الدكتور: رشيد عبّاس - العالم اليوم وبعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية متفاءل إلى درجة الاطمئنان بديمقراطية جون بايدن التي يتوقع البعض أن يقطف ثمارها في قادم الأيام,..وهنا غفل هؤلاء أو ربما تغافلوا عن أن ديمقراطية جون بايدن هي ثقافة أمريكية تُنازع ثقافة اخرى على السلطة ليس إلا, وهذه الثقافات في أمريكا تشبه تماما الثقافات الدينية المبعثرة التي انتشرت في عالمنا العربي وكانت تتنافس فيما بينها على أستلام السلطة, فالتنافس على السلطة على مر العصور كان يمر عبر ثقافات تتشكل لتأخذ مسميات معينة, بغض النظر عن المبادئ المؤقتة التي كانت تدّعيها تلك الثقافات.
في أمريكا يوجد ثقافة المصلحة, وهذه الثقافة انقسمت على نفسها في ضوء استلام السلطة الى تيارين: تيار بثقافة ديمقراطية مبطّنة, وآخر بثقافة دكتاتورية مُعلنة, هدف كل منهما هو استلام السلطة فقط, وإدارة العالم بالطريقة التي تراها مناسبة للثقافة التي يتبناها تلك التيار, فثقافة الديمقراطية المبطّنة في إدارة الملفات الخارجية والداخلية للولايات المتحدة الامريكية مثلا تختلف تماما عن ثقافة الدكتاتورية المعلنة في إدارة الملفات الخارجية والداخلية للولايات المتحدة الامريكية, مع ان الثقافتين تلتقيان في نقطة واحدة هي مصلحة أمريكا أولاَ وأخيراَ, فقد تتعامل كل من الثقافتين الأمريكيتين في أي لحظة من اللحظات مع أية ثقافة في العالم وحسب المصلحة العامة للولايات المتحدة الأمريكية.
الثقافة الأمريكية الـمصلحجية بقسميها تنسحب تماما على الثقافات الدينية في عالمنا العربي, فقد تعاونت كثير من الثقافات الدينية في عالمنا العربي على مر التاريخ من اجل استلام السلطة مع ثقافات يسارية ويمينية عديدة في هذا العالم, بغض النظر عن اختلاف المبادئ فيما بينهما بذريعة الديمقراطية, وبذريعة التبادل الثقافي, وبذريعة أخذ ما ينفع الأمة من علوم مادية وحياتية معاصرة,..فتقديم مصلحة استلام السلطة لدى الثقافات الدينية في عالمنا العربي أهم بكثير من المبادئ والقيم العليا التي تتغنى بها تلك الثقافات, ومن هنا باتت تتراجع مثل هذه الثقافات الدينية حتى وصل بعضها إلى مشارف الانطواء والانكسار, أو ربما إلى الانحناء.
الكل في هذا العالم يطالب بالديمقراطية.. فالزعماء ورجال الدين والمعارضين في كل مكان وزمان يتنادوا بالديمقراطية وذلك من اجل البقاء في السلطة أو الوصول إلى السلطة, فقد أصبحت الديمقراطية المدخل الرئيسي للحصول على السلطة أو الاقتراب أو التبرك منها, وعند الغوص في أعماق كل من الزعماء ورجال الدين والمعارضين على مر التاريخ نجد أن هؤلاء من أكثر الخلق نفوراَ وخوفا من تفشي الديمقراطية.
بايدن لن يلغي الدكتاتوريات في العالم كما يعتقد البعض, وفي نفس الوقت لن يُلبس العالم حُلة جديدة من الديمقراطية كما يعتقد البعض الاخر, إنما سيجعل الجميع حائراَ لحين الاستسلام والاصطياد, وهذه الثقافة ثقافة كاملة الدسم, فقد جاءت فكرتها من طقوس اصطياد النمور للغزلان في الحقول والغابات والمروج, دون عناء المطاردات والمطارحات, وخلاف ذلك ربما يفضي إلى فشل استسلام الغزلان ونجاتها من الاصطياد,..نعم ثقافة بايدن وزمرته أخطر بكثير من ثقافة ترامب وزمرته, فنظرية أن تجعلني حذراَ منذُ البداية وأنجوا من الاصطياد, أفضل بكثير من أن تجعلني حائراَ شيء من الوقت ومن ثم الوقوع في شباك الصياد.
الأمة العربية هي في طبيعتها حائرة هذه الأيام ولا تحتاج الى تقديم طُعم, وشباك ديمقراطية جون بايدن ملقاة أمامها دون عناء, واستسلام الأمة واصطيادها اسهل من تأليف أغنية ثورية بعد كل هزيمة وانكسار, والمشكلة أن ديمقراطية جون بايدن ستنقلنا من هزيمة إلى أخرى, مع انها لا تساوي جناح بعوضه, وربما تؤخر علينا بعض الفرص التي يمكن للأمة أن تستثمرها أو أن تستفيد منها بحكم الجغرافيا.
الشعوب على هذه الارض للأسف الشديد قرأت الديمقراطية في الكتب والمراجع والمجلدات والدوريات ولم تجدها على أرض الواقع, وما بقي على هذه الشعوب إلا ان تقلع أو تشلع هذه الديمقراطية من قواميس المكتبات, عند ذلك سيعرف العالم أن ديمقراطية جون بايدن لا تساوي جناح بعوضه.
وبعد..,
رياح ديمقراطية جون بايدن لن تحرك مروحة ورق يحملها طفل صيني يقف خلف نافذة غرفته يستمع لأغنية نصف القمر المفضلة لدى الأطفال الصينيين..