زاد الاردن الاخباري -
لم تثن تفجيرات عمان الارهابية التي تعود بالذاكرة الى يوم أردني حزين قبل 15 سنة، وتصادف غدا الاثنين، التاسع من تشرين الثاني، الاردن قيادة وحكومة وشعبا من التصدي بكل قوة وحزم للفكر الارهابي المتطرف الذي لا دين له، عبر تعزيز منظومة التخطيط الأمني الاستراتيجي الاستباقي، الذي يهزم الارهاب في مهده، مجذرا أمن واستقرار الاردن كعلامة فارقة رغم المحيط الملتهب، وفقا لمعنيين.
كما لم تنل تلك التفجيرات العائدة لعام 2005 والتي طالت مرافق سياحية، وحصدت 60 شهيدا واكثر من مئتي جريح، من عزيمة الاردن ومنعته، وفقا لما يقوله معنيون لوكالة الانباء الاردنية (بترا)، بل خرج منها هذا البلد العصي على كل المؤامرات، أقوى وأكثر تلاحما ووحدة وتصديا وادراكا لأهمية محاربة ومكافحة الارهاب بكل السبل، وبات أكثر أمنا واستقرارا وقدرة على مواجهته عبر حزمة من الاجراءات والتشريعات والقرارات التي عززت منعة الاردن وثباته ومحافظته على المكتسبات والثوابت الوطنية.
وكان جلالة الملك عبدالله الثاني قد أكد غير مرة على أهمية التصدي للإرهاب ومحاربته، ومما قاله جلالته في مناسبة أممية "التصدي العالمي الفعال للإرهاب يتطلب عملا جماعيا مستمرا، لنكن واضحين، بالنسبة لجميع انتصاراتنا، فإن المعركة ضد هؤلاء الخارجين عن القانون، الخوارج عن الإسلام، لم تنته بعد، فالفوز في الحرب يتطلب نهجا شاملا طويل الأجل، يجمع بين الإجراءات الأمنية والمبادرات القوية التي تدعم الاندماج والأمل، على الإنترنت وخارجه، يجب علينا مواجهة كل، وأقول كل إيديولوجيات الكراهية، بما في ذلك الكراهية الموجهة ضد الإسلام".
يقول الفريق أول المتقاعد الدكتور توفيق حامد الطوالبة "حين نستذكر تفجيرات عمان الأليمة نترحم على أرواح جميع شهداء الوطن، مع تجديد التأكيد على الثقة والاعتزاز والفخر بجيشنا العربي واجهزتنا الامنية"، مستنكرا الارهاب الذي ترفضه الاديان السماوية كافة، مغلبة قيم التسامح واحترام كرامة الانسان والاعتدال والوسطية.
ويشدد في هذا السياق على ثبات موقف الاردن من الارهاب، عبر رؤى جلالة الملك عبدالله الثاني، والتي أولت عناية قصوى لمكافحته والفكر المتطرف، ومن خلال حث المجتمع الدولي للوقوف بشدة حيال هذا التهديد الخطير للإنسانية جمعاء، وتكريس وتعزيز نهج الحوار والاعتدال والفكر الاستراتيجي المبني على قيم ومبادئ الحق والعدالة.
ويضيف الطوالبة وهو مدير الامن العام الاسبق ان جلالة الملك ومنذ توليه سلطاته الدستورية حرص على تكريس سياسة واستراتيجية شاملة وعميقة طويلة الامد على الصعيد الداخلي لحماية الامن الوطني الشامل بجوانبه السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية، والعلمية والتكنولوجية والإعلامية، وذلك لتعزيز الامن والامان والمحافظة على المكتسبات الوطنية.
ويواصل: حرص جلالة الملك كذلك على وضع المعالم الرئيسة لاستراتيجية أمنية عسكرية لمواجهة التهديدات والتحديات كافة التي قد تواجه الاردن، ويقوم جلالته بالإشراف المباشر والمتابعة الشخصية لتطوير وتحديث هذه الخطط، مركزا على النواحي التدريبية والتطوير والتحديث المستمر لإيجاد وتأهيل وحدات وتشكيلات مدربة ومجهزة لمواجهة اشكال الارهاب كافة، وحماية المصالح الاردنية، ليبقى الاردن واحة أمن واستقرار.
