أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
ترمب يخطط لمعاقبة (الجنائية الدولية) الشرطة البرازيلية تتهم بولسونارو رسميا بالتخطيط لانقلاب رئيس وزراء المجر يتحدى الجنائية الدولية : سأدعو نتنياهو لزيارة البلاد الذهب يتجه لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في عام إنذارات إسرائيلية بإخلاء منطقتين في صور جنوبي لبنان الخيرية الهاشمية : إرسال 57 ألف طن من المساعدات لغزة منذ بدء العدوان الاحتلال ينشر معلبات سامة بغزة عمدة مدينة أمريكية : سنعتقل نتنياهو وغالانت الجمعة .. ارتفاع آخر على درجات الحرارة الاحتلال يقصف مستشفى كمال عدوان شمال القطاع .. "الأوكسجين نفد" (شاهد) الأردن يوقع بيانًا لإقامة علاقات دبلوماسية مع تيمور الشرقية القناة 12 : “إسرائيل” ولبنان قريبان من اتفاق في غضون أيام المومني: دعم الصحافة المتخصصة أمر أساسي وأولوية بوتين يهدد بضرب الدول التي تزود أوكرانيا بالأسلحة .. "الباليستي رد أولي" شحادة: السماح لجنسيات مقيدة بدخول الاردن يهدف لتعزيز السياحة العلاجية وإعادة الزخم للقطاع ماذا تعني مذكرات التوقيف بحق نتنياهو .. ما القادم والدول التي لن يدخلها؟ جرش .. مزارعون ينشدون فتح طرق إلى أراضيهم لإنهاء معاناتهم موجة برد سيبيرية تندفع إلى الأردن الأسبوع المقبل مسبوقة بالأمطار خبير عسكري: صواريخ أتاكمز الأميركية ستنفجر بوجه واشنطن قروض حكومية بدون فوائد لهذه الفئة من المواطنين
معركة وادي المخازن
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام معركة وادي المخازن

معركة وادي المخازن

21-11-2020 01:05 AM

بعيدا عن واقعنا الواقع سيكون الحديث عن معركة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاثة) التي تمثِّل منعطفًا تاريخيًّا للعزة الإسلامية المغربية العربية، لا، بل للعالم الإسلامي برُمَّتِهِ.

قلَّ ذكرها - على عِظَمِ أثرها - فمن الواجب بيانها للناس، وتذكيرهم بأمجاد الأماجد.

في أعقاب طرد الإسبان والبرتغاليين للأندلسيين من بلاد الأندلس - التي كانت في حَوزة المسلمين ثمانية قرون - وذلك بعد سقوط غرناطة، وتسليم أبي عبدالله الصغير مفاتيحَ قصورها للنصارى عام 897هـ أراد ملك البرتغال (سباستيان) أن يدوِّن – بظنِّهِ – اسمَهُ في إحدى صفحات التاريخ الأوربي؛ ولذلك قام بغزو السواحل المغربية المتاخمة لإسبانيا والبرتغال؛ يريد بذلك أن يُوسِّعَ مملكته على حساب المغرب، وكذلك ليقطع أيَّ أمل للمغاربة والمسلمين بشكل عام في استعادة الأندلس (إسبانيا والبرتغال)، أو التفكير في ذلك.

فما قصة ذلك الغزو؟
كان يحكم المغرب - آنذاك - السعديون، وعُرفت دولتهم بالدولة السعدية - إحدى الدويلات التي حكمت المغرب ولم تستمر طويلًا - وكان من ملوك السعديين في تلك الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها: الملك الغالب بالله.

الملك الغالب هذا له أخٌ اسمه: عبدالملك، ويُدعَى بـ(المعتصم بالله)، وله أيضًا ابنٌ اسمه: المتوكل على الله، فلما تُوفيَ الغالب بالله سنة 982هـ، تولى الحكم ابنه المتوكل، إلا أن عمَّه عبدالملك لم يرضَ بذلك؛ إذ كان يتحفز لتولي الملك من بعد أخيه الغالب - ربما كما هو معهود في دستور تلك الدولة - وكان هذا التولي للمتوكل إيذانًا باشتعال الحروب بين المتوكل (المخلوع)، وعمه عبدالملك، والتي كانت نتائجها كلها لصالح عبدالملك (الأحق بالملك)، الذي ضيَّق الخِناقَ على ابن أخيه المتوكل، وحَصَرَهُ في مساحة صغيرة من المغرب، حتى اضطر المتوكل بعد ذلك للاستعانة بـ(سباستيان) ملك البرتغاليين ضد عمه، مقابل أن يعطيَهُ سواحل المغرب كلها إن أحرز الانتصار في المعركة، فوجدها (سباستيان) فرصة سانحة لالتهام سواحل المغرب، ومن بعدها المغرب بذاتها ثم إفريقية، أما عبدالملك، فقد استعان بالله ثم بجنوده القلائل، وبمن انضم إليه من الدولة العثمانية، وبعواطف الشعب ودعمهم المعنوي.

