك ليس لديهم ثقافة الأخذ بالأحضان، وتوزيع مئات آلاف القبلات الحارة فيما بينهم, نعم ليس لديهم ثقافة الأكل والشرب الجماعي بالعشرات أو ربما بالمئات وقد يصل الامر إلى الآلاف, ومع كل ذلك وضعوا نسبة معينة للاقتراع بالبريد الالكتروني, وهو قرار صاحب على الأقل من وجهة نظري.
كان الأولى بالهيئة المستقلة للانتخابات أن تضع آلية معينة تتمثل في تمكين كل من تتجاوز أعمارهم الـ60 عاما من سواء كان ذلك ذكورا أم إناثا على أن ينتخبوا عبر البريد الالكتروني أي الاقتراع عن بعد, وذلك نتيجة لتوسع دائرة انتشار فيروس كورونا, وأن هذه الفئة العمرية هي الاكثر احتمالية الإصابة, معتقدا أن هذا الأمر من شأنه تجنيب فئة عمرية كبيرة من خطر الإصابة بفيروس كورونا, ثم نكون قد خفّفنا من الازدحامات في مراكز الاقتراع والمقرات الانتخابية الممتدة على مساحة الوطن, وخفّفنا من الازدحامات على الطرق والشوارع الرئيسة, فضلا عن تخفيف الازدحامات المتوقع حدوثها في الحافلات ووسائل النقل الأخرى يوم الاقتراع.
الاقتراع عبر البريد الالكتروني يمكن ضبطه والسيطرة عليه والاعتماد على نتائجه, فالمسألة ليست محرمة, ولم تنزل آية في القرآن الكريم تؤكد على أن الاقتراع يجب ان يكون مباشرة وعبر صناديق الاقتراع, فالمرونة في التغيير والتجديد والتطوير في أساليب الاقتراع مطلوبة خصوصا عند وجود مستجدات كمستجد انتشار فيروس كورونا الذي أخذ بالتزايد مع اقتراب يوم الاقتراع, كيف لا ويتوقع أن يكون لدى كوادر الهيئة المستقلة للانتخابات عناصر قادرة على أتخاذ قرارات قوية تستوعب كل ما هو جديد ومستجد, وخلاف ذلك نحن بحاجة إلى تزويد هذه الهيئة التي نحترمها ونجلها ونقّدر جهودها بكوادر تدرس كل ما هو مستجد, لاتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية في ضوء انتشار فيروس كورونا.
آن الأوان أن نقف أمام مسؤوليتنا، حكومة وهيئة مستقلة للانتخابات ومواطنين، حتى لا ندفع ثمنا كبيرا لا قدر الله نتيجة لعدم وضع آلية جديدة ممكنة ليوم لاقتراع ، فالاستفادة من تجارب الآخرين وتكييف مثل هذه التجارب لتوائم واقعنا ومستجداتنا أمر مطلوب ولا يختلف عليه أثنان, والتمسك المطلق بالرأي ليس من سمات الهيئات المنفتحة والقابلة للتغيير والتطوير والتحسين,..فنحن مع إجراء الانتخابات لكن علينا أن نضع آليات تنسجم مع المستجدات والتطورات المحلية والعالمية, ومتابعة ذلك لحظة بلحظة.
اعتقد جازما أن الفرصة ما زالت سانحة أمامنا لتمكين كل من تتجاوز أعمارهم الـ60 عاما وللجنسين على أن ينتخبوا عبر البريد الالكتروني, أي الاقتراع عن بعد, وذلك نتيجة لزيادة عدد المصابين بفيروس كورونا في وطننا العزيز مع اقتراب يوم الاقتراع, فأعداد المصابين بفيروس كورونا لدينا تقترب نسبيا من عدد الذين أصيبوا في بلد المنشأ وهي الصين مع الفارق الكبير في عدد السكان!
حماية قطاع كبير من مواطنينا ممن تجاوزوا الـ60 عاما من الإصابة بفيروس كورونا هو واجب ديني ووطني, شريطة التزام هؤلاء الكبار بعدم التجمع في المنازل والبيوت والمقرات الانتخابية المنتشرة في جميع أرجاء المملكة, والابتعاد ما امكن عن المصافحات والأخذ بالأحضان، وتوزيع القبلات الحارة الى غير ذلك من ممارسات سلبية لها تأثير مباشر على انتشار هذا الوباء.
وبعد, ((قبة)) الصحة لا تعلوها اية قبة مهما علت وارتفعت أركانها..