ويبين الطوالبة وهو مدير الدرك الاسبق ايضا ان الرؤى الاردنية عملت في هذا الاطار وبتوجيهات سامية على تعزيز التكنولوجيا والصناعات العسكرية لمواجهة الارهاب وحماية المصالح الوطنية، وتقديم الدعم والاسناد للجهود الامنية والعسكرية، ومن ذلك حماية المنشآت الحساسة والمراكز الحيوية والاستراتيجية وتفعيل خطط الدفاع والحماية، وقد اتسع هذا الاهتمام الملكي الى ادارة الازمات من خلال المتابعة والاشراف المستمر.
وتطرق ، لأهم ملامح التصدي لآفة الارهاب، وعلى رأسها العمل وبكل السبل الوقائية والاستباقية لوقف تام لجميع اشكاله وممارساته، ومحاربة الفكر المتطرف وتعزيز السلم المجتمعي، ومعاملة الارهاب كظاهرة دولية ومواجهتها بجهد عالمي متحد، وسن القوانين والتشريعات لتجريم فعل الارهاب واتخاذ الاجراءات كافة لمتابعة تمويل الارهاب ومن مختلف مصادره، والعمل على تجفيف منابعه، والانضمام للمعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وتأسيس مراكز للسلم المجتمعي وكليات تقوم بمنح درجات علمية في هذا التخصص، والمشاركة في قوات حفظ السلام الدولية لحفظ امن واستقرار الدول في مناطق النزاع المختلفة، وتقديم الخدمة الانسانية والدعم الامني للاجئين ليشعروا بالأمن والطمأنينة.
يلفت الطوالبة الى أن الاردن تعرض منذ نشأته للعديد من العمليات الإرهابية وصولا لتفجيرات عمان، وحوادث الركبان والبقعة والكرك والسلط والفحيص وحادثة الاعتداء الإرهابية البشعة بحق شهيد الوطن معاذ الكساسبة، ولكن بحكمة القيادة الهاشمية ووعي الشعب الاردني وجاهزية أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية كان دائما بمواجهة هذه العمليات بموجب التخطيط الاستراتيجي المسبق وضمن جهد وطني متماسك وقوي ومستمر بعيون ساهرة وعقول يقظة وسواعد لا تعرف إلا حماية الوطن وابنائه، سواعد القوات المسلحة الاردنية الباسلة والاجهزة الامنية كافة التي تعمل دون كلل أو ملل بواجب وطني لتحقيق الأمن.
بدوره، يقول العقيد المتقاعد الدكتور ماهر مخامرة "منذ سنين يتعرض الأردن لمحاولات المساس بأمنه الوطني، واستهداف مواقفه السياسية التي اتسمت بالحكمة والتعقل وبعد النظر والوسطية والاعتدال، ولا يزال هذا البلد الآمن يتعرض لسهام الإرهاب، من الحاقدين والمتربصين، إلا أن سهامهم سرعان ما تتهاوى وتتكسر على صخرة الوطنية والإنتماء، واحترافية الأجهزة الأمنية وعينها الساهرة على أمن الأردن والأردنيين. ويؤكد أن تلك التفجيرات الآثمة قد قرعت الجرس، ومهدت الطريق للعلاج الوقائي والاستباقي لمكافحة الإرهاب، والتي تمثلت في استحداث المركز الوطني للأمن لإدارة الأزمات بنظرة استشرافية للمستقبل، اذ يهتم بوضع خطط وإستراتيجيات أمنية لتحقيق أهداف معينة على المستوى الوطني، وهو نقطة التنسيق الأولى لجميع الأجهزة الأمنية والحكومية، ويعمل بروح الفريق الواحد كمطبخ رئيس لاتخاذ القرارات الإستراتيجية بعيدا عن الإدارة العشوائية (إدارة الفزعات)، معتمدا على إدارة علمية ومأسسة قائمة على التخطيط الدائم والمستمر لجميع الأحداث والسيناريوهات المتوقعة مستقبلا.
وحول إنشاء مراكز البحث والدراسات في جميع الأجهزة الأمنية يبين الدكتور مخامرة أهميتها في وضع الخطط المستقبلية والبيانات والمعلومات المساندة لتشخيص الإرهاب، ومعرفة الأسباب القريبة والبعيدة والوقوف على دوافعه الحقيقية وشعاراته المعلنة، والتعرف على البيئة التي يتحرك فيها، مع رصد موقف المجتمع منه، وحشد الرأي العام لكل قيم الاعتدال والوسطية، والحوار الهادئ والمناقشة الموضوعية للآراء المخالفة.
ويشير الى أهمية العمل الاستخباري في مواجهة الإرهاب، فالبحث والتحري عن التنظيمات الإرهابية يعتبر أول الخطوات، وتعتبر المصادر البشرية التقليدية في جمع المعلومات أكثر أهمية إلى جانب المصادر الفنية، حيث تؤكد نظريات الاستخبار بأن ما تعجز عنه المصادر الفنية تستطيع تحقيقه المصادر البشرية.
ويتابع الدكتور مخامرة، رغم التطور التكنولوجي الفني في تقنيات التجسس ومكافحة والإرهاب، الا ان إن أكثر الدول تقدما في تقنية الاستخبار لا تستطيع التخلي عن مصادرها البشرية في التوصل إلى معرفة مصادر تمويل الإرهاب، وكيفية وصوله إليه، وطريقة حفظه والتصرف به، مشيرا الى أهمية الرصد الدقيق للعناصر الإرهابية ومعرفة قادة الإرهاب ومتابعتهم، والتعرف على أسلوب تجنيد الأتباع وبناء التنظيم وتسلسل الأوامر، حيث ان العمل الاستخباري هو العامود الفقري للإدارة الوقائية والاستباقية في مكافحة الإرهاب أو أي عمل يمس الأمن والأمان.
وفي ذات الصدد يؤكد حرص جلالة الملك على الدعم الكبير للأجهزة الأمنية، واقامة الشراكات الفاعلة لمكافحة الإرهاب مع الدول الشقيقة والصديقة، اذ اصبحت الأجهزة الأمنية الاردنية من أقوى الأجهزة على مستوى العالم، حيث تحبط العديد من العمليات الإرهابية التي تهدف الى ترويع المواطنين الأبرياء وتحمي مقدرات ومكتسبات الوطن، لنعيش في نعمة الأمن والاستقرار، حيث يوظف الاردن كل طاقاته وإمكاناته للتصدي لمخاطر التطرف وتعزيز الحوار بين الديانات، والمذاهب، والحضارات المختلفة وتبيان الوجه الناصع الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف ورسالته السمحة العظيمة، ومنها رسالة عمّان والمبادرات التي تهدف لتعزيز الوئام العالمي بين الأديان وغيرها من المساهمات الأردنية الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي.
من جهته، يقول العميد الركن المتقاعد الدكتور مطلق عواد الزيودي: يستذكر الأردنيون وفي ظل جائحة كورونا التي تسيطر على العالم، الذكرى الخامسة عشرة للتفجيرات الإرهابية، حيث نُفّذت باستخدام أحزمة ناسفة وتسببت بسقوط شهداء ووقوع جرحى.
ويشير الى أن جلالة الملك عبدالله الثاني، قد أكد في جميع خطاباته في المحافل الدولية، أهمية توحيد الجهود الدولية والعمل بتشاركية من أجل مواجهة خطر التطرف وخطاب الكراهية، والتوصل إلى حلول للتصدي لاستغلال المتطرفين والإرهابيين للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن "محاربة الإرهاب الذي لا دين له يجب أن تكون ضمن نهج شمولي، يعالج المجالات العسكرية والأمنية والفكرية".
ويوضح الدكتور الزيودي المتخصص في علم الجريمة وعَمِل محاضرا في المركز الاردني لمكافحة التطرف الفكري،أن تلك التفجيرات قد رسّخت مفهوم المواطنة وعززت من المسؤولية والوعي الذاتي والوطني، كما زادت من الثقة بين المواطن والدولة بأجهزتها الأمنية، ليبقى الأردن دوما حصنا منيعا يلوذ به أبناء الأمة كلما اشتد عليهم الخطب والظلام.
وشكّلت تفجيرات عمان منعطفا هاما في القوانين والتشريعات الأردنية ضد الإرهاب بكل أشكاله، فالأردن وبعد تفجيرات عمان المؤلمة تنبه لوضع العديد من الإجراءات الاحترازية والوقائية ضد الإرهاب، والتعاون مع الجهات المختصة الداخلية والخارجية لقتل آفة الإرهاب التي دخلت الأردن المرابط المدافع عن هويته القومية والاسلامية، وفقا للدكتور الزيودي.
ويبين ان استراتيجية مكافحة الإرهاب والتطرف الفكري تقوم على ثلاثة أبعاد، وهو المدى القصير الذي يتمثل بالأعمال العسكرية التي تنفذ ضد الجماعات الإرهابية والمتطرفة، والمدى المتوسط، هو بعد أمني استخباراتي مع الدول الشقيقة والصديقة، فيما يتمثل المدى الطويل، بالبعد الفكري الهادف إلى تحصين الفرد والمجتمع من آفات الفكر المتطرف.
ويضيف "حرص الاردن على الانضمام للعديد من الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب، كالاتفاقية المتعلقة بالجرائم على متن الطائرات، واتفاقيات قمع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص، وعلى صعيد الإجراءات التنفيذية، أعطت الحكومة تعليمات إلى البنوك كافة بالتقيد بفحص حسابات عملائها والتأكد من تجميد الأرصدة عند طلب الحكومة، وتعليمات خاصة بمكافحة غسل الأموال.
ويوضح أنه وعلى المستوى المؤسسي تم إنشاء مديرية مكافحة التطرف والإرهاب، لمتابعة تنفيذ الخطة الوطنية لمواجهة التطرف الصادرة في العام 2014 وأية تعديلات تطرأ عليها او تحل محلها، وفي العام الذي يليه تم إنشاء مركز السِّلم المجتمعي كأحد مشروعات الخطة الاستراتيجية لمديرية الأمن العام في مكافحة الفكر المتطرف والتوعية والوقاية والعلاج من أخطار هذا الفكر، وفي عام 2017 تم إنشاء المركز الأردني لمكافحة التّطرّف الفكري التابع للقوات المسلحة الأردنية ، والذي يعد مركزا أكاديميا متخصصا بإعداد دراسات الفكر المتطرف ومكافحته.
ويدعو الدكتور الزيودي إلى تعزيز السلم المجتمعي ونبذ التطرف والإرهاب، من خلال إعادة تثقيف الطلبة على أسس التسامح ونبذ العنف و التعصب والتشدد والخوف من الآخر وإتاحة الفرصة للفكر النقدي وعدم فرض النظرة الأحادية وتقبل الآخر المختلف إثنيا وقوميا ودينيا.
من جهته، يقول المتخصص في مجال العدالة الجنائية والأمن الإنساني فيصل عبدالله شديفات، إن تفجيرات فنادق عمان كانت بمثابة التحول في ايديولوجيا الجماعات التكفيرية، وهي الانتقال من محاربة "العدو البعيد الى العدو القريب" عن طريق العمليات الانتحارية بالأحزمة الناسفة من خلال الخلايا النائمة والذئاب المنفردة كما ذكر في أدبيات منظري ما يسمى الجماعات الجهادية التكفيرية التي أسس نواتها الإرهابي ابو مصعب الزرقاوي في العراق تحت مسمى الجهاد والتوحيد، ومن ثم القاعدة في بلاد الرافدين التي تطورت بعد مقتله فيما بعد إلى تنظيم داعش الإرهابي.
ويشير إلى أن الأردن تحدى التطرف والإرهاب من خلال رؤية تعدّت الاقليمية إلى العالمية في المعالجة والتصدي، دون النكوص عن مسؤولياته، فهو يعتبر مرجعا وإنموذجا فريدا في مكافحة الإرهاب وبيئة أمنية مستقّرة بالرغم من موقعه الجغرافي الملتهب.
ويضيف شديفات أنه على الصعيد الأمني تشترك قواتنا المسلحة الاردنية واجهزتنا الأمنية في جميع التحالفات والعمليات المشتركة لمحاربة الإرهاب، واكتسب الاردن سمعة دولية في امكانياته الاستخبارية والأمنية وامتلاكه لقوات مكافحة الإرهاب المحترفة والمدربة على مستوى عال.