حشد سباستيان لهذه المعركة 125.000 أو أكثر من الجنود، كان الجيش مُؤلَّفًا من آلاف البرتغاليين، ومثلهم من الإسبان والألمان والطليان، منهم الرَّجَّالة، والفرسان بخيولهم، والرماة بعتادهم، إضافة لـ36 مدفعًا، و 1000 مركب بحريٍّ لحمل الجيش إلى طنجة بالمغرب، وعلى هامش الجيش يقف المتوكل الذي عُرِف فيما بعد بـ(المسلوخ)، ومعه ما بين 300 - 600 من جنوده التابعين له.

كل تلك العدة والعتاد الغربي مقابل 40.000 من المجاهدين المغاربة، مُكوَّنًا من الرماة والفرسان و34 مدفعًا، في مقدمتهم عبدالملك (المعتصم بالله)، ومعه أخ له اسمه: أحمد، كُنيته أبو العباس، ويُلقَّب بـالمنصور.

عبر الجيش النصراني إلى المدينة الساحلية المغربية (أصيلا)، فخشيَ عبدالملك - وهو في مراكش - بحِنكته أن يواصل سباستيان اجتياح المدن القريبة كمدينة القصر الكبير وغيرها، ويحتلها قبل وصوله إليه؛ فأرسل له رسالة قال فيها:

"إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك وجوازك العدوة، فإن ثبتَّ إلى أن نقدم عليك، فأنت نصراني حقيقي شجاع، وإلا فأنت كلب ابن كلب!"، وكان يريد بهذه الرسالة أن يجعل سباستيان يُسلِّط تفكيره على عبدالملك، ويصرف النظر عن احتلال المدن القريبة، والتي كانت آراء المقربين منه تشير له بذلك، فيُحجم عن احتلال المدن؛ وبذلك يكسب عبدالملك وقتًا يصل فيه إلى سباستيان.

وفعلت هذه الرسالة أفاعيلها في سباستيان؛ فجعلته يفور من الغضب، وعمِيَتْ بصيرته؛ فلم يَعُدْ يطيع إلا رأيه؛ فخالف آراء قواد جيشه باحتلال المدن القريبة، وأمر بأن يواجه عبدالملك ليُثبتَ أنه ليس كلبًا ولا ابن كلب، وتحقق ما رتب له عبدالملك، فتمكن عبدالملك من تجميع جيوشه وتحرك من مراكش - البعيدة عن وادي المخازن - وكذلك فعل أخوه أحمد (المنصور)، وتحرك بجيوشه من فاس، والتقيا في مكان يسمى: وادي المخازن، أو القصر الكبير.

ولما وصل الأخوان - وكان هذا الموقع إستراتيجيًا للجيش الإسلامي - أرسل عبدالملك (المعتصم بالله) رسالة يستدرج بها سباستيان؛ ليجعله يُقدم من السواحل المغربية على وادي المخازن، فقال في الرسالة:

"إني قد سرت إليك ست عشرة مرحلة، أفلا تسير إليَّ مرحلة واحدة".
استشاط سباستيان غضبًا، وأحس باحتقار عبدالملك له، وقدَّم حماقته على عقله؛ فأمر بالجيش أن يزحف تجاه وادي المخازن، وفعلًا تحرك الجيش، وكان لا بد للوصول إلى وادي المخازن من اجتياز أحد الأنهار عبر جسر يمر من فوقه.

تقدمت الكتائب النصرانية، والتي كان من ضمنها كتيبة صغيرة هي كتيبة المتوكل البئيسة، وعبرت الكتائب الجسر - وهذا ما كان مخططًا له من قِبل الجيش الإسلامي - وواصلت تلك الجحافل المسير حتى وصلت وادي المخازن (أو القصر الكبير، وكلاهما اسمان للمعركة)، وكان بانتظارهم هناك الجيش المسلم الذي كان أقل عددًا وأضعف عدة.

كان عبدالملك قد قسم جيشه تقسيمًا بارعًا؛ ذلك أنه جعل المدفعية في المقدمة، ثم صفوف المشاة، ثم القيادة في القلب، وعلى المجنبتين الرماة وبقية المتطوعين، وأخفى كتيبتين للحاجة وللانقضاض في الوقت المناسب، ولمطاردة المنهزمين، وتعزيز النصر بإذن الله، كان هذا في صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ.

وقف عبدالملك خطيبًا محمسًا جنده، وحاضًّا لهم على الاستبسال والصبر، ومُذكرًا بوعد الله والجنان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].

كان يبثُّ الحماس فيهم والوعد بالنصر بإذن الله؛ لأنها إن كانت الأخرى، فذلك إيذانٌ بالزحف الأوروبي النصراني لبلاد الإسلام على الأقل في المغرب العربي، وقل ما شئت - بعد ذلك - عن التنصير والخسائر في الأرواح والأموال والبلدان، وفي الجانب الآخر، وقف القساوسة والرهبان يُثيرون جندهم مذكرين إياهم بأن البابا أحل أوزار من يموت ووعده بالغفران.

ثم انطلقت النيران إيذانًا ببدء المعركة.

هنا أمر عبدالملك (المعتصم بالله) أخاه أحمد (المنصور) ومن معه بأن ينطلقوا تجاه الجسر ليهدموه؛ حتى يقطع على العدو خط الرجعة، وليعزل العدو أيضًا عن الإمدادات التي قد تأتيه من أسطوله الرابض على الشواطئ المغربية، ونفذ أحمد (المنصور) ومن معه المهمة بخفية عن أنظار النصارى، وهُدم الجسر.

"ثم زحف السلطان أبو مروان (عبدالملك) إلى العدو بجيوش المسلمين وخيل الله المُسوَّمة، وانضاف إليه من المتطوعة كل من رغِب في الأجر، وطمع في الشهادة، وأقبل الناس سِراعًا من الآفاق، وابتدروا حضور هذا المشهد الجليل، فكان ممن حضره من الأعيان الشيخ أبو المحاسن يوسف الفاسي وغيره.

ولما التقت الفئتان، وزحف الناس بعضهم إلى بعض، وحميَ الوطيس، واسودَّ الجو بِنَقْعِ الجياد، ودُخَان المدافع، وقامت الحرب على ساقٍ، توفي السلطان (عبدالملك: المعتصم بالله) أبو مروان رحمه الله عند الصدمة الأولى، وكان مريضًا منذ أن كان في مراكش، يُقاد به في مِحَفَّةٍ، فكان من قضاء الله السابق ولطفه السابغ أنه لم يطلع على وفاته أحدٌ إلا حاجبه مولاه: رضوان العلج، فإنه كتم موته، وصار يختلف إلى الأجناد، ويقول: "السلطان يأمر فلانًا أن يذهب إلى موضع كذا، وفلانًا أن يلزم الراية، وفلانًا يتقدم، وفلانًا يتأخر...".

وعلم أيضًا بموته أخوه وخليفته أبو العباس أحمد، فكتمها.

ولم يَزَلِ الحال على ذلك، والناس في المناضلة والمقاتلة، ومعانقة القواضب، والاصْطِلاء بنار الطِّعَانِ، واحتساء كؤوس الحِمام، إلى أن هبَّت على المسلمين ريحُ النصر، وأثمرت أغصانُ رِماحِهم زَهْرَ الظَّفَرِ؛ فولَّى المشركون الأدبارَ، ودارت عليهم دائرة البَوَار، وحُكِّمت السيوفُ في رقاب الكفار، ففروا ولاتَ حينَ فِرار، وقتل الطاغية سبستيان عظيم البرتغال غريقًا في الوادي، وقصد النصارى القنطرة، فلم يجدوا إلا آثارها، فخشعت نفوسهم، وتهافتوا في النهر تهافتَ الفَرَاشِ على النار؛ فكان ذلك من أكبر الأسباب في استئصالهم، وأعظم الحبائل في اقتناصهم، ولم يَنجُ منهم إلا عدد نَزْر، وشِرْذِمة قليلة...".

وأُسر مَن أُسر، وغرق من غرق، وكان ضمن الغرقى غير سباستيان: الخائن المخلوع (المتوكل)!

فمات الملوك الثلاثة، ولا سَوَاء!

مات عبدالملك شهيدًا - إن شاء الله - إثْرَ مرضٍ لازمه، وغرق الاثنان أعداء الإسلام: سباستيان والمتوكل.

كانت هذه نتيجة الالتفاف حول قائد واحد، والوعي بخطر العدو، والأخذ بالأسباب بعد التوكل على الله، والانطراح بين يديه.

وأما نتائج المعركة غير النصر الساحق: أصبح أحمد الملقب بالمنصور والملقب أيضًا بـ(الذهبي) سلطانًا على المغرب، وارتفع نجم الدولة السعدية؛ فخطبت الدول الغربية كإسبانيا والبرتغال وفرنسا ودَّها، فأرسلوا الهدايا عبر وفودهم، ودفع النصارى لها أموالًا طائلة مقابل فِكاك الأسرى، وتفرغت الدولة للنهوض بذاتها في شتى المجالات، وبدأ العقل الأوربي في التفكير جِدِّيًّا في الغزو الفكري بدلًا من العسكري.

هذه المعركة سُميت بأسماء ثلاثة: معركة وادي المخازن، أو القصر الكبير، وهاتان التسميتان نسبة للمكان، وسُميت كذلك بمعركة الملوك الثلاثة؛ لموت ثلاثة ملوك فيها.

انظر:

1- "انبعاث الإسلام في الأندلس"، علي بن محمد المنتصر بالله الكتاني (المتوفى: 1422ه)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1426هـ - 2005م.
2- "سلسلة جهاد شعب الجزائر"، بسام العسلي، دار النفائس.
3- الدولة الثالثة (عوامل النهوض وأسباب السقوط)، علي محمد، دار النفائس.








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع